الحاضر قيد الاضطراب.. هل سيغير ترامب سياسته الخارجية؟

الحاضر قيد الاضطراب.. هل سيغير ترامب سياسته الخارجية؟


17/08/2020

"أجمل" ما في السياسة الأمريكية، إن جاز التعبير، أنّها المحرّك العالمي الرئيس للسياسة في العالم، على المستويين؛ العملي والنظري، وتُعتبر فترة التنافس الانتخابي مختبراً لمنظّري السياسة وطلّاب علم السياسة والخبراء الذين يريدون فهم السياسة العالمية في حقبة العولمة المعاصرة، وليس فقط العلاقات الدولية. خلال فترة التنافس الانتخابي المحموم الذي يتخطّى حدود خيالنا في العالم العربي، يظهر أفضل، وأجمل، وأعنف، ما في عقل وقلب أمريكا وكتّابها ومنظّريها السياسيين من مختلف المدارس الفكرية.

وقد كان نصيب الرئيس الحالي دونالد ترامب، ربّما، الحضور الأكثر انتقاداً في الجدل السياسي، حتى على المستوى النظري، سواء في سياسته الخارجية أو الداخلية، وخدمته للمشروع الأمريكي بشكلٍ عام.

 

عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية ورث ترامب نظاماً ناقصاً ولكنه قيّم وحاول إلغاءه دون تقديم بديل

في مقالي هذا عيّنة على كيفية تناول منظّري السياسة لرئاسة ترامب، من خلال مقالة للبرفسور ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف كتاب "العالم: مقدّمة موجزة"، نشرت في مجلة الفورين أفيريز الأمريكية المرموقة في عدد أيلول/ تشرين الأول 2020م، تحت عنوان لافت هو: (Present at the Disruption)، لم أجد له ترجمة سوى "الحاضر قيد الاضطراب"، وهو عنوان اقتبسه هاس من عنوان مذكّرات كتبها دين أتشيسون، وزير خارجية الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعنوان "الحاضر قيد التشكيل".

اقرأ أيضاً: هل سينجح ترامب في إسقاط المؤامرة؟

يعود هاس إلى الماضي، ويُذكّر بسياسة ترومان فيقول: لم يبنِ ترومان وكبار مستشاريه، الذين بدؤوا في التخطيط في عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، أقلّ من نظام دولي جديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. اعتمدت الولايات المتحدة مبدأ الاحتواء، الذي من شأنه أن يوجّه السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مدى أربعة عقود في صراعها مع الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة؛ فقد حوّلت ألمانيا واليابان إلى ديمقراطيتين، وبنت شبكة من التحالفات في آسيا وأوروبا.

اقرا أيضاً: كيف يبدو مستقبل الضمّ والنووي الإيراني إذا خسر ترامب؟

وقدّمت أمريكا المعونة التي تحتاجها أوروبا، لتعود إلى الوقوف على قدميها بموجب خطّة مارشال، كما وجّهت المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى البلدان المعرّضة للشيوعية بموجب مبدأ ترومان. وأنشأت مجموعة من المنظّمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (الذي كان لمنظمة التجارة العالمية)، كما قامت ببناء جهاز حديث للسياسة الخارجية والدفاعية، بما في ذلك مجلس الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الدفاع.

 

دخل ترامب المكتب البيضاوي مقتنعاً بضرورة تعطيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة

أمّا اليوم، فمن المستحيل أن نتخيل أنّ أحد مديري الأمن القومي في إدارة ترامب يكتب مذكرات تتضمّن كلمة "تشكيل/ خلق" في عنوانها، والمشكلة ليست مجرّد أنّ القليل قد بني على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية. ببساطة لم يكن البناء هدفاً مركزياً للسياسة الخارجية لهذه الإدارة، بل على العكس من ذلك، كان الرئيس، في كثير من الأحيان، والمسؤولون من حوله، أكثر اهتماماً بتمزيق الأمور. وسيكون العنوان الأكثر ملاءمة لمذكّرات إدارة ترامب "الحاضر قيد الاضطراب".

إنّ مصطلح "الاضطراب" ليس في حدّ ذاته مجاملة ولا انتقاداً، ويمكن أن يكون مرغوباً، بل ضرورياً إذا كان الوضع الراهن لا يتفق مع مصالح المرء، وكان هناك بديل مفيد وقابل للتحقيق في آنٍ واحد، ولكنّ الاضطراب أمر مرغوب فيه، إذا كان الوضع الراهن يخدم مصالح المرء أو إذا كان من المرجح أن تكون البدائل المتاحة أسوأ، ووفقاً لهذا المعيار، لم يكن التعطيل والاضطراب الذي بدأته إدارة ترامب مبرراً ولا حكيماً.

اقرأ أيضاً: كتاب بولتون ضد ترامب: أسرار يعرفها الجميع.. فما الجديد؟

وكما هو الحال مع الرعاية الصحية وقانون الرعاية الميسورة التكلفة، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، ورث ترامب نظاماً ناقصاً، ولكنه قيّم، وحاول إلغاءه دون تقديم بديل. والنتيجة هي الولايات المتحدة وعالم أسوأ حالاً بكثير، وهذا التعطيل سيترك أثراً دائماً. وإذا استمرّ هذا التعطيل أو تسارع، وهو ما يدعو إلى الاعتقاد أنه سيحدث إذا تمّ انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية، فإنّ "التدمير" قد يصبح مصطلحاً أكثر ملاءمة لوصف هذه الفترة من السياسة الخارجية الأمريكية.

اقرأ أيضاً: دونالد ترامب.. قصة طويلة من كراهية ذوي البشرة السمراء

دخل ترامب المكتب البيضاوي في كانون الثاني (يناير) 2017 مقتنعاً بضرورة تعطيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وفي خطابه الافتتاحي، الذي ألقاه من على درج مبنى الكابيتول، قدّم الرئيس الجديد سرداً قاتماً لسجلّ الولايات المتحدة: "على مدى عقود عديدة، أثرينا الصناعة الأجنبية على حساب الصناعة الأمريكية، ودعمنا جيوش البلدان الأخرى مع السماح بالنضوب المحزن جداً لجيشنا. لقد دافعنا عن حدود الأمم الأخرى، بينما رفضنا الدفاع عن حدودنا. وأنفقت تريليونات وتريليونات الدولارات في الخارج، في حين أنّ البنية التحتية في أمريكا قد سقطت في حالة يرثى لها، لقد جعلنا بلداناً أخرى غنية، في حين أنّ ثروة بلدنا وقوّتها وثقتها قد تبدّدت في الأفق... من هذا اليوم فصاعداً، ستكون أمريكا فقط أوّلاً".

 

بعد ثلاث سنوات ونصف على رأس السياسة الخارجية الأمريكية لم يرَ ترامب على ما يبدو شيئاً يغيّر رأيه

بعد ثلاث سنوات ونصف على رأس السياسة الخارجية الأمريكية، لم يرَ ترامب، على ما يبدو، شيئاً يغيّر رأيه، وقد خاطب الطلاب المتخرّجين في كلية "ويست بوينت" في بداية 2020، وطبّق منطقاً مماثلاً لاستخدام القوّة العسكرية: فنحن نستعيد المبادئ الأساسية التي مفادها أنّ مهمّة الجندي الأمريكي ليست إعادة بناء الدول الأجنبية، بل الدفاع عن أمّتنا والدفاع عنها بقوّة من الأعداء الأجانب. إننا ننهي عصر الحروب التي لا نهاية لها. وفي مكانها هناك تركيز متجدّد وواضح على الدفاع عن المصالح الحيوية لأمريكا، ليس من واجب القوات الأمريكية حلّ الصراعات القديمة في الأراضي البعيدة التي لم يسمع بها الكثير من الناس حتى. نحن لسنا رجال شرطة العالم.

اقرأ أيضاً: ترامب ضد "تويتر"

يمكن استخلاص العديد من العناصر الأساسية لنهج ترامب تجاه العالم من الخطابين أعلاه. وكما يرى، فإنّ السياسة الخارجية هي في الغالب إلهاء مكلف. كانت الولايات المتحدة تفعل الكثير في الخارج وكانت أسوأ حالاً في الداخل بسبب ذلك. وتدمّر التجارة والهجرة الوظائف والمجتمعات المحلية. وكانت دول أخرى -قبل كلّ شيء حلفاء الولايات المتحدة- تستغلّ الولايات المتحدة، التي لم يكن لديها ما تظهره لمجهودها حتى مع استفادة الآخرين، لقد كانت تكاليف الزعامة الأمريكية تفوق الفوائد إلى حدٍّ كبير.

أنكرت هذه النظرة إلى العالم أيّ تقدير لما كان ملحوظاً، من وجهة نظر الولايات المتحدة، في الأرباع الثلاثة السابقة من القرن: غياب حروب القوى العظمى، وامتداد الديمقراطية في معظم أنحاء العالم، والنمو الذي بلغ 90 ضعفاً في حجم الاقتصاد الأمريكي، وزيادة عمر المواطن الأمريكي العادي بعشر سنوات. كما أنّ هناك اعترافاً بأنّ الحرب الباردة، وهي الصراع الحاسم في تلك الحقبة، انتهت بسلام، بشروط لا يمكن أن تكون أكثر ملاءمة للولايات المتحدة.

 

اعتاد ترامب على الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من الالتزامات المتعددة الأطراف

إنّ أيّاً من هذا لم يكن ممكناً من دون قيادة الولايات المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة؛ وعلى الرغم من هذا الانتصار، ما تزال الولايات المتحدة تواجه تحديات في العالم (إلى ما وراء "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، وهو التهديد الذي خصّه ترامب في خطابه الافتتاحي) الذي يؤثر على البلاد ومواطنيها، وأنّ الشركاء والدبلوماسية والمؤسسات العالمية ستكون أصولاً قيمة في مواجهتهم.

 ترامب لم يقدّم البديل

ورث ترامب نظاماً قيماً وحاول إلغاءه دون تقديم البديل. والعديد من الافتراضات المشكوك فيها الأخرى تمرّ عبر رؤية ترامب للعالم، وتُصوَّر التجارة على أنها سلبية ساعدت الصين على الاستفادة من الولايات المتحدة، بدلاً من أن تكون مصدراً للعديد من الوظائف الجيدة الموجّهة نحو التصدير، والمزيد من الخيارات إلى جانب انخفاض التكاليف بالنسبة إلى المستهلك الأمريكي، وانخفاض معدلات التضخم في الداخل. تُعزى العلل الداخلية للولايات المتحدة إلى حدٍّ كبير إلى تكاليف السياسة الخارجية، على الرغم من أنّه -في حين أنّ التكاليف، في الأرواح والدولارات، كانت مرتفعة- فإنّ حصة الناتج الاقتصادي التي أنفقت على الأمن القومي قد انخفضت في العقود الأخيرة، وهي أقلّ بكثير ممّا كانت عليه خلال الحرب الباردة، التي تصادف أنّها كانت فترة تمكّن فيها الأمريكيون من التمتّع بالأمن والازدهار في وقت واحد.

اقرا أيضاً: ترامب أم "كورونا"؟

هناك سبب كافٍ للعثور على خطأ في الحربين في أفغانستان والعراق، دون إلقاء اللوم عليهما في حالة المطارات والجسور الأمريكية، وعلى الرغم من أنّ الأمريكيين ينفقون على الرعاية الصحية والتعليم أكثر بكثير من نظرائهم في العديد من البلدان المتقدّمة الأخرى، فإنّ المواطن الأمريكي العادي أسوأ حالاً، وكلّ هذا يعني أنّ القيام بأقلّ من ذلك في الخارج لن يؤدي بالضرورة إلى القيام بالمزيد من الأشياء الصحيحة في الداخل.

 

في الشرق الأوسط أدّى اضطراب وتعطيل سياسة ترامب إلى تقويض أهداف الولايات المتحدة وزيادة احتمال عدم الاستقرار

 خرجت الولايات المتحدة من الحرب الباردة من دون منافسين، ولكن أيضاً دون أيّ توافق في الآراء حول ما ينبغي أن تفعله بقوتها التي لا مثيل لها. كان الاحتواء، البوصلة التي وجهت السياسة الخارجية الأمريكية على مدى أربعة عقود، عديم الفائدة في الظروف الجديدة. وقد كافح صنّاع القرار السياسي والمحللون من أجل الاستقرار على إطار عمل جديد.  

ونتيجة لذلك، اعتمدت أقوى دولة على وجه الأرض نهجاً مجزأً تجاه العالم، وهو النهج الذي أدّى مع مرور الوقت إلى الإفراط في السيادة والإرهاق. في التسعينيات، خاضت الولايات المتحدة حرباً محدودة ناجحة لعكس مسار العدوان العراقي في الخليج، وقامت بتدخلات إنسانية في البلقان وأماكن أخرى (بعضها ناجح نسبياً والبعض الآخر لم ينجح). بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، أرسل الرئيس جورج دبليو بوش أعداداً كبيرة من القوات إلى أفغانستان والعراق، وكلتاهما من الحروب غير الحكيمة (العراق منذ البداية، أفغانستان على مرّ الزمن)، حيث كانت التكاليف البشرية والاقتصادية تتضاءل مع أيّ فوائد. في سنوات أوباما، بدأت الولايات المتحدة أو واصلت عدة تدخلات مكلفة، وفي الوقت نفسه أشارت إلى عدم اليقين بشأن نواياها.

اقرأ أيضاً: من الديمقراطيين.. من سينافس ترامب في انتخابات 2020؟

ولا يقلّ التناقض بين ترامب والرؤساء السابقين عن ذلك عندما يتعلّق الأمر بوسائل السياسة الخارجية. فالرئيسان الجمهوري والديمقراطي، قبله الرئيسان الجمهوريان، كان كلّ منهما يؤمن على نطاق واسع بتعددية الأطراف، سواء من خلال التحالفات أو المعاهدات أو المؤسسات. وهذا لا يعني أنهم تجنبوا العمل الأحادي الجانب تماماً، لكنهم جميعاً يدركون أنّ الترتيبات المتعددة الأطراف، في معظم الحالات، تضخم نفوذ الولايات المتحدة وتجلب المعاهدات درجة من القدرة على التنبؤ في العلاقات الدولية. وتجمع تعددية الأطراف أيضاً الموارد للتصدي للتحديات المشتركة بطريقة لا يمكن أن يضاهيها أيّ قدر من الجهود الوطنية الفردية.

وعلى النقيض من ذلك، اعتاد ترامب على الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من الالتزامات المتعددة الأطراف. والقائمة الجزئية ستشمل الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاق باريس للمناخ، والاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)، ومعاهدة القوات النووية المتوسطة المدى، واليونسكو، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومعاهدة الأجواء المفتوحة. كما رفضت الولايات المتحدة التي يرأسها ترامب الانضمام إلى اتفاقية هجرة عالمية أو جهود بقيادة أوروبية لتطوير لقاح لفيروس كورونا.

شهيّة الاضطراب والتعطيل

يدّعي هاس أنّ فهم ترامب الضيق وغير الكافي لمصالح الولايات المتحدة وأفضل وسيلة لمتابعتها قد شكّل نهج الإدارة الأمريكية تجاه قضايا أخرى، بل عرقلها في معظم الحالات. عندما يتعلق الأمر بالجيش، كانت شهية ترامب للاضطراب والتعطيل أكثر وضوحاً في الانسحاب الفعلي أو المهدّد للقوات، وغالباً ما كان التفكير ضئيلاً في سبب وجودها هناك في المقام الأول أو ما هي عواقب الانسحاب. ويتخذ جميع الرؤساء قرارات بشأن استخدام القوة العسكرية على أساس كلّ حالة على حدة. كان ترامب، مثل أوباما في هذا المجال، حذراً إلى حدٍّ كبير من التشابكات العسكرية الجديدة. كان استخدامه للقوة ضدّ سوريا وإيران قصيراً ومحدوداً في نطاقه، وسرعان ما أفسحت تهديداته بإطلاق "النار والغضب" على كوريا الشمالية المجال أمام مؤتمرات القمة، على الرغم من استمرار كوريا الشمالية في العمل على ترساناتها النووية والصاروخية.

وفي الشرق الأوسط، أدّى اضطراب وتعطيل سياسة ترامب إلى تقويض أهداف الولايات المتحدة وزيادة احتمال عدم الاستقرار. وعلى مدى خمسة عقود، وضعت الولايات المتحدة نفسها كـ"وسيط نزيه" في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لقد أدرك الجميع أنّ الولايات المتحدة تقف أقرب إلى إسرائيل، لكنها لم تكن قريبة لدرجة أنها لن تدفع إسرائيل عند الضرورة. واقتناعاً منها بضرورة اتباع نهج جديد، تخلت إدارة ترامب عن أيّ دعوى بهذا الدور، وتخلت عن أيّ عملية سلام حقيقية لسلسلة من حالات الأمر الواقع القائمة على الاعتقاد الخاطئ بأنّ الفلسطينيين أضعف من أن يقاوموا، وأنّ الحكومات العربية السنّية ستنظر في الاتجاه الآخر، نظراً لرغبتها في العمل مع إسرائيل ضدّ إيران.

 

هاس: إذا أعيد انتخاب ترامب فغالبا سيضاعف من العناصر المركزية للسياسة الخارجية التي حدّدت ولايته الأولى

ومع إيران، تمكّنت الإدارة الأمريكية من عزل نفسها أكثر من طهران. وفي العام 2018، انسحب ترامب من جانب واحد من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، حيث أدخل جولة جديدة من العقوبات أثناء ذلك. وقد أضرّت العقوبات بالاقتصاد الإيراني، تماماً كما كان قتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني، نكسة لطموحاتها الإقليمية. ولكن لم يكن ذلك كافياً لفرض تغييرات جوهرية في سلوك طهران، في الداخل أو الخارج، أو إسقاط النظام. بدأت إيران الآن في الاستهزاء بالحدود المفروضة على برامجها النووية التي وضعتها "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وتواصل، من خلال تدخلها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، محاولة إعادة تشكيل جزء كبير من الشرق الأوسط.

فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على الفلسطينيين، ونقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترفت بضمّ إسرائيل لمرتفعات الجولان، ووضعت "خطّة سلام" مهّدت الطريق لضمّ إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية. وتخاطر هذه السياسة بزرع بذور عدم الاستقرار في المنطقة، وضياع الفرص المستقبلية لصنع السلام، وإعاقة مستقبل إسرائيل كدولة ديمقراطية ودولة يهودية على حدٍّ سواء.

اقرأ أيضاً: 2020 عام لا يشبه غيره وعواصف ترامب العاتية تهزّ أمريكا بقوة

في النهاية؛ يدّعي هاس أنه إذا أعيد انتخاب ترامب، فمن المرجّح أن يضاعف من العناصر المركزية للسياسة الخارجية التي حدّدت ولايته الأولى، مدعوماً بانتصار انتخابي سيفسّره على أنه انتصار لسياسته. وفي مرحلة ما، يصبح الاضطراب بعيد المدى، إلى درجة أنه لا يوجد تراجع إلى الوراء. وهنا يصبح الاضطراب تدميراً، ومن شأن عدد لا يحصى من المعايير والتحالفات والمعاهدات والمؤسسات أن تضعف. والعالم سيصبح أكثر "هوبزية" -نسبة إلى توماس هوبس- صراع الجميع ضدّ الجميع.

ومن المؤكد أنّ النظام العالمي، الذي كان قائماً منذ 75 عاماً سينتهي؛ السؤال الوحيد هو ما إذا كان أيّ شيء من شأنه أن يأخذ مكانه.

الصفحة الرئيسية