الثورة تأكل نفسها في صراع السلطة بالسودان

الثورة تأكل نفسها في صراع السلطة بالسودان


10/10/2021

يبدو أنّ مسلسل الانشقاقات داخل جبهة قوى الثورة السودانية لم يصل إلى نهايته بعد، حتى مع نجاح آلية مبادرة رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، في معالجة أزمة المجلس المركزي لقوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) مع اللجنة الفنية لإصلاح قحت، والتي تزعمها حزب الأمة القومي، جناح برمة ناصر - مريم المهدي، عبر التقدم بمبادرة لإصلاح قحت، نتج عنها التوقيع على "الإعلان السياسي الجديد لوحدة قوى قحت".

اقرأ أيضاً: السودان: أزمة خبز حادة.. ومخزون الدقيق يكفي لـ 4 الأيام فقط

وكان من المفترض أن تجمع آلية مبادرة حمدوك الفرقاء السياسيين جميعاً، والمكونات الأهلية والقبلية، وكافة مكونات الجبهة الثورية، ولا تستثني أحداً من القوى السياسية، خصوصاً غير المنضوية تحت قحت، لكن أخفقت المبادرة في تحقيق هدفها، واقتصرت على إعادة لمّ شمل عدد من الأحزاب التي خرجت من مركزي قحت، وقدمت ترضية سياسية لحزب الأمة وأعضاء في اللجنة الوطنية لإصلاح قحت، ونتجت عن ذلك إعادة تشكيل المجلس المركزي القيادي لقوى إعلان الحرية والتغيير بشكل غير مُجمع عليه.

حفل توقيع الإعلان السياسي لمجموعة مركزي قحت

وفي تلك الأثناء، كانت قوى سياسية غير منضوية في مركزي قحت أو اللجنة الفنية بزعامة حزب الأمة، تعقد لقاءات منفصلة لبحث أزمة "قحت"، وعقدت هذه القوى اجتماعات مع رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة، وجاءت المحاولة الانقلابية الفاشلة لتزيد هوة الخلافات بين الأطراف المدنية المتصارعة، وانحاز العسكريون إلى القوى السياسية خارج مركزي قحت الجديد، مما شجعهم على إعلان ميثاق التوافق الوطني لوحدة الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم، وبهذا أصبحت هناك ثلاث جبهات تحت مظلة "قحت": مجموعة الإعلان السياسي، ومجموعة ميثاق التوافق الوطني، ومجموعة أخرى لا تنتمي إلى أيّ من الطرفين، ولا تشارك في السلطة، وتتبنى النهج الثوري الراديكالي.

مجموعة ميثاق التوافق الوطني

في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، ميثاق في الخرطوم حمل اسم "ميثاق التوافق الوطني لوحدة الحرية والتغيير – الائتلاف الحاكم"، بمبادرة من حاكم إقليم دارفور، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي. ووقع الميثاق 16 كيان، أبرزهم حركة تحرير السودان - جناح مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة وزير المالية، جبريل إبراهيم، وحركة تحرير كوش برئاسة أسامة دهب، إضافة إلى رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية علي عسكوري، ورئيس حزب البعث السوداني يحي الحسين، علاوة على نائب رئيس حزب الأمة إبراهيم الأمين، الجناح الثاني داخل حزب الأمة.

الباحث عمار العركي لـ "حفريات": الميثاق الوطني لم يحمل طرحاً جديداً، وكذا لا يحمل المعارضون له رؤية، وجميع مكوّنات قحت ومبادراتهم لا تحمل رؤية لمعالجة المشكلات

وطالب مناوي، خلال مراسم توقيع الميثاق، رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بتعديل "مسيرة الوطن السياسية والتنفيذية"، وأكّد على ضرورة الإسراع في تشكيل هياكل السلطة الانتقالية، مثل؛ المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية، ومراجعة الوظائف التي تُم توليها بعد سقوط النظام السابق، في 11 نيسان (أبريل) 2019، موضحاً أنّ القضايا غير محصورة في مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وإنّما في جميع بقاع السودان.

الصحفي والباحث الأكاديمي في قضايا القرن الأفريقي، عمار العركي

وكان للجنة إزالة التمكين نصيب من الهجوم من مناوي وجبريل إبراهيم، بسبب الهيمنة الكبيرة للجنة على السلطات التشريعية والقضائية في البلاد، وأشار مناوي إلى أنّ الدولة يجب أن تُحكم بواسطة القانون، و"ليس بقانون لجنة التفكيك"، وأكّد أنّه يؤيد تفكيك النظام السابق مطالباً في ذات الوقت بـ "مراجعة كلّ ما صادرته"، من قادة النظام السابق. وفي السياق ذاته أكّد جبريل إبراهيم، على تمسكهم بشعارات الثورة وعدم الحياد عنها، وشدّد على ضرورة استمرار الشراكة بين المدنيين والعسكر لضمان استقرار البلاد، ودعا لإقامة دولة القانون ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وأكّد أنّ الميثاق مفتوح للجميع عدا المؤتمر الوطني، وفي إشارة إلى لجنة إزالة التمكين، قال إبراهيم: "نرفض أخذ أموال الناس بالباطل والتشهير بهم قبل إتمام الإجراءات، إلى جانب فصل الموظف بالدولة بسبب انتمائه السياسي".

اقرأ أيضاً: السودان: تفاصيل جديدة في مواجهة الخلية الإرهابية

ومن جانب آخر، وصف ائتلاف قوى الحرية والتغيير الحاكم الإعلان عن ميثاق التوافق الوطني؛ بأنّه "بلا معنى ومحاولة لخلق أزمة دستورية بالبلاد"، واعتبر عضو المجلس المركزي لقحت، الصادق آدم إسماعيل، أنّ مجموعة الميثاق الوطني تهدف إلى خلق أزمة دستورية، وقال: "أيّة محاولة لخلق أجسام باسم الحرية سيدخل البلاد في أزمة سياسية"، كما اتّهم محسوبون على مركزي قحت مجموعة ميثاق التوافق الوطني بضمّ محسوبين على النظام السابق.

ما أسباب الخلافات؟

ويأتي على رأس الأسباب التي أدت إلى الخلافات السياسية داخل قحت، وتسببت في انسحاب عدد من القوى والأحزاب السياسية من المجلس المركزي القيادي لها، هيمنة أربعة أحزاب على المجلس المركزي، بالتالي على قرارات قحت، وإقصاء عشرات من الأحزاب والقوى السياسية التي وقعت على إعلان قحت، مطلع عام 2019، وهذه الأحزاب هي؛ حزب البعث العربي - جناح سنهوري، وحزب الأمة - تيار مريم الصادق وبرمة ناصر، وحزب المؤتمر السوداني بقيادة خالد سلك وإبراهيم الشيخ، والتجمع الاتحادي المعارض - جناح محمد سليمان الفكي.

علاوةّ على ما سبق، هناك خلافات حول أداء لجنة إزالة التمكين، وإكمال بقية الهياكل السياسية للفترة الانتقالية؛ من المجلس التشريعي والمفوضيات والمحكمة الدستورية، وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: أزمة دواء وشيكة في السودان.. ما علاقة الاحتجاجات بشرق السودان؟

ويقول الصحفي والباحث الأكاديمي في قضايا القرن الأفريقي، عمار العركي؛ اّتهام مؤيدي حمدوك لمناوي بأنه ضمّ فلول وعناصر من النظام البائد، يدخل تحت باب المزايدات والكذب السياسي؛ لأنّ القانون حدد النظام البائد في حزب المؤتمر الوطني المحلول وقياداته، وليس كلّ من استوزر أو شارك أو جرى توظيفه في عهد الحزب، وإذا ما طبقنا الرؤية الشمولية لبعض مؤيدي حمدوك لتمّ إقصاء معظم الموجودين الآن على الساحة، لأنّهم دخلوا في تحالفات وتفاهمات بشكل أو آخر مع النظام السابق.

ويرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية، الأكاديمي أبو بكر فضل محمد، أنّ أساس الخلافات بدأت منذ مشاورات تموز (يوليو) ٢٠١٩، في أديس أبابا، بين ممثلين من الحرية والتغيير وقادة الجبهة  الثورية، وكانت النقاشات حول هيكلة قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية للحكومة، وتناولت قضايا الحرب والسلام والتحول الديمقراطي، وتضمين تلك التفاهمات في الوثيقة الدستورية، لكن قوى الحرية والتغيير لم تأخذ تلك التفاهمات بمأخذ الجد، ولم تضمنها في الوثيقة الدستورية، كما برزت خلافات في لقاء القاهرة وفي مفاوضات جوبا رفض قادة الجبهة الثورية مشاركة قادة قحت في وفد المفاوضات، والتي نتج عنها اتفاق جوبا للسلام، وهو الأمر الذي يعني أن هناك خلاف بين قحت وقادة الحركات المسلحة منذ البداية.

الباحث في الدراسات الإستراتيجية، الأكاديمي أبو بكر فضل محمد

وأضاف فضل، في حديثه لـ "حفريات"؛ من ناحية أخرى هنالك خلاف داخل أحزاب قوى الحرية والتغيير نتيجة لسيطرة بعض القوى على المجلس المركزي، ونتيجة لذلك خرجت عدة تنظيمات سياسية، منها: حزب البعث السوداني، وحزب الاتحادي الموحد، وحزب الأمة القومي، ثم عاد، والحزب الشيوعي، وفصيل من تجمع المهنيين القريب من الحزب الشيوعي.

فوضى سياسية

وأدت تلك الفوضى السياسية إلى إخفاق حكومة حمدوك في معالجة الأزمات التي يواجهها المواطن، والإخفاق في المهام الموكلة إليها بموجب الوثيقة الدستورية، وتصاعد الخلافات مع المكوّن العسكري، الذي لا يثق في قدرة المدنيين على إدارة الملفات المهمّة، في ظلّ هذه الفوضى.

ويرى الباحث العركي، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ انتقادات كثيرة من التي تُوجه للعسكريين بسبب الاستحواذ على ملفات مهمّة تتغافل عن الإخفاق وعدم كفاءة وزراء حمدوك في تأدية مهامهم، وعدم قدرتهم على العمل بشكل فعّال وكفء لإدارة هذه الملفات الحساسة، إلى جانب وجود خلافات وانقسامات لا تُحصى داخل قحت، وداخل كل حزب وتجمع سياسي.

ويقول: أبدى حمدوك عدم رضاه كثيراً عن أداء وزرائه، وخرجت منه تصريحات لم نعهدها من قبل، حين وصف الفترة الانتقالية بأنّها "فترة فوضوية"، ولم يتغول العسكر على ملفات الوزارات، ببل سدوا العجز وعدم الكفاءة في أداء الوزارات، خصوصاً في قضايا؛ الفشقة والتطبيع والسلام وسد النهضة والسياسة الخارجية، وربما لهذا نجد تفهماً من حمدوك.

هناك خلاف داخل أحزاب قوى الحرية والتغيير نتيجة لسيطرة بعض القوى على المجلس المركزي. يبدو أنّ الأطراف السودانية تمارس لعبة "عض الأصابع" متجاهلين أنّهم يضغطون على المواطن

وأبدى العركي تشاؤمه حيال الحراك السياسي الجاري؛ بسبب غياب الرؤية والإستراتيجية ومهارات ممارسة السياسة بين جل القوى السياسية، وقال: الميثاق الوطني لم يحمل طرحاً جديداً، وكذا لا يحمل المعارضون له رؤية، وجميع مكوّنات قحت ومبادراتهم لا تحمل رؤية لمعالجة المشكلات، بل تبني على نقد أخطاء الآخرين، وهكذا صارت السياسة بناء على خطأ المنافسين وفقط.

ومن جانب آخر، أشار العركي إلى أنّ مكوّنات قحت، بجميع أطيافها، لا تعبّر عن ثقل شعبي كبير، وأضاف: هناك مكوّن آخر، اعتبره "المكون الثالث"، لا ينتمي إلى قحت، ولا يُحسب على النظام البائد، وله وزن كبير في الشارع، ويضمّ؛ التيارات الإسلامية المعتدلة، والطرق الصوفية، وأحزاباً تقدمية، ومنظمات مجتمع مدني، وحين حضر بعض هؤلاء حفل تدشين الإعلان عن الميثاق الوطني - مناوي وإبراهيم، وصفهم أنصار مركزي قحت بأنّهم فلول.

قادة الاحتجاجات في شرق السودان

وفي السياق ذاته، ما يزال تجمع المهنيين، وهو أحد أهم مكونات قحت يغرد خارج السرب، بعيداً عن مركزي قحت ومجموعة ميثاق التوافق، وحمّل التجمع مجموعة المجلس المركزي لقحت المسؤولية، وقال في بيان: "مجموعة المجلس المركزي لا يحق لها النواح فهي من بدأت هذا النهج، منذ انفرادها بالقرار في التحالف وعزلها كلّ من لا يوالي خطها الملتف على مطالب ديسمبر، وظلت تمارس هذا النهج حتى الأمس في محاولتها تزوير صوت مواكب الثلاثين من سبتمبر"، وطالب البيان بالتوافق على ميثاق للانتقال الديمقراطي، بعيداً عن الشراكة مع العسكريين.

وكانت مصادر صحفية أشارت إلى أنّ المكوّن العسكري رفض حضور اجتماعات مجلس الوزراء، واجتمع فقط برئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، وأشارت المصادر إلى أنّ رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، عرضوا على حمدوك تشكيل حكومة جديدة من كفاءات بعيداً عن الأحزاب السياسية.

اقرأ أيضاً: أي درس سيتعلمه المدنيون والعسكريون في السودان؟

ومن زاوية أخرى، تحتدم الصراعات بين المدنيين والعسكريين في مجلس السيادة، بسبب تأخر العسكريين في تسليم رئاسة المجلس إلى شخصية مدنية، وفق ما نصّت الوثيقة الدستورية، ودخلت واشنطن على خطّ الأزمة، وطالبت بتسريع انتقال رئاسة المجلس إلى شخصية مدنية، وهددت بوقف الدعم السياسي والاقتصادي ومخططات دعم القوات العسكرية.

ومن غير المرجّح حدوث انفراجة في الأزمة السياسية المتشعبة، في الوقت الذي تتنامى في حدّة أزمة شرق السودان، في ظلّ استمرار إغلاق الطرق والموانئ، وتصاعد مطالب قادة الحراك بإقالة الحكومة. ومن جانب آخر يبدو أنّ الأطراف السودانية تمارس لعبة "عض الأصابع" مع بعضها، متجاهلة أنّها جميعها تضغط على المواطن، وتفتح الباب أمام احتمالات تهدد الاستقرار.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية