
يمثل الحزب الإسلامي العراقي الواجهة السياسية التاريخية لإخوان العراق، وهو الآن أمام مرحلة مفصلية مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2025.
وكشفت التطورات الأخيرة عن حراك مكثف خلف الكواليس، يقوده الحزب الإسلامي لترتيب صفوفه داخلياً، ولنسج تحالفات استراتيجية ولا سيّما مع الأكراد، في ظل منافسة حادة ضمن الساحة السنّية.
انقسامات داخلية
على الصعيد الداخلي، يعاني الحزب من انقسامات خفية وصراعات نفوذ بين أجنحة مختلفة. فمن جهة هناك الجيل التقليدي المخضرم الذي يمثله قادة أمثال إياد السامرائي رئيس مجلس شورى الحزب، ورشيد العزاوي الأمين العام الحالي للحزب، ومن جهة أخرى هناك تيار شبابي أكثر براغماتية برز في الأعوام الأخيرة، ينادي بتجديد الخطاب والتحالفات، حتى لو تطلب ذلك الابتعاد عن الإخوان فكرياً.
كما أنّ الخلاف التنظيمي بين الحزب الإسلامي وحركة الإخوان الأم في العراق ليس سرًّا؛ فقد أدى إلى رسم خارطة جديدة للعلاقة بينهما. فالحزب الذي كان الجناح السياسي للإخوان وجد نفسه على خلاف مع التنظيم حول تقاسم النفوذ في مؤسسات الدولة، وإحدى أبرز جولات هذا الخلاف ظهرت في العام 2020 حول منصب رئيس ديوان الوقف السنّي، وهو من أهم المناصب المحسوبة على المكوّن السنّي في الدولة. وكشفت تقارير عن خلاف عميق بين الحزب الإسلامي وقيادة الإخوان حول ترشيح شخصية لهذا المنصب؛ إذ سعى الإخوان لتمرير مرشح مقرب منهم، وهو أحد أقرباء كبير علماء المجمع الفقهي أحمد حسن الطه، بينما دعم الحزب الإسلامي مرشحًا آخر محسوبًا عليه، هو القيادي في الحزب نوري الكربولي، باعتباره شخصية وسطية معتدلة. وانتهى الأمر باختيار مشعان الخزرجي، الذي هاجمه أحمد حسن الطه مراراً، مطالبًا بإقالته.
هذا الخلاف ولّد انقسامًا داخل المرجعية الدينية نفسها بين تيار يريد إبعاد الوقف السنّي عن التسييس الحزبي، وتيار آخر موالٍ للإخوان. ويُعدّ ذلك مؤشرًا على احتدام التنافس بين الحزب والإخوان حول من يقود سنّة العراق سياسيًا ودينيًا.
على صعيد الصراعات الداخلية، ما تزال قيادة الحزب الإسلامي الرسمية بيد رشيد العزاوي، لكنّ إياد السامرائي كزعيم روحي ومخضرم له تأثير كبير، ينافسه على صناعة القرار في الحزب.
ويقف الحزب الإسلامي على مفترق طرق، إمّا أن ينجح في توحيد البيت السنّي انتخابيًا ويحقق عودة قوية، وإمّا أن يتراجع أكثر إذا أخفق من حيث بناء تحالفات جديدة.
براغماتية الإخوان
تاريخيًا، الحزب الإسلامي هو الجناح الأبرز في جماعة الإخوان بالعراق، لكنّه مؤخرًا تبنّى مزاعم روّج بها أنّه بات مستقلًا إلى حدٍّ ما.
في 2018-2019 شهد الإخوان في العراق خلافات حول العلاقة مع إيران؛ بعض قيادات الحزب رأت ضرورة التفاهم مع طهران براغماتيًا، فيما رفض آخرون ذلك. ورغم أنّ الحزب الإسلامي تراجع شعبيًا بعد 2010 وخسر نفوذه أمام صعود قوى سنّية جديدة، إلا أنّه حافظ على هيكل تنظيمي قوي وعلاقات خارجية أبرزها مع تركيا.
اليوم يحاول الحزب العودة بقوة عبر بوابة الانتخابات المقبلة بتحالفات جديدة. فقد انضم الحزب من قبل إلى تحالف "الحسم" الانتخابي الذي يضم قوى سنّية بارزة، منها حزب "متحدون" بقيادة أسامة النجيفي، وحزب "الحل" بقيادة جمال الكربولي.
ورغم أنّ هذا التحالف صغير نسبيًا بمقاعده الحالية، حيث إنّ للحزب الإسلامي حاليًا مقعدين فقط في البرلمان، إلّا أنّ دخوله مع شخصيات وكيانات سنّية فاعلة قد يعزز حظوظه في الانتخابات المقبلة.
الاتجاه نحو كردستان
على مستوى التحالفات في إقليم كردستان، أبدى الحزب الإسلامي نشاطًا ملحوظًا. فبعد أعوام من الفتور بين الإخوان والأحزاب الكردية، شهدنا تقاربًا استراتيجيًا مؤخرًا.
في 3 آذار (مارس) الماضي استقبل الزعيم الكردي مسعود بارزاني وفدًا رفيعًا من الحزب الإسلامي العراقي برئاسة إياد السامرائي، وجرى خلال اللقاء بحث الأوضاع السياسية والأمنية في العراق والتنسيق بين الأطراف لتحسين أداء العملية السياسية. والأهم، تم التأكيد على مبادئ الشراكة في إدارة البلد وفق الدستور.
هذا يعني أنّ الحزب الإسلامي يطمح للحصول على ضمانات من الحليف الكردي في تقاسم السلطة ما بعد الانتخابات، مقابل دعمه لاستقرار الإقليم وشراكته في الحكومة المركزية. ويبدو أنّ بارزاني رحب بانفتاح الإخوان؛ فالأكراد أيضًا معنيون بحلفاء سنّة موثوقين لكسر هيمنة بعض القوى الشيعية في بغداد.
التحالف مع بارزاني ليس مفاجئًا تمامًا؛ فلطالما كانت علاقة الإخوان متوازنة مع الأكراد خلال حكم البعث وبعد العام 2003، لكنّ الجديد هو مأسسة هذا التقارب في مواجهة الإطار التنسيقي الشيعي. فمع تشكيل ائتلاف حاكم شيعي (إطار الدولة) يضم السنّة والأكراد، يخشى الحزب الإسلامي تهميشه إن بقي خارج التفاهمات الكبرى. لذا فهو ينسج تحالفات "شمال ـ غرب": أي سنّة وأكراد، ككفة موازنة لنفوذ الوسط والجنوب الشيعي. وهناك معلومات بأنّ الحزب الإسلامي ربما يتبنّى خطابًا أكثر ليونة تجاه حقوق إقليم كردستان، بل يعارض بعض توجهات بغداد للتضييق على الإقليم، في مقابل دعم الأكراد لحصوله على مناصب وزارية أو نيابية وازنة بعد الانتخابات.
في كل الأحوال، التحالف الكردي يضيف ثقلًا للحزب الإسلامي حاليًا، ومن ورائه دعم تركي محتمل باعتبار أنّ أنقرة تربطها علاقات تاريخية بالإخوان وبالبارزاني معًا. سنترقب ما ستسفر عنه انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) 2025 لجهة إعادة رسم معادلات القوى السنّية ـ الكردية ودور الإسلاميين ضمنها.