الذكرى العشرون لاغتيال رفيق الحريري… الرجل الذي مثَّل أفضل وأسوأ ما في لبنان

الذكرى العشرون لاغتيال رفيق الحريري… الرجل الذي مثَّل أفضل وأسوأ ما في لبنان

الذكرى العشرون لاغتيال رفيق الحريري… الرجل الذي مثَّل أفضل وأسوأ ما في لبنان


26/02/2025

يوم الجمعة 14 شباط (فبراير) يحيي لبنان الذِّكرى العشرين لاغتيال رفيق الحريري. ومن شأن هذا أن يوفِّر فرصةً لتفحُّص إرث رئيس الوزراء السابق، وأيضاً التأمُّل في إخفاق التحقيق الدولي في الكشف عن جميع قاتليه.

عندما تولى الحريري السلطة في عام 1992 فعل ذلك إلى حد كبير من خلال تفاهم بين المملكة العربية السعودية وسوريا. لقد لعب السعوديون دوراً رئيساً في التفاوض على "اتفاق الطائف" الذي كان بمثابة الأساس للتغييرات الدستورية التي أعادت توزيع السلطة بين الطوائف اللبنانية وأنهت الحرب الأهلية. وبدورها كانت سوريا القوة المهيمنة بحكم الأمر الواقع في لبنان، بعد أن أطاح جيشها بميشال عون والحكومة العسكرية التي كان يرأسها.

تمثَّلت مهمة الحريري في قيادة التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار المادي في لبنان، بالنظر إلى الثقة التي كان يتمتَّع بها دولياً، خاصَّة بين المؤسسات المالية. واحتفظ السوريون بنفوذ كبير على الشؤون السياسية والأمنية في لبنان، وفرضوا استثناءً بشأن نزع سلاح الميليشيات بعد الحرب: سُمح لحزب الله بالاحتفاظ بأسلحته ومواصلة مقاومته ضد احتلال إسرائيل لجنوب لبنان.

رئيس الوزراء اللبناني السابق: رفيق الحريري

كان الهدف السوري من ذلك الاحتفاظ بنقطة ضغط ضد إسرائيل في وقت كانت فيه دمشق منخرطة في مفاوضات مع الإسرائيليين بشأن مرتفعات الجولان، في أعقاب مؤتمر مدريد عام 1990. ولم يسعَ الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد إلى استعادة الجولان المحتل فحسب، بل سعى أيضاً إلى الاحتفاظ بالسيطرة على لبنان.

تَصَارَع الحريري مع هذا الوضع لأعوام، ممَّا خلق ازدواجية شاذَّة بين دولة تحاول استعادة سيادتها وجماعة مسلحة مستقلة تقوِّض هذه السيادة. كما واجه مشكلة كبرى أخرى تمثَّلت في الاضطرار إلى توجيه إعادة الإعمار في بلد ما يزال زعماء الميليشيات فيه - وجميعهم حلفاء لسوريا - يحتفظون بقدر كبير من السلطة.

اضطُرّ الحريري إلى المساعدة في إرساء نظام يمنح زعماء الأحزاب أو أعضاءها وزارات يديرونها في كثير من الأحيان كإقطاعيات شخصية، في حين ركَّز رئيس الوزراء قرارات إعادة التأهيل وإعادة الإعمار في يديه. ولم يكن هذا يعني تهميش الوزارات. فقد سمحت المشاريع التي كانت تُدار من خلال هذه الوزارات بقدر كبير من الفساد ونهب الموارد الوطنية.

والرجَّل الذي أمَّنَ التمويل لمثل هذه الأنشطة هو رياض سلامة، محافظ البنك المركزي. بدأ سلامة، الذي يقبع الآن في السجن، عملية إصدار ديون محلية عالية الفائدة لجذب رأس المال إلى البلاد، ممّا ساعد في تمويل إعادة الإعمار، وفرض ربطاً ثابتاً (ومكلفاً) للعملة المحلية بالدولار الأمريكي. وعندما وصل هذا النظام إلى مرحلة الأزمة في عام 1998، بدأ لبنان في إصدار ديون أجنبية لتجنُّب التخلف عن السداد.

يمكن للمرء أن يشيد بالحريري لقيادته عملية إعادة إعمار شائكة للغاية كانت لتسحق أيّ رئيس وزراء آخر. ومع ذلك، فقد أشرفَ أيضاً على الأسس الهشَّة للنظام المالي اللبناني الذي انهار في عام 2019. ربما لم يكن لديه خيار آخر إذ كان هدفه إعادة بناء لبنان، لكنّ اغتياله أزال أيضاً الفرد الوحيد الذي ربما كان قادراً على تقديم تدابير تصحيحية لتجنُّب الأسوأ.

 حاكم مصرف لبنان السابق: رياض سلامة

وبحلول عام 2004 كان الحريري يشعر بالاستياء من قيام السوريين بتمديد ولاية الرئيس اللبناني آنذاك إميل لحود، الذي فرضوه في عام 1998 لاحتواء الحريري، من بين أسباب أخرى. ولعب الحريري دوراً خلف الكواليس في الضغط من أجل صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1559، الذي يدعو إلى انسحاب سوريا من لبنان ونزع سلاح جميع الميليشيات. وكانت هناك أيضاً إشارات إلى أنّه كان على وشك تشكيل قوائم ضد المرشحين السوريين في انتخابات عام 2005، وتأمين الأغلبية البرلمانية، ووضع نفسه في موقف يسمح له بمطالبة سوريا بسحب قواتها.

كانت هذه هي الخلفية التي أدَّت إلى اغتيال الحريري. وقد أكدت هذه الخلفية قدرة الرجل على المناورة بين التناقضات، والنفوذ الكبير الذي مارسه محلياً ودولياً، الأمر الذي جعله في نهاية المطاف هدفاً. ولكنّ النتيجة الإيجابية كانت أنّه ترك وراءه بلداً أعيد بناؤه بشكل كبير بعد (15) عاماً من الحرب. وكان بوسعه أن يشير إلى هذا، حتى ولو أثارت خططه انتقادات من بعض الأوساط.

إنّ آخر ما سنتذكره عن الحريري هو أنّ مقتله أدى إلى إنشاء أول محكمة تابعة للأمم المتحدة للتعامل مع الجرائم الإرهابية. ومع ذلك، فإنّ التحقيق الذي أجرته الأمم المتحدة، والذي سبق المحكمة، لم يقم إلا بقدر ضئيل من البحث بعد عام 2005، خوفاً على ما يبدو من العواقب السياسية، وفي النهاية توصل إلى لائحة اتهام سمحت للعديد من المتورطين بالبقاء أحراراً. إنّ ما كان من المفترض أن يكون عملية قضائية لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم السياسية لم يكن كذلك على الإطلاق، فقد استمرت الاغتيالات السياسية.

ليس من السهل تلخيص الحريري. ففي كثير من النواحي أظهرت فترة وجوده في منصبه أفضل وأسوأ ما في لبنان، في حين أدى موته إلى تقسيم البلاد بشكل أكبر، في حين كان ينبغي أن يوحِّدها. لكن عندما نستعرض لبنان بعد الحرب، نجد أنّ قِلة من الرجال تمكنوا من دفع البلاد إلى الأمام كما فعل الحريري، في حين أدى موته إلى فترة طويلة من الجمود والعنف والدمار في الشؤون الوطنية. وهذا وحده يفسِّر سبب أسفنا على غيابه.

المصدر:

يونغ، ذي ناشيونال، 12 شباط (فبراير) 2025




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية