الجيش الكوري الشمالي يصل إلى الجبهة الأوكرانية في تحول نوعي خطير

الجيش الكوري الشمالي يصل إلى الجبهة الأوكرانية في تحول نوعي خطير

الجيش الكوري الشمالي يصل إلى الجبهة الأوكرانية في تحول نوعي خطير


07/11/2024

تحول درامي جديد شهدته محاور القتال على جبهات الحرب الروسية الأوكرانية، بانخراط قوات من كوريا الشمالية في العمليات العسكرية، حيث اشتبكت هذه القوات لأول مرة مع القوات الأوكرانية التي تحتل جزءاً كبيراً من منطقة كورسك الروسية، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين وأمريكيين. 

 وبحسب (نيويورك تايمز)، فإنّ القوات الكورية الشمالية تقاتل حالياً جنباً إلى جنب مع لواء المشاة البحرية (810) التابع لروسيا، وأنّ الاشتباك كان محدوداً، ومن المرجح أنّه كان يهدف إلى استكشاف نقاط الضعف في الخطوط الأوكرانية

وأرسلت بيونغ يانغ، بحسب تقديرات غربية، قوة تتألف من نحو أكثر من (10) آلاف جندي؛ لدعم القوات الروسية التي تحاول طرد الأوكرانيين من منطقة كورسك. وتسيطر القوات الأوكرانية حالياً على نحو (250) ميلاً مربعاً هناك بعد توغل بدأ في الصيف الماضي.

أبناء كيم غونغ أون على الجبهة الأوكرانية

أفادت مديرية الاستخبارات العسكرية الرئيسية في أوكرانيا في بيان عاجل لها في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أنّ الوحدات الأولى من الأفراد الكوريين الشماليين تمّ نشرها في منطقة كورسك في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، بعد أسابيع قليلة من التدريب في قواعد عسكرية مختلفة في إقليمي بريمورسكي وخاباروفسك الروسيين ومنطقة أمور وجمهورية بورياتيا. 

وجاء بيان مديرية الاستخبارات العسكرية الرئيسية في أعقاب تقارير استخباراتية كورية جنوبية وأوكرانية حديثة، حذّرت من انتشار الآلاف من الجنود الكوريين الشماليين في أقصى شرق روسيا، مع تزايد الأدلة المرئية على تواجد القوات الكورية الشمالية في القواعد العسكرية الروسية

كان جهاز الاستخبارات الوطني في كوريا الجنوبية قد أفاد في 18 تشرين الأول (أكتوبر) أنّ كوريا الشمالية نشرت موجة أولى تضم حوالي (1500) فرد من القوات الخاصة في روسيا، بين 8 و13 تشرين الأول (أكتوبر)، ونشرت صوراً بالأقمار الصناعية تُظهر جنوداً كوريين شماليين يتجمعون في منشآت عسكرية روسية في أوسورييسك، وبريمورسكي كراي وخاباروفسك. وبحسب سول، فإنّ كوريا الشمالية قررت إرسال (4) ألوية يبلغ مجموعها (12) ألف فرد إلى روسيا، وحذّر جهاز الاستخبارات الوطني في 25 تشرين الأول (أكتوبر) من أنّ موجة ثانية من (1500) فرد سوف تغادر قريباً إلى روسيا. 

من جهته، أكد البنتاغون في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أنّ الولايات المتحدة لديها أدلة على أنّ آلاف الجنود الكوريين الشماليين قد تم نشرهم في روسيا. وبحسب تقارير استخباراتية أمريكية، بدأ الجنود الكوريون الشماليون في الوصول بالقوارب إلى مدينة فلاديفوستوك الساحلية في أقصى شرق روسيا منذ الشهر الماضي، ثم قطعوا مسافة طولها (4) آلاف ميل غرباً نحو منطقة كورسك. حيث انقسمت هذه القوات إلى وحدتين؛ إحداهما تتألف من قوات هجومية، والأخرى من قوات الدعم؛ من أجل الدفاع عن الأراضي المستردة من القوات الأوكرانية.

 أكد البنتاغون في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أنّ الولايات المتحدة لديها أدلة على أنّ آلاف الجنود الكوريين الشماليين قد تم نشرهم في روسيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي زعم أنّ القوات الكورية الشمالية دخلت القتال بالفعل ضدّ بلاده، ودعا حلفاء أوكرانيا إلى تقديم المساعدة لمواجهة هذا التهديد الجديد. مضيفاً: "المعارك الأولى مع الجنود الكوريين الشماليين تشكل فصلاً جديداً من عدم الاستقرار العالمي. ويجب علينا، بالتعاون مع العالم، أن نبذل قصارى جهدنا لضمان أن تتحول هذه الخطوة الروسية نحو توسيع الحرب إلى خسارة".

بيونغ يانغ تنفي

في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت نفى ممثل كوريا الشمالية لدى اللجنة المعنية بنزع السلاح والأمن الدولي في الجمعية العامة للأمم المتحدة التقارير التي تحدثت عن وجود قوات كورية شمالية في روسيا ووصفها بأنّها "شائعات نمطية لا أساس لها من الصحة، تهدف إلى تشويه صورة كوريا الشمالية، وتقويض العلاقات الشرعية والودية والتعاونية بين روسيا وكوريا الشمالية.

كما صرّح نائب وزير الخارجية الكوري الشمالي كيم غونغ غيو، لوكالة الأنباء المركزية الكورية التابعة الدولة، أنّ الأخبار المتعلقة بوجود قوات كورية شمالية في روسيا كلها "شائعات"، ولكن أيّ نشر محتمل للقوات الكورية الشمالية في روسيا سيكون "وفقاً للقانون الدولي"، وفقاً لتصريحاته.

وتشير التقديرات الغربية إلى أنّ حجم الجيش الكوري الشمالي العامل "الجيش الشعبي" يتراوح ما بين (1.2 و1.3) مليون فرد في الخدمة الفعلية، بما في ذلك حوالي مليون من القوات البرية في الخدمة الفعلية، بالإضافة إلى (4.5) ملايين في قوات الاحتياط.

وتشير التقديرات إلى أنّ قوات العمليات الخاصة التابعة للجيش الشعبي الكوري، والتي أفادت وكالة الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية عن نشر ما لا يقلّ عن (1500) منها في روسيا في الموجة الأولية من تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، يبلغ قوامها حوالي (200) ألف فرد. 

هذا الجيش الضخم المنتمي إلى دولة نووية، هو حليف عسكري لا يستهان به، وهو ما يدركه الروس جيداً، ويسعون إلى الاستفادة منه، وبالتالي يمكن وصف هذا التحول النوعي بأنّه متغير استراتيجي هو الأخطر من نوعه منذ بدء الحرب في شباط (فبراير) 2022.

فوائد متبادلة ومصالح استراتيجية

في حزيران (يونيو) الفائت التقى بوتن بالرئيس كيم غونغ أون في بيونغ يانغ، حيث أعادا تفعيل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون العسكري بين بلديهما، والتي وقعت في حقبة الحرب الباردة. ووضع مجلس الدوما الروسي الأساس القانوني للعلاقة العسكرية بين البلدين، فضلاً عن أحكام الدفاع المتبادل في القانون الروسي، وصادق مجلس الدوما على نص الاتفاقية في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت.

لقاء بوتن بالرئيس كيم غونغ أون في بيونغ يانغ

ويمكن القول: إنّ هذا التحول الاستراتيجي يسمح لروسيا بدفع المزيد من قواتها نحو القيام بعمليات هجومية على الأراضي الأوكرانية، وخاصّة في الدونباس، حيث تحاول القوات الروسية الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي قبل حلول الشتاء القارس.

وبالإضافة إلى القوات العسكرية زودت كوريا الشمالية روسيا بـ (16) ألف حاوية شحن مليئة بقذائف المدفعية والصواريخ منذ صيف العام 2023، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وكورييين جنوبيين. 

وتمتد تداعيات نشر القوات الكورية الشمالية على مسرح العمليات الأوكراني إلى ما هو أبعد من ساحة الحرب في أوكرانيا. ومن المرجح أنّ بيونغ يانغ تسعى نحو إكساب أفراد الجيش الكوري الشمالي خبرة قتالية، تناسب ظروف الحرب المعاصرة، من خلال حرب حيوية؛ لصقل العقيدة القتالية الهجومية لقواتها، حيث لم تخض المؤسسة العسكرية في كوريا الشمالية أيّ قتال حديث واسع النطاق منذ العام 1953. 

كما تأمل كوريا الشمالية أن تتاح لها الفرصة لاختبار أنظمة الأسلحة الخاصّة بها، ضدّ عدو مدعوم من الغرب، واكتساب الخبرة في القيادة والسيطرة، وتشغيل الطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية الفائقة في ساحة المعركة الحديثة. 

ويشكل التحالف العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا تهديداً واضحاً لاستقرار شبه الجزيرة الكورية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ؛ ذلك أنّ تحالف كوريا الشمالية المتزايد مع روسيا سوف يقلّص اعتماد الأولى على الصين، وهي القوة الوحيدة القادرة على كبح جماح بيونغ يانغ، وهو ما يؤثر على استقرار شبه الجزيرة الكورية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وبحسب معهد دراسات الحرب الأمريكي، فإنّ القدرة الفعلية للقوات الكورية الشمالية على استيعاب الدروس المستفادة في ساحة المعركة، وإضفاء الطابع المؤسسي عليها، تتوقف بالكامل على الكيفية التي تستخدم بها القيادة الروسية القوى الضاربة الكورية الشمالية. ذلك أنّ روسيا إذا استخدمت قوات كوريا الشمالية "كطعام للمدافع"، فإنّ الخسائر سوف تقوض أيّ دروس ميدانية تأمل بيونغ يانغ في اكتسابها.

من جهته، يسعى الرئيس بوتن لتخفيف ضغط المجهود الحربي على المجتمع الروسي، من خلال استدعاء قوة أجنبية حليفة، خاصّة بعد فشل الاعتماد على الفاغنر. كما أنّ الغزو الأوكراني المفاجئ في آب (أغسطس) الفائت لمنطقة كورسك دفعه إلى محاولة استدعاء قوة بديلة، وتخصيص القوة البشرية للجيش لجبهة جديدة تماماً من مسرح العمليات. 

وبحسب معهد دراسات الحرب، كان رد بوتن على الغزو هو الاستفادة من المجندين وحرس الحدود، وإنشاء وحدات دفاع إقليمية جديدة، وإعادة نشر الوحدات النشطة بعيداً عن مواقع الخطوط الأمامية غير الحرجة في أوكرانيا، بما يتفق مع الطريقة التي تعامل بها مع إدارة متطلبات توليد القوة طوال الحرب حتى الآن. وبالتالي فإنّ استخدام القوات الكورية الشمالية هو امتداد لنهج الكرملين في توليد القوة، وهو ما يسمح لروسيا باستخدام قوة قتالية بما يصل إلى (12) ألف فرد جديد، دون الحاجة إلى إجراء تعبئة محلية مكلفة اجتماعياً.

وقد يسمح نشر القوات الكورية الشمالية في كورسك للقيادة الروسية بإعادة توزيع الأفراد الروس ودفعهم نحو جبهة أوكرانيا، لدعم العمليات الهجومية الجارية في شرق أوكرانيا، أو لدعم الجهود الدفاعية في الشمال والجنوب. وقد تستخدم روسيا جنوداً كوريين شماليين في عمليات مستقبلية في أوكرانيا، إذا نجحت عملية نشرهم في كورسك.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية