التيارات المتنافسة في الانتخابات التركية تبدأ موسم الغزل مع الأكراد

التيارات المتنافسة في الانتخابات التركية تبدأ موسم الغزل مع الأكراد


10/04/2022

يُعلق رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، آمالاً كبيرة على أصوات الأكراد في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا العام المقبل. وفي سبيل ذلك سعى للتقرب من الأكراد، سواء باعترافه على استحياءٍ بالسياسة القمعية بحقّ الأكراد التي لازمت حزبه وقت كان في السلطة، وزيارته لمنطقة ديار بكر، وخطابه الذي يحاول فيه مغازلة الأكراد.

وتواجه سياسة كليجدار أوغلو عدة عقبات لتحقيق ذلك، وهي؛ الناخبين القوميين، ورفض أحزاب في تحالف المعارضة انضمام حزب الشعوب الديمقراطي، وتهم الإرهاب التي تنتظر كل من يتقرب من الأكراد، إلى جانب الخطاب الراديكالي من حزب الشعوب الديمقراطي، والذي يرى في عدم إدانة المعارضة لسياسات أردوغان تجاه الأكراد مشاركةً في الظلم.

مغازلة الأكراد

أجرى كليجدار أوغلو زيارةً إلى منطقة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا، في 10 آذار (مارس) الماضي، ضمن جولاته الانتخابية، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس الحزب المؤسس للدولة التركية الحديثة. وتاريخياً يتحمل حزب الشعب الجمهوري المسؤولية عن اضطهاد الأكراد مع تأسيس الجمهورية التركية، ولهذا مثلت خطوة أوغلو، وإعلانه مجموعةً من المبادئ، التي سيطبقها إذا وصل حزبه إلى السلطة من أجل إحلال السلام مع الأكراد في البلاد خطوةً كبيرةً، أزعجت الرئيس أردوغان وحليفه رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، اللذين هاجما أوغلو بشدة على خلفية الزيارة.

رئيس حزب الشعب الجمهوري، كليجدار أوغلو

وخلال الزيارة أقرّ كليجدار أوغلو لأول مرة أنّ أداء حزبه لم يكن جيداً في المناطق ذات الأغلبية الكردية في تركيا، متعهداً بإجراء تغييرات وإصلاحات لكسب أصوات الأكراد في المستقبل، وحل المشاكل المتعلقة باللغة الكردية، والعمليات العسكرية في المنطقة، وحل معدلات البطالة والفقر المرتفعة في ديار بكر، وتمسك في الوقت نفسه بحل ذلك تحت قبة البرلمان، وفق تقرير نشرته صحيفة "زمان" التركية.

يواجه كليجدار أوغلو حرباً ضروساً من أردوغان وبهلجي، فالأول يتهمه بأنّه "تاجر دين" كلما تقرب من المحافظين، والثاني يلوح في وجهه بـ"تهمة الإرهاب" كلما تقرب من الأكراد

كما اعترض كليجدار أوغلو على محاولات حكومة حزب العدالة والتنمية إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، بسبب صلات مزعومة بحزب العمال الكردستاني، قائلا: "أنّه لا ينبغي إغلاق أي حزب سياسي في البلاد".

وبعد أيامٍ من هذه الزيارة، لم يصوت حزب الشعب الجمهوري لصالح قرار إدانة ممارسات الحكومة المتمثلة في تعيين وصاة على البلديات التي فاز برئاستها عمد من حزب الشعوب الديمقراطي، وذلك خلال اجتماع الجمعية العامة لكونغرس السلطات المحلية والإقليمية لمجلس أوروبا. وهو الموقف الذي جلب عليه انتقاداتٍ واسعة من قيادات كردية، وتّهم بازدواج الخطاب السياسي.

اقرأ أيضاً: الرقصة الأخيرة لتركيا على نغمات أردوغان

ويقول المحلل السياسي التركي، ياوز أجار: "تأسست الجمهورية التركية على مجموعةٍ من المبادئ التي كانت سائدة في العالم كله، وليست في تركيا فقط؛ أبرزها القومية، وباعتبار أنّ الأتراك كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة من السكان، فاحتلوا الدرجة الأولى في سلم الدولة الوليدة، في حين أنّ القوميات الأخرى ومنها الأكراد ظلوا في درجة المرتبة الاحتياطية، أو بالأجدر لم يُعترف بوجودهم. وكان هذا الخطاب الرسمي للدولة الجديدة تحت حزب الشعب الجمهوري، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك".

انفتاح كليجدار أوغلو

وأفاد أجار لـ"حفريات": "مبدأ القومية، إلى جانب العلمانية، مغروز في وجدان هذا الحزب المؤسس للدولة، وهو ما طغى على جميع سياساته طيلة تاريخ الحزب الممتد لقرن كامل. وهذه النظرة القومية للحزب هي التي تسيطر على خطاباته وسياساته وتفرض نفسها خاصة من خلال القادة التقليديين الذين يمسكون بمسار الحزب".

كليجدار أوغلو في لقاء بشخصيات كردية

وحول خطوات كليجدار أوغلو نحو الأكراد، يرى أجار أنّ "حزب الشعب الجمهوري حصل على فرصةٍ تاريخيةٍ لتعديل مبدأ القومية والعلمانية بوصول كمال كليجدار أوغلو إلى رئاسته؛ حيث بذل ومازال جهوداً كبيرةً لتحطيم البرزخين العازلين بين الحزب والأكراد من جانب، والمحافظين من جانب آخر".

 

اقرأ أيضاً: تركيا وإسرائيل: تعاون في مجال الطاقة في منطقة شائكة شرق المتوسط

وأشار المحلل السياسي التركي، إلى أنّ "تاريخ تركيا الحديثة عبارة عن الصراع بين الأتراك والأكراد، والإسلاميين والعلمانيين، وليس هناك مخرجا سوى بناء التوافق الوطني بين أبناء تركيا بكل شعوبها".

اقرأ أيضاً: السياسات التركية في البلقان: قوة ناعمة خيّرة أم نزعة استعمارية جديدة؟

وإذا كان كليجدار أوغلو يواجه معارضةً داخل حزبه، وداخل تحالف المعارضة "تحالف الأمة"، ضدّ تقربه من الأكراد، فهو في الوقت نفسه يواجه حرباً ضروساً من خصميه اللدودين؛ أردوغان وبهلجي، فالأول يتهمه بأنّه "تاجر دين" كلما تقرب من المحافظين، والثاني يلوح في وجهه بـ"تهمة الإرهاب" كلما تقرب من الأكراد.

وكانت زعيمة حزب الخير، المنضوي في تحالف الأمة المعارض، ميرال أكشنار، صرحت برفضها القاطع لانضمام حزب الشعوب الديمقراطي إلى التحالف.

اقرأ أيضاً: هل خالف حزب العدالة والتنمية التركي القوانين وصدّر المواشي إلى قطر؟

ويرى المحلل السياسي التركي، أنّ كليجدار أوغلو: "يريد تخليص حزبه من الثوابت القديمة التي عفا عليها الزمن كالقومية السلبية والعلمانية المتشددة. ويمشي ببطءٍ وخطةٍ مدروسةٍ، لهذا يبرز وجوهاً ذات توجه محافظ كإمام أوغلو، وأخرى قوميةً مثل منصور يافاش، لكسب ود المحافظين والقوميين، وكذلك يُجري مفاوضات علنية وسرية مع حزب الشعوب الديمقراطي، مع محاولة تجنب مواجهة تهمة الإرهاب من قبل التحالف الحاكم".

اقرأ أيضاً: ملياردير تركي مقرب من أردوغان يستقيل من حزب العدالة والتنمية... ما القصة؟

ومع ما يتحمله كليجدار أوغلو من انتقادات سواء من داخل تحالفه أو من التحالف الحاكم "تحالف الشعب"، فمن الأفضل أنّ يتجنب خوض الانتخابات الرئاسية. ويقول أستاذ مقارنة الأديان، الباحث  السعودي في قضايا الحركات الإسلامية، محمد صفر: "حظوظ كليجدار أوغلو ضعيفة انتخابياً؛ فهناك حديث عن مذهبه العلوي، وهو غير مقبول لدى غالبية الأتراك، وحتى العلمانيون لا يرونه الشخص الأنسب".

الكتلة الانتخابية للأكراد

وعن وزن الكتلة الانتخابية للأكراد، يقول الباحث السعودي المقيم في إسطنبول: "الكتلة الكردية انتخابياً صغيرة، ولا تتجاوز 15% ممن يحق لهم التصويت، وتتوزع على حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العدالة والتنمية وغيرهم".

رئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار

ورغم ذلك، أضاف: "هي كتلة مؤثرة جداً؛ لأنّها قادرةٌ على ترجيح التحالفات السياسية، سواء الحاكم والمعارضة". ولكن: "يعلم الأكراد أنّه من المستحيل حكم تركيا، ولهذا يوزعون أصواتهم، وربما يتفاوضون مع تحالف المعارضة نظير دعمه".

اقرأ أيضاً: خيارات تركيا المستحيلة بين الغرب وروسيا

ويسعى حزب الشعوب الديمقراطي إلى تشكيل تحالف باسم "التحالف الديمقراطي"، يهدف إلى تحقيق "العدل والازدهار والمساواة والحياة السلمية المشتركة في تركيا"، وهي وصفة أسماها الرئيس المشارك للحزب، مدحت سنجار "الطريق الثالث للتغيير"، وذلك خلال المؤتمر العادي الرابع لحزبه في مقاطعة ملاطية.

المحلل السياسي التركي، ياوز أجار لـ"حفريات": يريد كليجدار أوغلو تخليص حزبه من الثوابت القديمة التي عفا عليها الزمن كالقومية السلبية والعلمانية المتشددة

وفي السياق ذاته، أدان سنجار المعارضة التركية، بسبب ما وصفه بصمتها أمام الانتهاكات والظلم الكبير في البلاد، وقال: "لا نسمع أحزاب معارضة أخرى تقول أي شيء ذا معنى حول ما تفعله هذه الحكومة". وأضاف: "عندما يكون هناك مثل هذا الظلم الكبير والسرقة والنهب والأكاذيب والحرب في بلد ما، وإذا واصلت البقاء في ساحة اللعب التي رسمتها هذه الحكومة، فلن تتمكن من إقناع هؤلاء الأشخاص بأنك بديل".

 

اقرأ أيضاً: هزة اقتصادية عنيفة في طريقها إلى تركيا: كيف سيتعامل معها أردوغان؟

ويكشف خطاب سنجار عن توجه راديكالي تجاه حكومة العدالة والتنمية، وهو الأمر الذي تعزز بأعوامٍ من الملاحقات الأمنية والقضائية، والتضييق الكبير على حزب الشعوب والأكراد بشكلٍ عام. وكان للأصوات الكردية دور كبير في خسارة حزب العدالة والتنمية لعمادة بلديتي إسطنبول وأنقرة وبلدياتٍ أخرى.

 

اقرأ أيضاً: تركيا تسعى لتثبيت أقدامها في شرق المتوسط من بوابة إسرائيل

ويرى الباحث محمد صفر، أنّ "هناك تنامي للشعور القومي بين الأكراد، في ظل التغيرات في دول الجوار، وتدهور العلاقة بين الأكراد والدولة التركية، مع عودة الصدام، ما جعل الأكراد يسعون للتأثير بقوةٍ في الانتخابات المقبلة".

أكراد يصوتون للعدالة والتنمية

وستشهد تركيا في العام المقبل ثلاثة استحقاقات انتخابية؛ الرئاسية والبرلمانية والبلدية، ولكلٍ منها حسابات انتخابية مختلفة، فمن الممكن أنّ يؤيد أكرادٌ مرشح معارض في واحدة، وآخر من الحزب الحاكم في الأخرى.

د. محمد صفر: الكتلة الكردية انتخابياً صغيرة، لكنها مؤثرة جداً

ورغم الصدام بين السلطة والأكراد، إلا أنّ عهد أردوغان حمل مزايا لهم، وربما تختلف الحسابات الكردية بالنسبة للساسة والمواطنين. ويقول الباحث محمد صفر: "استطاع الأكراد التفاهم لمراتٍ مع حزب العدالة والتنمية، ونالوا امتيازات، وربما يرون وجوده في السلطة كنظامٍ قوي، يمكن التفاوض معه، أفضل من نظام عسكري أو قومي صارم".

إلى جانب ذلك، فمن المؤكد أنّ أردوغان سيلعب على الأصوات الكردية، مستفيداً من وجود أعضاء أكراد وتحالفات مع زعامات كردية، وكذلك فصدامه مع الأكراد محصور بشكل كبير في الجانب السياسي المتعلق بحزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي.

 

اقر أيضاً: تركيا عين على "إس 400" الروسية والأخرى على "باتريوت" الأمريكية

ويقول المحلل السياسي التركي، ياوز أجار: "بعد الحرب الروسية الأوكرانية طوّر أردوغان مواقف هي أقرب إلى مواقف المحور الأمريكي الأوروبي، ويمكن أن يوظف ذلك في بناء الجسور مع المعسكر الغربي مجدداً، ويقترب من الأطروحات الغربية في المنطقة. لذا لا أستبعد أن يمد غصن الزيتون إلى الأكراد لحصد أصواتهم في الانتخابات القادمة، على شاكلة مفاوضات السلام الكردية التي استمرت من 2011 إلى 2015 دون تحقيق الأهداف المعلنة".

 

اقرأ أيضاً: سياسات أردوغان تدفع تركيا إلى تذيل هذا المؤشر العالمي

ويذكر أنّ العمليات الأمنية والعسكرية ضد حزب العمال الكردستاني توقفت عام 2012، وأجرت المخابرات التركية مفاوضات مع زعيم الحزب في سجنه بدعوى إقامة السلام الكردي، ولكن المفاوضات انهارت وعاد الصدام بعد انتخابات عام 2015، التي لم يستطع خلالها حزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة منفرداً. واستغل أردوغان الصدام لرفع شعبيته بين القوميين، ونجح في حصد الأغلبية بعد إعادة الانتخابات في عام 2016.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية