الديناميكيات السياسية لصراع الإخوان المسلمين على السلطة في السودان

الديناميكيات السياسية لصراع الإخوان المسلمين على السلطة في السودان

الديناميكيات السياسية لصراع الإخوان المسلمين على السلطة في السودان


25/07/2024

عبد المنعم همت

تنظيم الإخوان المسلمين في السودان عمل على توطيد أركان حكمة عبر الآلة القمعية المتمثلة في الأجهزة الأمنية وكتائب العمل الخاص الجهادية التي تدربت على أعمال العنف والقمع والتفجير، كما سيطر على الاقتصاد وحوّل موارد السودان إلى مصلحة التنظيم بالإضافة إلى التضييق على المعارضين بالفصل من الخدمة والاعتقال والقتل، وبذل الإخوان جهداً كبيراً في تفكيك المجتمع السوداني وإعادة صياغة الوعي الجمعي ليتماشى مع عقلية الإخوان وديناميكية التنظيم.

اتصل عبدالفتاح البرهان بحاكم الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبعيداً عن التكهنات عمّا دار في المحادثة إلا أن هناك جوانب مهمة لاحت في الأفق يمكننا من خلالها قراءة ما يدور داخل التنظيم الإخواني في السودان والذي يسيطر على المؤسسات العسكرية من أمن وشرطة وجيش والتي تتبع لمكتب العمل الخاص للتنظيم.

منذ بداية الحرب توجد انقسامات واضحة في التنظيم وتوجد ثلاثة أجنحة رئيسة تتصارع داخل الحركة الإسلامية، التيار الأول يقوده المتشددون بقيادة علي عثمان وعلي كرتي وأسامة عبدالله وأحمد هارون وتقوم إستراتيجية هذا الجناح على استمرار الحرب وتوسيع رقعتها بفرضية قدرتهم على هزيمة الدعم السريع والقضاء على القوى المدنية بضربة واحدة وبذلك يستعيدون السلطة.

هذا الجناح مرتبط بالتنظيم الدولي للإخوان والذي يعمل على توفير العون اللوجستي والمالي والعسكري الذي تتحصل عليه من إيران وبعض الدول العربية والإسلامية. كما أن هذا الجناح يعمل على حشد الجماهير وتكوين ما يسمّى بالمقاومة الشعبية، اعتمادا على إثارة النعرات المناطقية والقبلية. يسعى هذا الجناح إلى تقسيم السودان إذا فشل في الانتصار على الدعم السريع ويحلم قادته بتكوين دولة إسلامية في الوسط على نموذج حكمها الذي امتد من 1989 إلى يومنا هذا.

إن خطورة هذه التيار المتشدد تتمثل في امتلاكه لعلاقات دولية واسعة وقدرته على التنسيق مع جماعات إرهابية عالمية وليس بعيداً عن الذهن علاقتهم بكارلوس، وبن لادن. قام تنظيم الإخوان بإرسال تهديدات بالقيام بأعمال إرهابية نوعية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ويتوزع مناصرو هذا الجناح في عدد من الدول ويعملون تحت غطاء رجال الأعمال وهي في الأصل أموال التنظيم. هذا الجناح يختبئ تحت عباءة الفريق ياسر العطا الذي أعلن أن هذه الحرب يوجد فيها إسلاميون يقاتلون مع الجيش.

أما الجناح الثاني فهذا يعمل كقوى ناعمة ومدركة أن فترة حكمهم لم تكن مشرّفة لهم ولكنهم متمسكون بدولة الخلافة التي يدعو لها التنظيم. تقوم إستراتيجية هذا الجناح على وقف الحرب وبناء تحالف مع الدعم السريع وإقصاء المدنيين. عادة ما يعمل هذا الجناح تحت مظلة الجمعيات الخيرية مثل منظمة الدعوة الإسلامية، والهدف من ذلك إعادة ترتيب الأوضاع داخل التنظيم والتنصل من الأخطاء الفظيعة التي تمت منذ وصول الإخوان إلى السلطة بشكل منفرد في العام 1989.

التيار يتماشى مع إستراتيجية العمل الإخواني في أوروبا الذي يقوده طارق رمضان حفيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان. يسعى رمضان إلى التقارب مع الديمقراطية الغربية ويعتبر أن ليس هناك علاقة تضاد بين الإسلام والمفاهيم الغربية مثل العلمانية والمساواة بين الرجل والمرأة والحجاب. ولقد سبق للقيادي الإخواني السوداني الدكتور علي الحاج الدفاع عن العلمانية مما يوضح وجود تيار بدأ التماهي مع الغرب ليس قناعةً بل تقيةً، وهذا التيار يتخذ الفريق شمس الدين كباشي كواجهة.

هناك جناح ثالث يقف في الوسط ويتملكه التردد في تحديد موقفه، هذا التيار يقوده رجال المال والأعمال ولهم ارتباطات خارج المنظومة الإخوانية داخليا وخارجيا، وتقوم مصالحه على إقصاء القوى المدنية، ويختلف هذا التيار بأنه يرغب في التعامل مع المجتمع الدولي شريطة أن يحفظ لهم مصالحهم الاقتصادية، وهذا الجناح هو الذي يدفع للتواصل مع الإمارات والسعودية وبناء علاقات مع الغرب، وهؤلاء يختبئون خلف البرهان باعتباره أكثر قدرة على المراوغة والتضليل بالإضافة إلى تقديمه للتنازلات سريعاً، وهذا الجناح أقرب إلى أفكار وتكتيكات حسن الترابي والذي لم يعتمد على ثوابت أخلاقية في ممارسته للسياسة.

كل هذه الأجنحة مجتمعة تمثل خطورة على الأوضاع الداخلية والخارجية لأنها لم ولن تقر بفشلها في إدارة شؤون السودان وتتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة ولا تعترف أن الخطأ ليس في التطبيق بل الخطأ في المنهج نفسه. إن الذي يجمع هذه الأجنحة الاستعلاء وادعاء التفويض الإلهي ومرجعهم في ذلك ما قاله حسن البنا في مقاله “من نحن وماذا نريد؟”، فيقول: “وقد يقولون بعد هذا كله ما زلتم غامضين فأجيبوهم نحن الإسلام”.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية