التواجد الداعشي في كينيا يتمدد.. ما الأسباب؟

التواجد الداعشي في كينيا يتمدد.. ما الأسباب؟

التواجد الداعشي في كينيا يتمدد.. ما الأسباب؟


16/10/2022

رسّخ تنظيم داعش الإرهابي نفوذه في دولة كينيا، عبر استقطاب عناصر جديدة وتهيئة بيئات أخرى للتوسّع والتمدّد، وشنّ خلال عام 2022 المزيد من الهجمات داخل العُمق الكيني، مستغلاً بذلك هشاشة الأوضاع وتشتت الأجهزة الأمنية بين احتواء الصراعات القبلية ومواجهة التنظيمات الإرهابية.

 تشير تقديرات معدّل الإرهاب في دولة كينيا إلى تصاعد العمليات والوفيات، جراء نشاط كبير لحركة "شباب الإسلام" الصومالية، التي أوجدت لنفسها مكاناً، وكذا لتنظيم داعش، خاصة في منطقة مانديرا التي سجل فيها التنظيم حوالي (17) هجوماً، وأعقب ذلك مقاطعتا "وجير ولامو" اللتان سجلتا مجتمعتين (18) حالة وفاة، ثم مقاطعة لامو حيث قتلت قنبلة على جانب الطريق (15) جندياً عندما استهدفت قافلتهم، وذلك وفق مؤشر الإرهاب العالمي، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام بسيدني.

 أسباب إرهاب داعش المتصاعد

يقول الكاتب خوسيه لويس مانسياك إنّه في شرق القارة خلال شهر شباط (فبراير) الماضي وحده نفّذت حركة الشباب، التابعة لتنظيم "القاعدة" الإرهابي، في الصومال وكينيا (65) هجوماً، وذلك على وقع انسحاب القوات الأمريكية إلى كينيا وجيبوتي خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، ممّا أدى إلى انتشار الحركة الإرهابية بالمنطقة؛ بل ضاعفت من هجماتها في كينيا، وأصبح لديها بين (7) آلاف و(12) ألف عنصر، وفي المقابل تقدّر المخابرات الكينية أنّ (100) كيني انضموا إلى تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا وسوريا، وأنّ بعض هؤلاء قد عادوا إلى بلادهم بعد تلقّي التدريب لارتكاب اعتداءات دامية.

وجود ثغـرات في الحدود المشتركة بين الدول الأفريقية أدّى إلى انتشار الإرهاب

الخبيرة في التطرف العنيف في معهد "رويال يونايتد سرفيس"، أكدت أنّ معلومات أشارت إلى تجنيد كينيين للقتال في ليبيا والصومال، وقد عادوا إلى كينيا.

 وممّا أدى إلى هذا التواجد عدة أسباب؛ أهمها هو العمل الإخواني، الذي قدّم قاعدة خلفية لباقي الجماعات، وللتوضيح فإنّ جماعة الإخوان انتخبت نائبين لمسؤول مكتب أفريقيا في مصر، أحدهما يُدعى محمد هلال، نائباً لقطاع شرق أفريقيا، و"ناصر منصور" نائباً لقطاع غرب أفريقيا، وكان الغرض من هذه الخطوة هو البدء في التوسع للعمل بأفريقيا، وأقامت مخيماً في كينيا، وقسّمت الهيكل الإداري للمكاتب الأفريقية إلى (4) أقسام رئيسية هي: التربية، الأخوات، نشر الدعوة، الطلاب.

 والسبب الأهم هو الاضطرابات القبلية؛ حيث تواجه كينيا حالة من التصدع المجتمعي على خلفية الانقسامات القبلية التي تمر بها، وفق دراسة لمركز المسبار للبحوث، الذي أرجع الخلافات الإثنية لأزمة دستورية بالأساس تتعلق بتوزيع الصلاحيات، فبرغم وجود أكثر من (40) قبيلة فإنّ السلطة والامتيازات تتركز في أيدي (3) قبائل، ناهيك عن أنّ المشاريع والخطط التنموية يتم تنفيذها في الأقاليم المركزية التي تقطنها القبائل المهيمنة سياسياً، الأمر الذي أدى إلى حالة من التنافر وعدم الانسجام، وأسفر ذلك عن تمدد تنظيم داعش بكينيا.

من المرجح أن يتزايد النشاط الإرهابي في دولة كينيا؛ بسبب قربها من منطقة توتر كبيرة وهي الصومال، التي ينشط فيها "داعش" و"حركة شباب الإسلام"، وبسبب البعد القبلي وعدم الاستقرار السياسي

 

 يضاف إلى الأسباب السابقة التفاهمات التي حدثت بين تنظيمي؛ "داعش" و"القاعدة"، يُستدل على ذلك من عدد من الوثائق والمعلومات التي أكدت لقاء عناصر قيادية من التنظيمين، منها اللقاء الذي جمع بين أبي عبد الرحمن المغربي، وأبي وليد الصحراوي.

 يقول الباحث أحمد أمل في مقال له بمجلة الاقتصاد والعلوم السياسية، بعنوان "مهددات أمن الحدود في أفريقيا: المظاهر والأسباب وسياسات الاستجابة": إنّه في ظل تآکل القدرات الأمنية للحدود في القارة الأفريقية، ظهرت (3) أنماط مستجدة ميزت الظاهرة الإرهابية في أفريقيا، أولها التغير المستجد في المسارات الجغرافية التي يتم نقل الدعم بالمال والسلاح عبرها من خارج القارة إلى ساحات نشاط الإرهاب في أفريقيا.

 ومن أهم الأسباب استفادة المقاتلين العائدين من مناطق التوتر من سيولة الحدود الأفريقية وعجزها عن ضبط تدفقات المهاجرين من القارة وإليها، خاصة مع التطور الكبير الذي أحرزته شبكات التهريب التي استغلت القارة الأفريقية في الأعوام الأخيرة، ومن خلال ذلك تمكّنت التنظيمات الإرهابية عبر أدواتها الدعائية من استقدام المقاتلين من دول الجوار في غرب أفريقيا.

التعاون الإقليمي قد يساهم بشكل فعّال في التصدي لـ"داعش"

 في عام 2017 أعرب الاتحاد الأفريقي عن قلقه بشأن وصول أعداد کبيرة من المقاتلين في ساحات القتال في الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، مقدراً عددهم بنحو (6) آلاف من حاملي الجنسيات الأفريقية المختلفة قادمين من ساحة القتال السورية، الذين أعيد نشرهم في عدد من الجبهات على امتداد الساحل الأفريقي.

 ومن أهمّ الأسباب أيضاً انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة، وسهولة تحركـات الجماعـات المـسلّحة غـير المـشروعة والجماعات الإرهابية، خاصة مع وجود ثغـرات في الحدود المشتركة مع دول مجاورة هشة أو غير مستقرة.

 مستقبل الإرهاب في كينيا

من المرجح أن يتزايد النشاط الإرهابي في دولة كينيا، إمّا بسبب قربها من منطقة توتر كبيرة وهي الصومال، التي ينشط فيها "داعش" و"حركة شباب الإسلام" التابعة لـ"القاعدة"، وإمّا بسبب البعد القبلي، وعدم الاستقرار السياسي.

 وترى دراسة نشرتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنّ تبادل الدعم بين التنظيمات الإرهابية الناشطة في أفريقيا جعل من السهولة استغلال سيولة الحدود، ومن خلال تجاوز الخلافات الفكرية التي أوقعت هذه التنظيمات في فترات سابقة في مواجهات مسلحة نالت من قدراتها على النشاط بصورة فعالة، وبسبب استقبال ساحات نشاط التنظيمات الإرهابية في أفريقيا أعداداً متزايدة من المقاتلين سواء القادمين من مناطق خارجية؛ کالشرق الأوسط، أو المنتقلين بين الدول الأفريقية، سوف يستمر النشاط الإرهابي.

من أهم الأسباب استفادة المقاتلين العائدين من مناطق التوتر من سيولة الحدود الأفريقية وعجزها عن ضبط تدفقات المهاجرين من القارة وإليها

 وخلصت الدراسة إلى أنّ الحكومات الأفريقية لم تبذل جهداً حقيقياً في محاربة الإرهاب منذ بداية انتشاره مستغلة الغضب الأمريكي للأخذ بالثأر بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، وإنّما تسابقت الحكومات الأفريقية لتصفية حساباتها داخلياً عن طريق فتح المجال أمام التدخل الأمريكي في أراضيها بحجة مكافحة الإرهاب من ناحية، ومن ناحية أخرى سعت تلك الحكومات إلى تأييد الحرب الأمريكية ضد الإرهاب لإبعاد شبهة التواطؤ عن نفسها، ولم يكن انتشار الجرائم الإرهابية في أفريقيا راجعاً لقصور ما في تشريعات تلك الدول لمكافحة الإرهاب، سواء على المستوى الوطني أو القارّي، وإنّما لأسباب أخرى يتمثل أهمها في غياب التنسيق الإقليمي والقارّي.

 والخلاصة؛ أنّه من دون وعي كينيا وباقي الدول الأفريقية أنّ التعاون الإقليمي قد يساهم بشكل فعّال في التصدي لـ"داعش"، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، فإنّ التنظيم ستزداد عملياته بشكل كبير ومتوالٍ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية