الجذور التاريخية للتطرف في باكستان

الجذور التاريخية للتطرف في باكستان

الجذور التاريخية للتطرف في باكستان


22/01/2024

طارق العليان

خلال عام 2023، واجهت باكستان ارتفاعاً غير مسبوق في الحوادث الإرهابية، وكان انتصار طالبان في أفغانستان سبباً في هذا الارتفاع، مما أدى بدوره إلى تعزيز حركة طالبان باكستان.

وعلى مدى العامين الماضيين، خضعت حركة طالبان باكستان لسلسلةٍ من عمليات الاندماج، مما أفضى إلى مركزية إطارها التنظيمي وإعادة ضبط استراتيجيتها "العملياتية" والتركيز حصراً على الحرب على باكستان، وأدى ذلك إلى تفاقم تعقيد كفاح باكستان ضد الإرهاب وسط التحديات السياسية والاقتصادية المتزامنة.

وتناول تقرير لموقع "جيوبوليتكال مونيتور" الكندي، التسلسل التاريخي وراء هذا الإرهاب المعاصر. 

أحداث سردية تاريخية

وبحسب التقرير، تتجلى أحداث السردية التاريخية خلال العصر الأنغلو-هندي، عندما واجه الإسلام اعتداءات مستمرة من الحكام البريطانيين وأنصار الصحوة الهندوسية.

وفي عام 1806، أعلن الشاه عبد العزيز الدهلوي الحرب على  السيطرة البريطانية،مؤكداً أن الهدف الأساسي هو طرد الإنكليز، ولهذا السبب يُنظَر إلى الشاه عبد العزيز على أنه رائد حركة استقلال الهند.

واستمرَ الإرث مع إعلان أحمد بن عرفان البريلوي، أحد أتباع الشاه عبد العزيز المخلصين، "الجهاد" ضد الحكام غير المسلمين، وبلغَ القتال أوجه بوفاته في معركة بالاكوت عام 1831.

وأدَّى رجال الدين المسلمون والمعاهد التعليمية الدينية دوراً محورياً في تعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي بين المسلمين، والدعوة إلى المساواة والعدالة وحقوق المسلمين في السياق الهندي البريطاني.

وتأسست المدرسة الديوبندية عام 1866، وساهمت بفعالية في حركة استقلال الهند، وبينما أيدَ أكثر البريلويين ومجموعة مختارة من رجال الدين الديوبنديين تأسيس باكستان، كانت منطقة كاباليا (وزيرستان حالياً) ذات حكم ذاتي طيلة فترة التاج البريطاني.

وخلال حركة التقسيم، أقنعَ علماء الديوبندية، ومنهم المفتي محمد شفيع ومولانا شابير أحمد العثماني، زعماء قبائل منطقة كاباليا بالتحالف مع باكستان.

وعلى النقيض من ذلك، عارضَ معظم قادة الديوبندية، بقيادة حسين أحمد المدني، إنشاء باكستان ونظرية الدولتين.

وبعد قيام دولة باكستان، شعرَت هذه الجماعات بالخيانة من قِبَل النظام الحاكم، إذ كانت تسعى لتطبيق أحكام "الشريعة"، وأدى انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش الآن) إلى تفاقم مشاعر الإحباط، إذ اختار قادتها النظام الديمقراطي.

وكانت هذه الجماعات منذ عام 1947 تسعى لإقامة "حكم الإسلامي" في باكستان، وفي بعض الأحيان نالت رعاية الدولة ضد الغزو السوفييتي في أفغانستان وفي صراع كشمير.

وكانت وزيرستان ملاذاً آمناً للمجاهدين المحليين والأجانب، ووضعَ سكان هذه المنطقة أساساً للأنشطة المتطرفة، وتنبع حركة طالبان باكستان الحالية من منطقة وزيرستان هذه.

وخلال الحرب السوفيتية الأفغانية، وجدَ استخدم المقاتلون العرب باكستان نقطة انطلاق جيدة ضد السوفييت، واستغل تنظيم القاعدة الإرهابي هذه الفرصة، فاندمج مع الجماعات المحلية وعزَّزَ الشبكات المتطرفة.

ومنذ إنشاء باكستان، تعثَّرَ النظام الحاكم كثيراً، ولم يتمكن أي رئيس وزراء ديمقراطي من إكمال فترة ولايته بسبب التدخل العسكري، لكن ظل الجيش قوياً بما يكفي لأن يفرض المشهد السياسي.

وبعد 76 عاماً من استقلال باكستان، يشعر الباكستانيون بالإحباط الشديد، وتؤدي التحديات الاقتصادية والسياسية إلى مزيدٍ من المعاناة، ومن ثم، فإنهم يبحثون عن بدائل، كما يتضح من الاحتجاجات الحماسية عام 2022.

وفي أعقاب حصار مسجد لال في يونيو (حزيران)" 2007، أعلنَ تنظيم القاعدة وفروعه في باكستان، وخاصةً حركة طالبان باكستان، الحرب علانيةً على الحكومة الباكستانية.

وبعد الهدنة بين طالبان والولايات المتحدة عام 2021، اندمجت أكثر من 40 جماعة متشددة محلية في حركة طالبان باكستان.

ويوماً بعد يوم، تزداد قوتهم، وقد وسَّعوا نفوذهم إلى أجزاء أخرى من باكستان، وخاصة بلوشستان. 

أخطاء إستراتيجية فادحة

ووفق التقرير، ارتكبت الحكومة الباكستانية ومؤسساتها أخطاءً إستراتيجية فادحة، إذ أدى الخطأ الاستراتيجي المتمثل في طرد البشتون غير المسجلين إلى أفغانستان، إلى نتائج عكسية، إذ رفض مجتمع البشتون المنقسم تاريخياً على طول خط ديورند، بشدة هذه الحدود التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية.

وحاليّاً، وسَّعَت حركة طالبان باكستان نفوذها إلى غلغت بلتستان وبلوشستان، مما يمثل تطوراً مثيراً للقلق.  

الحرب على الإرهاب

وبحسب التقرير، شهد المشهد تحولاً كبيراً بسبب "الحرب على الإرهاب" التي قادتها الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين، وفشلت هذه الحرب في تحقيق أهدافها السياسية والقضاء على الإرهاب، لكنها حققت مكاسب اقتصادية للمجمع الصناعي العسكري.

وختم التقرير بالقول أنه من المهم أن تدرك المؤسسة الباكستانية أن الناس يميلون إلى بدائل أفضل، وأن مواجهة الحركة الإيديولوجية تستلزم ظهور قوة إيديولوجية أخرى، ولذلك قد يؤدي الإكراه والترهيب إلى خطر دفع الأفراد إلى تبني حلول أيديولوجية بديلة.

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية