الخصاص البحثي المركب في قراءة الإسلاموية إقليمياً وقارياً

الخصاص البحثي المركب في قراءة الإسلاموية إقليمياً وقارياً

الخصاص البحثي المركب في قراءة الإسلاموية إقليمياً وقارياً


11/12/2022

موضوع هذه المقالة من وحي قراءة كتاب يهم الظاهرة الإسلاموية في نسختها الفرنسية، والحديث عن كتاب أشبه بمجلد صدر منذ سنة ونيف، وإن كانت القراءة تهم نسخة منقحة، صدرت منذ أسابيع. نتحدث عن كتاب "الضواحي التي غزتها الإسلاموية"، أو "المناطق التي غزتها الإسلاموية" حسب الترجمة المعتمدة التي تهم عنوان الكتاب، والذي نزعم أنه يستحق الترجمة إلى اللغة العربية، لعدة أسباب منها؛ سبب يهم موضوع المقالة.

يروم الكتاب الذي أشرف عليه الباحث الفرنسي البروفيسور في جامعة باريس 8، السوربون الجديدة، برنارد روجييه، تقديم مفاتيح تفسر صعود ظاهرة الإسلاموية في فرنسا، وبما أنّ الأمر يهم عملاً جماعياً، عرف مشاركة مجموعة من الباحثين، إضافة إلى كونه مؤسَّساً على عمل ميداني استمر سنوات في مجموعة من الأحياء التي تعرف حضوراً وازناً للظاهرة، فإننا نقرأ دراسات وشهادات حول جميع تفرعات الظاهرة، من إخوان وسلفيين وجهاديين وحتى من مدخليين (نسبة إلى "السلفية المدخلية"، إحدى تفرعات السلفية)، وتبليغيين (نسبة إلى جماعة "الدعوة والتبليغ).

على سبيل المثال، بخصوص قراءة استقطاب الخطاب الداعشي للشباب الفرنسي، بما في ذلك بعض معتنقي الإسلام، خلُصت إحدى القراءات التي جاءت في الكتاب ــ لأننا إزاء عدة قراءات، وهذه ميزة أخرى للكتاب الجماعي ــ إلى أنّ الأيديولوجية الداعشية كانت ذكية في استقطاب هؤلاء من خلال تأصيل الاتِّجار في المخدرات أو سرقة أموال مؤسسات عمومية، بما فيها البنوك، بوصفها "نضالًا ضد الدولة الكافرة"، ومن ثَمَّ عَدّ تلك الأعمال جهاداً، ونستشهد هنا بعدة نماذج ميدانية، نذكر منها حالة محمد مراح أو صبري السعيد، مطالباً بعدم اختزال هذه الحالات وتصنيفها في خانة "الذئاب المنفردة"، بقدر ما يتعلق الأمر بفشل إدماج الشباب، حيث استغله الخطاب الداعشي ووظَّفه لصالح مشروعه القتالي.

بيت القصيد بخصوص قراءة الظاهرة الجهادية عنوانه تعدد الأسباب التي أفضت إلى ظهور الحالة، سواء مع الشباب الفرنسي المسلم، أو مع بعض الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام عبر البوابة الداعشية، أو مع حالات النساء معاً

بيت القصيد بخصوص قراءة الظاهرة الجهادية عنوانه تعدد الأسباب التي أفضت إلى ظهور الحالة، سواء مع الشباب الفرنسي المسلم، وأغلبه منحدر من دول المغرب العربي، وخاصة المغرب والجزائر وتونس، أو مع بعض الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام عبر البوابة الداعشية، أو مع حالات النساء معاً؛ أي شابات الجالية المسلمة، المغاربية على الخصوص، وشابات فرنسيات اعتنقن الإسلام عبر البوابة الإسلاموية، بما فيها البوابة الجهادية.

على سبيل المثال: قد نجد شاباً فرنسياً أصبح داعشياً بسبب تأثير الثورة الرقمية، وقد تضمن الكتاب مجموعة من الأمثلة حول تطبيقات رقمية كانت سبباً وراء التأثير على الشباب هناك، بما في ذلك حالة الشاب محمد مراح الذي تورط في حادث مقتل عسكريين وثلاثة أطفال وأستاذ في مدرسة يهودية بين 11 و19 آذار (مارس) 2012؛ أو بسبب الانتقال من مقام الإسلاموية نحو مقام آخر، من قبيل المرور عبر المحطة الإخوانية قبل ولوج المحطة الداعشية؛ وهناك حالات ذات صلة بوضعية نفسية، لا علاقة لها بالإسلاموية أساساً، لكن وجود الفراغ في التأهيل النفسي والمصاحبة، موازاة مع الإغراء الذي يمارسه الخطاب الإسلاموي، تتورط هذه الحالات في مآزق مجانية؛ هناك أيضاً حالات انتقلت بين ليلة وضحاها من حالة الإجرام البعيد كلياً عن الالتزام الديني نحو الانضمام إلى المشروع الداعشي، وهكذا الأمر مع العديد من الحالات. (من باب الإنصاف، التناول المركب للظاهرة الجهادية في الكتاب، يتقاطع بعضه مع التناول النظري الذي تضمنه كتاب "الجهادية: عودة القربان"، والذي ألفه المفكر الفرنسي جاكوب رݣوزينسكي، وترجمه للعربية يونس الزواين وعبد الحق يتكمنتي، وصدر عن المركز الثقافي للكتاب ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، وصدر في غضون 2021).

سوف نعاين القراءات المركبة نفسها في معرض قراءة أداء المشروع الإخواني في فرنسا، مع تسليط الضوء على الأداء الميداني في المؤسسات السياسية والمنظمات الأهلية، وحتى في المجال البحثي، وقس على ذلك قراءة أداء جماعة "الدعوة والتبليغ"، أو التيار السلفي.

حتى الإصدارات الإسلامية السائدة في الساحة الفرنسية، كانت محور أحد فصول الكتاب، وكان هذا المحور فرصة لكي يمرر المشرف على الكتاب، برنارد روجييه مجموعة من الملاحظات النقدية، ونتوقف عند ملاحظتين منها:

ــ توجيه النقد إلى ما يُشبه الخيط الناظم للعديد من الإصدارات الفرنسية التي اشتغلت على الظاهرة الإسلامية الحركية، إلى درجة وصول الأمر إلى أنّ بعض هذه الدراسات، اختزلت الظاهرة في البعد النفسي، والمقصود هنا على سبيل المثال، أعمال الباحث على علم النفس، الفرنسي من أصل تونسي فتحي بن سلامة؛ أو تهميش التطرف لدى الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام، وقد ناهزت نسبة هؤلاء في الظاهرة الجهادية الفرنسية نحو 10%، مع أنّ كل الظروف كانت متوافرة لكي يشتغل الباحثون هناك على الظاهرة من منظور علم الاجتماع على الخصوص.

ــ توجيه النقد إلى بعض الباحثين الذين يقزمون من تأثير الخطاب الإسلاموي، نذكر منهم أوليفيه روا وفرهاد خوسروخفار، مؤاخذاً عليهما أنهما غير متمكنين من اللغة العربية، مذكراً القارئ والمتتبعين، أنه مباشرة بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، عاينا طلباً كبيراً على الكتب الإسلامية من الجميع، لولا أنّ واقع الحال في المكتبات الإسلامية، يفيد أنّ العديد منها تابع للأيديولوجيات الإسلاموية.

وبالنتيجة، وانطلاقاً من نتائج هذه القراءة المركبة، والتي تهم مجالاً أوروبياً، فالأحرى السائد في باقي الدول الأوروبية وقبلها دول المنطقة العربية، نزعم أنه ثمة خصاص قائم في الاشتغال البحثي على الظاهرة الجهادية، بالرغم مما تحقق في الساحة، ولكن الملاحظ أنّ هناك مجموعة من القضايا أو الأسئلة المرتبطة بالظاهرة، لا نجد حولها دراسات وأبحاثاً... إلخ؛ أي قضايا ومواضيع لا مفكر فيها بتعبير ميشيل فوكو أو لم ننتبه إليها.

لا زالت هناك عدة مناطق غامضة أو غائبة في التناول البحثي لظاهرة الحالة الجهادية، بما يضاعف من مسؤولية الباحثين المعنيين بالاشتغال عليها، محلياً وقارياً، مساهمة في صيانة الدولة والتديّن

مؤكد أنه تحقق تراكم كبير، كمي ونوعي في الاشتغال على الإسلاموية بشكل عام، من قبيل ما تحقق في الاشتغال على المشروع الإخواني، وخاصة ما تعج به الساحة المشرقية، مقابل التواضع النظري في الاشتغال على الظاهرة نفسها مغاربياً، مع بعض استثناءات، أو التراكم الذي تحقق في الاشتغال على الظاهرة السلفية، المسماة "سلفية تقليدية" تارة أو "سلفية علمية" تارة أخرى، لكن الأمر مختلف مع قراءة وتفسير وتفكيك الحالة الجهادية.

نقول هذا ونحن نأخذ بعين الاعتبار أنّ الظاهرة تتجه للتوسع إقليمياً وقارياً، كما نعاين مع التوسع في القارة الأفريقية، والقارة الأوروبية أيضاً، خاصة في دول غرب أوروبا.

في الشق الإقليمي، وحتى بالنسبة لغير المتتبعين للظاهرة؛ أي مع نسبة كبيرة من الرأي العام، تكفي مشاهدة الجزء الأول [لعام 2020] والثاني [لعام 2021] من مسلسل "الاختيار" المصري، والذي كان مخصصاً لبعض تمظهرات الحالة الجهادية في مصر وليبيا، حتى تأخذ النسبة ذاتها من الرأي العام، فكرة عن تعقيدات وتشعبات الظاهرة، ونحن نتحدث بالكاد عن رقعة جغرافية محددة، وهكذا الأمر مع تفرعات وتشعبات الظاهرة في المشرق العربي، وفي القارة الأفريقية، وخاصة في منطقة الساحل، إلى درجة أنّ العديد من المجلات الأوروبية أصبحت تنشر خلال السنوات الأخيرة ملفات خاصة عن الظاهرة الجهادية في القارة الأفريقية، بينما كان الخوض في الموضوع متواضعاً أو نادراً في مرحلة سابقة.

سنوات قليلة بعد نهاية الغزو السوفياتي لأفغانستان، بين 1979 و1989، سوف نعاين أولى المتابعات الإعلامية لظاهرة "الأفغان العرب"، وتلتها متابعات بحثية، وجاءت بعدها موجات من الحالة الجهادية، من قبيل تنظيم "القاعدة" بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، أو تنظيم "داعش" بعد سنوات قليلة بعد اندلاع أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، وبالرغم من مرور عقود على ولادة الظاهرة، ونشر مجموعة من الإصدارات (كتب، أبحاث، مقالات محكة وغير محكمة.. إلخ)، موازاة مع تنظيم المؤتمرات والندوات، لا زالت هناك عدة مناطق غامضة أو غائبة في التناول البحثي للظاهرة، بما يضاعف من مسؤولية الباحثين المعنيين بالاشتغال عليها، محلياً وقارياً، مساهمة في صيانة الدولة والتديّن.

الصفحة الرئيسية