الدولة الوطنية في فكر الإخوان: ما خطة الجماعة لهدم المؤسسات؟

الدولة الوطنية في فكر الإخوان: ما خطة الجماعة لهدم المؤسسات؟

الدولة الوطنية في فكر الإخوان: ما خطة الجماعة لهدم المؤسسات؟


13/11/2024

لطالما أثار فكر جماعة الإخوان المسلمين جدلاً واسعاً فيما يتعلق بالموقف من مفهوم الدولة الوطنية ومؤسساتها، فمن منظور الجماعة تتجاوز الدولة الإسلامية المصالح القومية، ممّا يجعل رؤيتها تتعارض بوضوح مع فكرة الدولة القومية التي تتبنّى سياسات وسيادة محلية، وتركز جماعة الإخوان على مفهوم "الأمة الإسلامية" بوصفها إطاراً سياسياً واجتماعياً ودينياً يجمع المسلمين بغضّ النظر عن الحدود الجغرافية

وهذا المنظور لا يتفق مع الأسس التي تقوم عليها الدول الوطنية الحديثة، ومع تزايد دور الدولة الوطنية في العالم العربي عقب الاستقلال عن الاستعمار، ظهرت المؤسسات الوطنية كحامل رئيسي للسيادة وحماية النظم، وهو ما رأت فيه جماعة الإخوان تهديداً لمساعيها للسيطرة على المجتمعات الإسلامية وفق رؤيتها، ونتيجة لذلك اتخذت الجماعة موقفاً عدائياً من مؤسسات الدولة، متهمة إيّاها بالعلمنة والانحراف عن الشريعة الإسلامية.

استراتيجية تفكيك المؤسسات الوطنية

استراتيجية جماعة الإخوان لتفكيك المؤسسات الوطنية لم تكن محض آراء نظرية، بل شملت العديد من الممارسات العملية، خاصة بعد استلام الجماعة مقعد الحكم في مصر عام 2012، فقد اعتمدت الجماعة على استراتيجيات متنوعة لتفكيك مؤسسات الدولة الوطنية في مصر، بدءاً من محاولتها إضعاف الثقة في مؤسسات الدولة وصولاً إلى محاولات اختراقها وتوجيهها لتحقيق أهدافها، وفي هذا السياق اتبعت الجماعة عدة أساليب لتحقيق هذا الهدف، مثل التشكيك في شرعية مؤسسات الدولة الوطنية، واختراق المؤسسات السيادية، وإضعاف الاقتصاد الوطني، وإثارة النزاعات والانقسامات المجتمعية، واستراتيجية التمكين على المدى الطويل.

وفيما يخص التشكيك في شرعية مؤسسات الدولة، عمدت الجماعة إلى تشويه سمعة الجيش الوطني والقضاء المصري من خلال نشر شائعات حول هذه المؤسسات، كما استخدمت وسائل الإعلام لنشر دعاية مضادة، عبر قنوات إعلامية وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، أمّا فيما يتعلق باختراق المؤسسات السيادية، فقد سعت الجماعة إلى الاستحواذ على المناصب العليا في الدولة خلال فترة حكم محمد مرسي، وشمل ذلك محاولة السيطرة على وزارة الداخلية وبعض المؤسسات الاقتصادية المهمة.

عمدت الجماعة إلى تشويه سمعة الجيش الوطني والقضاء المصري من خلال نشر شائعات حول هذه المؤسسات

 كما تبنت الجماعة خلال فترة حكم مرسي سياسات اقتصادية قوبلت بانتقادات واسعة، وهو ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي بشكل كبير، ووجهت بعض الموارد لدعم الأنشطة الموالية للجماعة، ممّا أضعف المؤسسات المالية الوطنية، وسعت الجماعة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع أطراف خارجية داعمة لها، ممّا مكنها من توسيع نفوذها على حساب الاقتصاد المحلي، كما ركزت الجماعة على إثارة النزاعات والانقسامات المجتمعية، وتحريض الشباب ضد مؤسسات الدولة، مستغلة القضايا المجتمعية والسياسية في زعزعة الاستقرار، كما أبرمت تحالفات مع تيارات متطرفة، بهدف تقويض الأمن الداخلي في ظل الفوضى السياسية.

وفي إطار استراتيجيتها على المدى الطويل، عملت الجماعة على التغلغل في التعليم والثقافة من خلال تغيير المناهج الدراسية وتحريف الفكر الوطني، وكان الهدف من ذلك إعداد أجيال موالية لها، كما تبنت استراتيجية التغيير التدريجي لاستبدال قيم الدولة الوطنية بقيم إخوانية، لضمان ولاء الأفراد للتنظيم بدلاً من الولاء للدولة.

الإعلام والعلاقة مع المجتمع الدولي

من ناحية أخرى، دشنت جماعة الإخوان منصات إعلامية وحملات دعائية تمكنها من كسب التأييد الشعبي وتحقيق أهدافها السياسية، هذا التوجه لم يكن مقتصراً على الداخل المصري، بل امتد إلى الخارج عبر محاولات للتواصل مع الدول الغربية والمنظمات الدولية، حيث سعت الجماعة إلى تصدير نفسها باعتبارها قوة سياسية يمكن التفاوض معها أو دعمها في مشاريع سياسية إقليمية، على الرغم من أنّ العديد من هذه الجهود كانت تستهدف في المقام الأول تحقيق مكاسب داخلية تتعلق بالوصول إلى السلطة.

إحدى أبرز محاولات الجماعة لتوسيع نفوذها كانت عبر تأكيداتها المستمرة على انتقاد الأنظمة العربية الحاكمة في الدول التي تتبنّى النظم الملكية أو الجمهورية، وكانت هناك دعوات متكررة من قبل قيادات الإخوان للإطاحة بهذه الأنظمة باستخدام القوة الشعبية، وهو ما يتماشى مع فكرة الإخوان في ضرورة تغييرات جذرية في بنية المجتمع والدولة، وعندما فشلت في ذلك حركت أذرعها المسلحة لاستهداف مؤسسات الدولة الوطنية داخل مصر، والتي نفذت عشرات وربما مئات العمليات الإرهابية ضد الدولة والمسؤولين الحكوميين ورجال القضاء والأمن. 

العداء للمؤسسات الوطنية: الجيش والقضاء والمؤسسات الأمنية

يتجلى عداء جماعة الإخوان المسلمين للمؤسسات الوطنية في مصر بوضوح في موقفهم تجاه الجيش والقضاء وأجهزة الأمن، وتُعتبر هذه المؤسسات في فكر الجماعة مراكز قوة تهدد أهدافها السياسية وتوجهاتها الإيديولوجية، ويرى الإخوان أنّ الجيش يمثل القوة العسكرية التي تحمي الدولة الوطنية، وهو ما يتعارض مع رؤيتهم لدولة إسلامية تمتد على مستوى الأمة الإسلامية، ومن ثمّ كان الإخوان يسعون إلى تحييد الجيش أو تشويهه، وكذلك استهداف قادته، وقد فشلت جميع تلك المحاولات.

وتجلى هذا العداء بشكل أكثر وضوحاً في عدة أحداث دامية في تاريخ الجماعة، في الخمسينيات، خاصة في عام 1954، حين أقدمت جماعة الإخوان على محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في حادثة "المحاولة الفاشلة"، وفيما بعد تبنت الجماعة أساليب أكثر تطرفاً، واستهدفت بعض عناصر الجيش في فترة حكم محمد مرسي وما بعد سقوطها عن الحكم، من خلال أذرعها المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي تحالف معها الإخوان آنذاك.

الرئيس المصري الراحل: جمال عبد الناصر

أمّا بالنسبة إلى المؤسسة القضائية، فقد تعاملت الجماعة معها بالشكل العدائي نفسه، فقد نظرت إليها كأداة قانونية تدعم المؤسسات الوطنية، وفي عام 2013، أثناء حكم مرسي، تعرضت المحاكم لانتقادات حادة من جانب الإخوان، وسعوا إلى الضغط على القضاة لتعديل أحكامهم بما يتماشى مع توجهات الجماعة، وفي بعض الحالات تم التدخل المباشر في شؤون القضاء، ممّا أثار غضب القضاة الذين رفضوا التلاعب باستقلاليتهم، وبعد الإطاحة بمرسي استمرت الجماعة في تحريض أنصارها ضد رجال القضاء من خلال تصريحات تهاجم استقلالية العدالة في مصر.

كما أنّ أجهزة الأمن في عهد مرسي كانت هدفاً للمجموعات المسلحة التابعة للجماعة، إذ تم استهداف رجال الشرطة في عمليات عنف متعددة، وأبرزها الهجمات على أقسام الشرطة في القاهرة والمحافظات، وأدت هذه الهجمات إلى سقوط العديد من الشهداء من رجال الشرطة والجيش في سياق محاولات الإخوان لتقويض السلطة القائمة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية