التمدد الصامت لإيران في الجنوب السوري قنبلة موقوتة تهدد المنطقة

التمدد الصامت لإيران في الجنوب السوري قنبلة موقوتة تهدد المنطقة

التمدد الصامت لإيران في الجنوب السوري قنبلة موقوتة تهدد المنطقة


29/01/2023

منذ توقيع اتفاق التسوية في الجنوب السّوريّ عام 2018، وصولاً إلى انشغال روسيا أخيراً في حرب أوكرانيا، استطاعت إيران التأقلم مع الضغوط والتحديات التي واجهت مخططها في المنطقة، وسلكت العديد من الأساليب التي مكّنتها من الالتفاف على المطالب الإقليمية والدولية بسحب ميليشياتها لمسافة 80 كيلومتراً عن خط المواجهة. ومن خلال استراتيجية "التمدد الصامت" حققت طهران أهم الأهداف التي كانت تسعى إليها، وذلك خلافاً للعديد من التقارير الإسرائيلية والغربية التي تحدثت عن التخلص من الجزء الأكبر من المشروع الإيراني في سوريا.

انطلقت الاستراتيجية الإيرانية بعد توقيع اتفاق التسوية وتنبّهها إلى استهداف بنوده لوجودها في الجنوب السوري، من ضرورة وضع أسس جديدة لبسط نفوذها في المنطقة تكون بعيدة من أي سمات ومظاهر عسكرية، وهو ما تجلّى عملياً في امتناع إيران، برغم امتلاكها القدرات العملية والميدانية لذلك، عن تشكيل قوات عسكرية تابعة لها في الجنوب كما فعلت في مناطق سورية أخرى لا سيما دير الزور وحلب وحمص وغيرها. وتجنبت إيران بذلك أمرين أساسيين هما: إثارة بعض العواصم الإقليمية والدولية ضد مظاهر نفوذها العسكري الواضحة للعيان، وكذلك التخلص من خطر الطائرات الإسرائيلية التي تلاحق مواقعها العسكرية في كل مكان من سوريا.

عوضاً عن ذلك، لجأت إيران إلى التعويض عن حضورها العسكري باتباع طرق صامتة وهادئة لا تلفت الانتباه إلى زيادة حضورها الذي يكاد يكون غير مرئي في أغلب الأحيان، بل يكون من الصعب أيضاً مراقبتها سواء بالأقمار الاصطناعية وأحياناً حتى بالطائرات المسيّرة، إضافة إلى أنّ هذا التواجد يعتمد بشكل كبير على الطابع المدني ما يسهل عمليات تمويله وفي الوقت نفسه يصعب استهدافه، كما أنّه لا يشكل خطراً استراتيجياً من الناحية العسكرية بخاصة على إسرائيل، وفق ما ذهب تقرير سوري معارض.

وخلافاً للسائد لا سيما في بعض التقارير الإسرائيلية التي خلصت أكثر من مرة إلى تراجع الحضور الإيراني، تحدث التقرير الصادر عن "تجمع أحرار حوران" عن نجاح طهران في "رسم صورة الجنوب السوري وفق الرؤية الإيرانية".

وهذا ما تشهده المنطقة حالياً من سيطرة إيرانية على كل مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية إضافة إلى تأليف شبكات للتهريب والاغتيال تشبه إلى حد كبير كتائب الموت التي أوجدتها في العراق عقب سقوط بغداد في العام 2003.

وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا والضعف الذي تواجهه روسيا كعامل مهم تسبّب في اختلال الموازين في الجنوب ولكن لصالح إيران، وهو ما أتاح لـ"الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني إعادة تشكيل نفوذهما في الجنوب بطريقة مناسبة عبر وسائل متعددة أبرزها، تصفية كل المناهضين للوجود الإيراني في الجنوب، وذلك عبر شبكة معقدة أنشأتها إيران بدءاً من مكتب الدراسات التابع لمكتب أمن الفرقة الرابعة، وصولاً إلى انخراط الأجهزة الأمنية وخلايا تنظيم "داعش" ومجموعات أخرى تعمل وفق نظام الارتزاق. وكذلك عبر التدخل بشكل مباشر في وزارة الدفاع السورية والفروع الأمنية في مسألة التعيينات الأمنية والعسكرية، حيث استطاعت إيران فرض الضباط المحسوبين عليها في نشرات التعيينات في الجنوب وذلك لتبدو هذه التعيينات وكأنها جاءت من قبل النظام. وكان آخر تدخل لإيران التمديد للعميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري والذي كان قد وصل إلى سن التسريح من العمل، إلا أنّه شخص لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لإيران لكونه يمتلك خيوط التحكم بمعظم المجموعات في الجنوب، إضافة إلى صلاته حتى ببعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة، وفق المعلومات التي وردت في تقرير سابق.

وعمدت إيران أيضاً إلى اتباع أسلوب التواجد داخل القطعات العسكرية التابعة للنظام، والفرق العسكرية الموجودة في الجنوب، حيث يتواجد عناصرها بشكل فاعل في هذه القطعات، وبرز ذلك في الفرقة الرابعة خلال الحملة على درعا في صيف عام 2021، إضافة إلى الفرقة التاسعة التي تعتبر تابعة لإيران بشكل كامل، وفوق ذلك الفروع الأمنية الرئيسية، العسكري والمخابرات الجوية.

عملت إيران أيضاً على إدخال شخصيات وإيجاد نخب موالية لها في الجنوب بخاصة في محافظة درعا، من خلال إنشاء جمعيات ودعم أخرى ترتبط بها، وأبرزها جمعية الزهراء، وجمعية الشهيد، وجمعية العرين "البستان سابقاً" والتي يترأسها، وسيم اعمر المسالمة، والتابعة لـ"الحرس الثوري" وتعتبر الذراع المدنية لقوات العرين أو ما تعرف بـ"اللواء 313".

ويشير التقرير إلى أن إيران تمكنت من تحقيق أهم ثلاثة من الأهداف تصدرت القائمة التي تسعى إليها في الجنوب السوري خلال هذه المرحلة. وهي:

أولاً: عمليات تصنيع المخدرات وتهريبها إلى الأردن ودول الخليج، وقد تمكنت بالفعل من تحقيق أهدافها في هذا المجال وتحويل الجنوب السوري إلى أحد أهم مراكز تصنيع حبوب الكبتاغون على المستوى العالمي، وقد اعتمدت في ذلك على مجموعات محلية ترتبط بها بشكل كامل، وعلى تنسيق مباشر بـ"حزب الله" اللبناني المشرف الرئيسي على عمليات تصنيع وتجارة المخدرات.

ثانياً: عمليات التشيع في الجنوب، أي تشكيل حاضنة شعبية "طائفية"، وتتركز الدعوة للتشيع في بلدة قرفا بريف درعا، ويتولى زيدان الغزالي رجل إيران الأول في الجنوب السوري عمليات التشيّع، والذي عرف عنه انتماؤه خلال دراسته الفلسفة في جامعة دمشق، بميوله، إلى حركة "الإخوان المسلمين"، والتي أصبح عضواً فيها في نهاية سبعينات القرن الماضي، ولكن مع بدء نشاط جمعية المرتضى عام 1981، التحق زيدان بها ليسافر بعد ذلك إلى إيران حيث بقي فيها سنوات عدة وعاد في العام 1997، بدعم إيراني ديني ومالي كبيرين، ليغدو رجل إيران الأول في الجنوب، إضافة إلى الدعم الأمني الذي أمّنه له رستم الغزالي، واستمر بعد مقتله.

ثالثاً: استغلال إيران خروج الجنوب السوري خلال الفترة الماضية من دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، قبل أن يعود خلال الأشهر الأخيرة مع التصاعد غير المسبوق في تهريب المخدرات والذي قض مضاجع الأردن ودول الخليج والسعودية. فقبل تصاعد عمليات تهريب المخدرات، لم يكن هناك أي دعم منظم من قبل الفاعلين الخارجيين لأي فصائل في الجنوب، ولم تكن هناك مؤشرات على احتمال حصول متغيرات قد تدفع الأطراف الخارجية إلى معاودة نشاطها في جنوب سوريا، بما فيها إسرائيل، التي كان يقتصر نشاطها على مراقبة تحركات "حزب الله" على الشريط الحدودي، ولم تكن معنية بأي نشاط آخر لإيران في الجنوب السوري ما لم يكن ذا طابع عسكري واضح.

وقد ساعد إيران في تحقيق أهدافها في الجنوب السوري تفكك فصائل المعارضة بعد التسوية، وتشتت عناصرها وقياداتها وتعرض معظم القادة المناهضين للوجود الإيراني إلى عمليات اغتيال منظمة، أما ما تبقى من مجموعات معارضة، فهي صغيرة غير قادرة على التأثير في مسار المشروع الإيراني، ليبقى اللواء الثامن الذي تم تحييده عن مواجهة المشروع الإيراني بعد الحرب الروسية في أوكرانيا وإلحاقه بشعبة المخابرات العسكرية، ويقتصر وجوده على مناطق محددة في ريف درعا الشرقي، وهذه المناطق في الأصل ليست ضمن حسابات المشروع الإيراني على الأقل في الوقت الحالي، نظراً للاهتمام الإيراني بالريف الغربي المجاور للأردن وإسرائيل إضافة إلى الشريط الحدودي من أجل تهريب المخدرات.

وخلص التقرير السابق إلى القول إنّ إيران استطاعت من خلال تمدد صامت أن تقوم بإعادة تشكيل المنطقة الجنوبية من سوريا لتكون وفق مصالحها، سواء الاقتصادية وحتى المذهبية والطائفية، لتحوّل المنطقة إلى قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه الإقليم بالكامل ما لم يكن هناك تحرك دولي وإقليمي حاسم ضد التواجد الإيراني الذي تحوّل إلى حلقة جهنمية تعصف بالجنوب ودول الجوار السوري.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية