التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر: المراقبون متشائمون

التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر: المراقبون متشائمون

التهديد الحوثي للملاحة في البحر الأحمر: المراقبون متشائمون


14/02/2024

في أحدث هجماتهم، أعلنت ميليشيا الحوثيين في اليمن، أول من أمس، الاثنين، استهداف سفينة أمريكية في البحر الأحمر، في أعقاب تقارير من وكالتين بريطانيتين للأمن البحري بأنّ سفينة أبلغت عن استهدافها بصاروخين أثناء مرورها في مضيق باب المندب الاستراتيجي، ما يجعل التوقعات بانتهاء التهديد الحوثي للملاحة الدولية بعيداً، وليس في متناول الأيام القريبة القادمة، بحسب توقعات مراقبين أعربوا عن الحاجة إلى مزيد من الوقت للوصل إلى تهدئة مستدامة في البحر الأحمر.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع في بيان نقله التلفزيون إنه "انتصاراً لمظلومية الشعب الفلسطيني وضمن الردّ على العدوان الأميركي البريطاني على بلدنا (...) قامت القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية باستهداف سفينةِ ستار أيرس  (Star Iris)  الأمريكية في البحر الأحمر وذلك بعدد من الصواريخ البحرية المناسبة".

وأضاف سريع أنّ "الإصابة دقيقة ومباشرة"، مؤكداً مواصلة "قرار منع الملاحة الإسرائيلية أو المتجهةِ إلى موانئ فلسطين المحتلة في البحرين الأحمر والعربي حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".

ومنذ 19 تشرين الثاني (نوفمبر)، تنفّذ مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها، ويقولون إنّ ذلك يأتي دعماً لقطاع غزة الذي يشهد عدواناً إسرائيلياً منذ "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

هجمات حوثية بأسلحة إيرانية

وتعالت النداءات المحذرة من اتساع نظاق الهجمات الحوثية التي تستخدم أسلحة استراتيجية يؤكد كثير من المراقبين أنها صناعة إيرانية، أو تمت بتمويل إيراني. وأكدت مصادر لقناتي "العربية" و"الحدث" أنّ قوات خفر السواحل الأمريكية، والتي تعمل في منطقة الأسطول الخامس، تمكنت من السيطرة أواخر الشهر الماضي على قارب تهريب في منطقة بحر العرب.

وأكدت هذه المصادر أنّ القارب خرج من ميناء في إيران، وكان يحمل أسلحة، ويحاول التوجّه إلى سواحل جنوب عُمان أو اليمن، لكنّ الرصد الأمريكي تمكّن من إلقاء القبض على البحارة وصادر الحمولة من الأسلحة الموجّهة الى الحوثيين.

تعالت النداءات المحذرة من اتساع نظاق الهجمات الحوثية التي تستخدم أسلحة استراتيجية

وامتنع الأسطول الخامس أو القيادة المركزية، وهي المسؤول الأعلى عن المنطقة، عن الإعلان عن هذه الشحنة المصادرة.

وتؤكد مصادر رسمية وغير رسمية لـ"العربية" و"الحدث" أنّ إيران تتابع محاولاتها على رغم انتشار أعداد ضخمة من السفن والمسيرات البحرية الأمريكية والمتحالفة معها، وأنها تعتمد في عمليات التهريب العمل أكثر فأكثر مع عصابات تهريب من مناطق مختلفة في المنطقة.

وسبق تقرير "العربية" تقرير بثته "سي إن إن" نقلت فيه عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية قولها  (DIA)إنّ إيران زودت الحوثيين بـ"ترسانة متنوعة" من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى وكروز، منذ عام 2015.

وأوضحت الوكالة، في تقرير جديد، تفاصيل استخدام جماعة الحوثي لتلك الأسلحة، حيث ذكرت أنه "بين عامي 2015 و2023، اعترضت الولايات المتحدة وشركاؤها 18 سفينة إيرانية على الأقل كانت تحاول تهريب أسلحة إلى الحوثيين".

 

رغم إدراك الولايات المتحدة صعوبة ردع الحوثيين، فإنَّها قررت اللجوء إلى العمل العسكري ضدهم، بهدف إرسال رسالة قوية بأنها لن تتسامح بتهديد ممرات التجارة

 

وأضافت أنّ "تلك السفن كان تحمل شحنات تحتوي على مكونات صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار وصواريخ موجهة مضادة للدبابات، فضلاً عن آلاف البنادق الهجومية".

ووفقاً للتقرير، استخدمت ميليشيا الحوثيين صاروخ "آصف" الباليستي المضاد للسفن في ممرات الشحن الدولية مثل البحر الأحمر وخليج عمان منذ أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، وذكر التقرير أنّ هذا الصاروخ مطابق تقريباً للصاروخ الإيراني المضاد للسفن "فاتح-110".

وتابع التقرير أنّ صاروخ "قدس-4"، وهو صاروخ كروز يستخدمه الحوثيون، مشتق من صاروخ "بافيه" الإيراني، ويشترك الصاروخان في ميزات مماثلة منها المحرك.

ووفقاً لتقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، استخدم الحوثيون صواريخ "القدس" لمهاجمة إسرائيل، ويتطابق حطام صاروخ الحوثي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مع حطام صاروخ إيراني أطلق على السعودية في عام 2019.

خبراء: هجمات الحوثيين لن تتوقف قريباً

ويتوقع خبراء وأكاديميون ومحللون سياسيون أن تتواصل تهديدات الميليشيا الحوثية، داعين إلى "نهج شامل لمعالجة التوترات الإقليمية"، بحسب ندوة عبر الإنترنت نَظَّمها مركز الإمارات للسياسات في أبوظبي، في السابع من الشهر الجاري.

وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، إنّ التنامي في حدّة التصعيد بين الحوثيين والولايات المتحدة يزيد من المخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة في منطقة جنوب البحر الأحمر، بما يخلق تهديداً خطِراً وطويل المدى ليس للأمن الإقليمي فحسب، بل أيضاً لحركة التجارة العالمية؛ فنحو 12% من حجم التجارة العالمية يمر عبر مضيق باب المندب، فضلاً عن 10% من الصادرات النفطية المنقولة بحراً، و8% من شحنات الغاز المسال. 

وقد أدى تغيير كثير من شركات الشحن العالمية مسار سفنها إلى رأس الرجاء الصالح، وارتفاع أسعار الشحن والتأمين البحري، إلى تراجع النقل البحري للحاويات في البحر الأحمر إلى 30% تقريباً، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وفتح التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن البابَ أيضاً لعودة أعمال القرصنة البحرية المنطلقة من الأراضي الصومالية، في ظل انشغال القوات الدولية بالتهديد الجديد، حيث سُجلت خلال الأسابيع الماضية نحو أربع عمليات قرصنة على الأقل نجح القراصنة في السيطرة على سفينتين تجاريتين.

كما أنّ هذا التصعيد، بحسب الكتبي، قد يؤدي إلى تعطيل المساعي الدولية والأممية لحل الأزمة اليمنية، وتقويض التفاهمات الأخيرة التي تم التوصل إليها بين جماعة الحوثي والمملكة العربية السعودية، وبخاصة إذا قررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الانتقال من استراتيجية ضرب قدرات الحوثيين على استهداف حركة الملاحة عبر القصف الجوي، إلى استراتيجية التدخل البري ودعم الحكومة الشرعية والقوى اليمنية الأخرى على الأرض.

وخلال مداخلته في الندوة، كما أفاد الموقع الإلكتروني للمركز، قال ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إنّ لجوء جماعة الحوثي للتصعيد في جنوب البحر الأحمر، وهو "حدث تأسيسي" بحسب وصفه، من شأنه إعادة تعريف دور الحوثيين بالكامل، وزيادة قيمتهم الاستراتيجية في إطار ما يسمى "محور المقاومة"، الذي تقوده إيران. وأكد أنّ الحوثيين من أبرز الرابحين في التصعيد القائم في البحر الأحمر وخليج عدن.

 ومع أنّ حصول تهدئة أو وقف لإطلاق النار في غزة، قد يدفعهم إلى عدم مواصلة تصعيدهم ضد السفن التجارية التي تمر قبالة سواحل اليمن، لكن هذا، وفق المذحجي، لن يحول دون استخدامهم ملف مضيق باب المندب في مرات قادمة مستقبلاً، بما يُلبي مصالحهم الخاصة، ومصالح المحور الإيراني في المنطقة.

السياسة الأمريكية في البحر الأحمر

وفي قراءته للسياسة الأمريكية تجاه أزمة البحر الأحمر، بيَّن عمر طاشبينار، أستاذ الدراسات الأمنية في كلية الحرب الوطنية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، أنّ الولايات المتحدة لجأت بشيء من التردد إلى التعاطي عسكرياً مع التهديدات الحوثية لممرات الملاحة الدولية، إذ تعتقد الإدارة الأمريكية أنّ ثمة حاجة للحفاظ على مستوى معين من خفض التصعيد في الشرق الأوسط، بشكل عام، لاسيما أنّ أي تصعيد عسكري قد يُهدِّد بتقويض مسار السلام في اليمن الذي تنخرط فيه السعودية، وتدعمه إدارة الرئيس بايدن.

وعلى الرغم من إدراك الولايات المتحدة صعوبة ردع الحوثيين، فإنَّها قررت اللجوء إلى العمل العسكري ضدهم، بهدف إرسال رسالة قوية بأنها لن تتسامح بتهديد ممرات التجارة الدولية من قبل أي طرف. 

وفي تحليلها للاستجابة الأوروبية للتصعيد في البحر الأحمر، أشارت إليونورا أرديماني، زميلة البحث المشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (IPSI)، إلى أنّ النهج الأوروبي الحالي في التعاطي مع هذه الأزمة لم ينجح حتى الآن، وفي تقديرها أنّ لدى الولايات المتحدة وبريطانيا أهدافاً متوازية مع الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذه الأزمة؛ فبينما تهدف واشنطن ولندن إلى تقويض القدرات العسكرية للحوثيين، يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى التخفيف من التداعيات التجارية للتهديدات الحوثية. ويفتقر الأوروبيون، بحسب أرديماني، إلى سياسة واضحة ومتماسكة للتعاطي مع أزمة البحر الأحمر، وكذلك مع المشكلة الأوسع نطاقاً، وهي الدور الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة.

 

خبير يمني: لجوء الحوثيين للتصعيد في البحر الأحمر، من شأنه إعادة تعريف دور الحوثيين بالكامل، وزيادة قيمتهم الاستراتيجية في إطار ما يسمى "محور المقاومة"

 

واتفق كلٌّ من محمد باهارون، المدير العام والشريك المؤسِّس لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث)؛ والبدر الشاطري، الأستاذ في كلية الدفاع الوطني في أبوظبي، في مداخلتيهما، على أنّ الردع لن يُجدي كثيراً مع الحوثيين، ولن يجبرهم على إيقاف تصعيدهم في البحر الأحمر؛ وأنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من الصعب أن يحقق أهدافه، بالطريقة التي يُدير بها الأمور حالياً، لاسيما أنّ الإدارة الأمريكية ليست لديها رؤية شاملة لكيفية التعامل مع معضلة الحوثيين، الذين يؤججون الوضع في جنوب البحر الأحمر في ظل يقينهم بأنه ليس لديهم الكثير مما يخسرونه. كما أنّ تحالف "حارس الازدهار"، الذي تقوده واشنطن، غير مُستدام بطبيعته، ويستخدم أساليب تكتيكية قصيرة المدى لردع الحركة الحوثية، سبق وأن جُرِّب بعضها من قبل ولم تُجدِ نفعاً. 

من جهته، تطرَّق السفير كريم حجاج، الأستاذ المُمارس في كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى الموقف المصري من أزمة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، قائلاً إنّ مصر تعد من أكثر الدول المتضررة من تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر، باعتبار التأثير الحاسم والواضح لهذا التصعيد في تراجُع إيرادات قناة السويس، التي تعتمد عليها الخزانة المصرية بشكل كبير في الحصول على العملة الصعبة.

وأشار السفير حجاج إلى أنّ استراتيجية إيران في ربط أعمال وكلائها بالقضية الفلسطينية أخذت تؤتي ثمارها، ما جعل مشاركة مصر وغيرها من الجهات الإقليمية الفاعلة في تحالف عسكري [تقوده الولايات المتحدة] ضد الحوثيين أمراً صعباً للغاية.

مواضيع ذات صلة:

إيران وأمن البحر الأحمر... ما أهداف استعراض القوة؟

هل يعطل إرهاب الحوثيين في البحر الأحمر عملية السلام؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية