الجفاف في إيران ينذر بتوترات عرقيّة بسبب التّمييز بين "الشّعوب"

الجفاف في إيران ينذر بتوترات عرقيّة بسبب التّمييز بين "الشّعوب"


28/07/2022

أحمد دغاغلة

"قاتل العرب" هو نعت سد الكرخة في جنوب غربي جغرافية إيران، وأكبر سد ترابي في الشرق الأوسط، وهناك سد آخر يوصف بـ"سد الملح" لتحويله المياه العذبة في الأحواز إلى مياه أجاج، وبمثل هذه النعوت يعرف الأحوازيون السدود التي يرون فيها تحدياً وجودياً لكيانهم.

وفي شمال إيران وشمال غربها، حيث الشعب التركي الأذري، انقطعت الروافد عن بحيرة أورمية فتحولت إلى بؤرة عظيمة من الملح، يرى فيها الأتراك تهديداً يصل بهم إلى جلاء أوطانهم والإضرار بحياة الملايين من شعبهم.

أما في شرق البلاد، وتحديداً في سيستان وبلوشستان، فنسبة شح المياه تدعو إلى قلق كبير، في تلك البقعة من الأرض صار للجفاف فصل الكلام وختمه، إذ بحسب تصريح رئيس دائرة الطقس محسن حيدري "92 في المئة من المحافظة تعاني من شح المياه الصالحة وندرتها". 

وفي وسط جغرافية إيران وموطن الشعب الفارسي الغالب، الحال لا تختلف كثيراً، فعلى الرغم مما تتلقاه هذه المناطق من إمدادات حكومية على شكل ترع وقنوات وسدود تحرف بقية المياه من مصادرها ومجاريها الطبيعية، توصف حالة البيئة هناك بالخطيرة للغاية، إذ جفت الأنهر حتى صعب على الناظر تصديق أن يوماً ما كان لهذه الأراضي الجافة نهر يجري أو حياة تزهو. 

المياه وقود للحروب

"كثرت الحاجة وقلت المصادر وساءت الإدارة، حتى أضحت إيران تسير بعيون مغلقة نحو تحد اجتماعي خطير". وبحسب ما يؤكده كامران خداياري، رئيس اتحاد مهندسي المياه، فـ"إيران حبلى بصراعات بين مكوّناتها الاجتماعية، ومصالح فئاتها المجتمعية أخذت تتضارب في ما بينها، فلم يعد العيش ممكناً في مثل هذه البقعة إلا على حساب الآخر".

انتقضت الأحواز في تموز (يوليو) العام الماضي، لكن هذه المرة ليست لصد التمييز ولا حرصاً على عروبتها أو لما تراه من حق لها، بل الجفاف والعطش أوقدا انتفاضة محتدمة في عز حرارة الصيف.

وبعد ذلك بشهرين نزل الناس في مدينة أصفهان إلى الشوارع، وبقوا فيها لعشرة أيام يطالبون فيها بالمزيد مما يسمونه حقهم في المياه الوطنية، وأما الشعب البلوشي فما بقي له حيلة سوى نشر صور ومقاطع من أرضه المحروقة التي لا يجد بعد حيلة لريها.

أما حملة الأتراك الكبيرة في الفضاء الافتراضي لإنقاد بحيرة أورمية من الجفاف المطلق، وبعد ذلك نزولهم إلى شوارع مدينة تبريز كبرى مدنهم في إيران، وإصرارهم المستمر على إعادة روافدها، هي آخر المستجدات التي تكشف عن مرحلة بدأت منذ حين، وقد تحمل عنوان "حرب المياه في إيران".  

الأحواز: دم لأجل المياه

"ثورة تموز" في الأحواز اندلعت بعدما اقتحم الشيخ خلف المهلل، أحد زعماء عشائر الأحواز، مبنى دائرة المياه معترضاً على جفاف كاد يقضي على الحرث والنسل في الأحواز، فأعلن بدء انتفاضة طالت لأسبوعين راح، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، ضحيتها أكثر من ثمانية أشخاص وعشرات الجرحى والمئات من المعتقلين.

تطورت الحالة وشملت الكثير من المدن الإيرانية، وقوبل المحتجون بالرصاص الحي وقطع النظام خدمة الإنترنت - بحسب ما أكدته شركة نت بلاكس - حتى خرجت ميشيل باشيله، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، لتلوم النظام الإيراني بـ"أن شح المياه لا يستدعي قتل الأبرياء، وبدلاً من ذلك على النظام أن يجد طرقاً لتجاوز هذا التحدي الكبير".

طال زمن انتفاضة العطش في الأحواز، وكثرت فيها الخسائر حتى اضطر المرشد علي خامنئي، بعد فشل النظام في إسكات المنتفضين، للخروج بتصريح قال فيه: "لا مجال لمعاتبة الأحوازيين، إذ إن ما يمرون به من شظف الحياة أمر لا يطاق".

يرى إسماعيل كلهر، الناشط البيئي، أنه لم يكن للأحوازيين، وهم أصحاب الأنهر الخمسة، ومنها كارون أكبر أنهر جغرافية إيران، أن يقبلوا بالجفاف، إذ إن استمرار الظروف البيئية على ما هي عليه سوف يجلب لهم تبعات خطيرة للغاية.

"سوف يصبح الدم ثمناً للماء في عموم جغرافية إيران، كما هي الحال عليه في الأحواز"، يعتقد الكاتب ناجي عبود أنه "في بلد أشبه ما يكون بحلبة الصراع، لم يبق أمام الشعوب سوى الحرب من أجل الدفاع عن حصتها في المياه وفي غيرها من أسباب الحياة".

أرومية فجوة بعمق البحار

بين محافظتي أذربيجان الغربية والشرقية، وفي موطن الشعب التركي، تقع بحيرة تدعى أورمية، وهي أكبر بحيرة في إيران، وتشكل بالنسبة إلى الأتراك شرياناً حياتياً، غير أنها بسبب إنشاء السدود وتحريف مسار روافدها، دخلت في دوامة جفاف مستمرة حتى تبدلت إلى بؤرة من الأملاح تهدد حياة الملايين من الناس.

يؤكد رئيس منظمة البيئة عيسى كلانتر، أن "وزارة الطاقة تمتنع عن إعطاء حق البحيرة من روافدها، وذلك لأن المسؤولين لا يؤمنون بالتنمية المستدامة، فأصبحت البحيرة على شرف الفناء، وما يترتب على هذه الحقيقة من كوارث بيئية واجتماعية يفوق كل التوقعات".

حديث كلانتر والتصريحات المماثلة لاختصاصيي البيئة هي التي يستند إليها النشطاء من الشعب التركي لتحميل النظام مسؤولية ما يحل ببيئتهم من أضرار فادحة، إذ يرون في سوء إدارته القائمة على التمييز والعنصرية السبب الرئيس في خلق هذا الكم الكبير من التحديات.

"إنه تجفيف لا جفاف" يرى الناشط المدني ياشار حكاك بور "الشارع التركي في إيران يؤمن بأن ما تشهده بحيرة أورمية هو أمر متعمد يحمل نيات مبيتة، وستكون له مضاعفات مريرة قد تقضي على حياة الملايين". 

ويضيف حكاك بور: "فما ما كان للأتراك إلا أن يستنفروا طاقاتهم ليطلقوا حملة في الفضاء الافتراضي، تلتها مسيرات شعبية في أكثر من مدينة خلال الأيام الماضية".

بحيرة أورمية تحولت إلى رمز يكشف مدى عمق الفجوة بين الشعوب في إيران، فالأمر الذي يشكل بالنسبة للشعب التركي قضية حيوية لا يعني لطهران أكثر من هامش لا يستحق أدنى تفاعل، مجازياً كان أو حقيقياً. هكذا يصف الصحافي رحمان رحماني فر الفجوة العميقة التي خلفتها الظروف البيئية بين مكوّنات المجتمع الإيراني.  

احتقان ثم انفجار

يعتقد الناشط السياسي مهدي جلالي طهراني "أن ما يزيد طينة إيران بلة هو أنها، فضلاً عن الجفاف، بُليت بنظام قمعي عجز عن معالجة الصراعات بين الشعوب، بل في كثير من الأحيان نفخ في نار اختلافاتها المخبأة تحت الرماد". 

"سيكون هذا الصيف موسماً للاحتجاجات الشعبية" يتوقع الصحافي الأحوازي محمد مجيد، مستنداً إلى تقارير مقدمة من جهات معنية الى مجلس الأمن القومي، ومما جاء فيها أنه "في ضوء ازدياد الاستياء الشعبي، على المستويات كافة، ومنها الشؤون البيئية، وعلى رأسها الجفاف، أصبحت المناطق الجنوبية، لا سيما إقليم الأحواز، بمثابة مخازن بارود جاهزة للانفجار في أي آن".    

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية