التقارب العربي التركي: هل دخل إعلام الإخوان نفق المجهول؟

التقارب العربي التركي: هل دخل إعلام الإخوان نفق المجهول؟


30/01/2022

وجّهت المساعي التركية الأخيرة لإنهاء التوتر مع دول عربية ضربة موجعة للآلة الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين التي اتخذت من الأراضي التركية منبراً لها على مدار الأعوام السابقة لبث الكراهية والإشاعات ضد الجيش المصري، الذي تعتبره جماعة الإخوان "عدوّها اللدود".

ووفقاً للموقع الإلكتروني لقناة "الحدث"، فإنّ سعي تركيا لتطبيع العلاقات مع دول عربية، ومن بينها مصر، أربك صفوف الإخوان الهاربين في تركيا، وأدى إلى التضييق على منابرهم الإعلامية؛ ممّا دفع بعضهم إلى المغادرة خشية التحول إلى ورقة مساومة بيد أنقرة.

اقرأ أيضاً: ملامح مرحلة ما بعد الانشقاق.. ما الرسائل التي أراد المتحدث الإعلامي للإخوان تمريرها؟

ولم تأتِ مخاوف الإخوان المسلمين من فراغ، فقد طلبت منهم السلطات التركية، في مطلع آذار (مارس) 2021، تخفيف حدة هجومهم على النظام المصري، ولا سيّما بعد إعلان رسمي في كلٍّ من مصر وتركيا بأنّ الدولتين بدأتا مفاوضات لتطبيع العلاقات التي توترت على خلفية عزل الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في 2013 بعد عام واحد من الحكم، بعد اتهامات لهم بـ"العمالة وخيانة الأمانة"، وفقاً لوكالة "أسيوشيتد برس".

وبحسب موقع "الحدث"، فإنّ معتز مطر كان يقيم في إسطنبول ويقدّم برامجه منها، ثم من العاصمة البريطانية لندن، والآن من استديو في مكان غير معلوم يبُث برنامجه على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما دفع التقارب التركي العربي أيضاً قنوات الإخوان "وطن" و"مكملين" إلى دراسة الخروج من تركيا، إلّا أنّهم لم يعلنوا حتى الآن وجهتم الجديدة.

سعي أنقرة لتطبيع العلاقات مع دول عربية، منها مصر، أربك صفوف الإخوان الهاربين في تركيا

وبالرغم من كثرة المنابر الإعلامية الإخوانية في بريطانيا، لكنّه ليس من الواضح ما إذا كان مطر ومحمد ناصر وغيرهما سيتمّ ضَمُّهم إلى قنوات قائمة بالفعل كفضائية "الحوار"، التي يديرها عزام التميمي القيادي الإخواني الفلسطيني، أم سيتمّ إنشاء قنوات جديدة لهم، وربّما الاكتفاء بالظهور عبر وسائط الديجيتال فقط كاليوتيوب وغيره من الوسائل. ولعلّ ما يؤكد هذه الترجيحات هو استضافة التميمي لإبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام للتنظيم، على قناة "الحوار"، ومركزها لندن، والتي انضمّ إليها أيضاً أسامة جاويش المذيع الإخواني القادم من تركيا.

آلية الإخوان الإعلامية إلى أين؟

وكحال الجماعة الأم، التي خرجت من المعتقلات إلى الشتات، تبدو الآلة الإعلامية الإخوانية، التي كانت الجماعة تتباهى بها، متخبّطة ومنقسمة على نفسها تنهشها صراعات السلطة والنفوذ والمال.

ماهر فرغلي: سيركز إعلام الإخوان مستقبلاً بشكل أكبر على السوشيال ميديا وعلى اليوتيوب وإعلام الإنترنت

وبناء على ما سبق، يبدو أنّ الآلة الإعلامية، التي لطالما استخدمتها جماعة الإخوان فيما سمّاه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً "حرب الجيل الرابع" ضده وضد نظامه وضد أي معارض، تواجه مصيراً غامضاً في ظلّ الانقسام بين تيارات الإخوان المسلمين، وأبرزهم إبراهيم منير ومحمود حسين، بالإضافة إلى التغييرات في الموقف التركي الساعي للتقارب مع مصر ودول الخليج على حساب الإخوان المسلمين.

وفي هذا السياق، يشير الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، إلى بيان صهيب عبد المحفوظ، المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان، الصادر الخميس الماضي، مؤكداً "أنّ كل شيء يسير في سياقه الطبيعي، من حيث تمويل القنوات الإعلامية الإخوانية، وأنّ الاشتراكات الشهرية تسير في سياقها الطبيعي".

اقرأ أيضاً: إعلام الإخوان منقسم... كيف ستتعامل الجماعة مع موجة إعلامييها المغادرين من تركيا؟

وأوضح فرغلي في حديثه مع "حفريات"، إلى أنّ " تمويل الآلة الإعلامية للإخوان كان يأتي أصلاً من عبد الرحمن أبو دية الفلسطيني، المقيم في لندن، وهو رجل قطر، والمموّل لكلّ قنوات الإخوان الفضائية"، مشيراً إلى أنّ "أبو دية" يدعم بالأساس إبراهيم منير وجماعته، التي وصفها بالإصلاحية.

 تبدو الآلة الإعلامية التي طالما تباهت بها الجماعة متخبّطة ومنقسمة على نفسها تنهشها صراعات السلطة والمال

ويتابع فرغلي حديثه: "مما سبق، لن يعاني الإخوان من نقص التمويل؛ لأنّ معهم التمويل الحقيقي والرسمي إلى جانب عزام التميمي، ولم تزل قناة وطن التي يديرها محمود حسين تعمل من قطر."

وعن مستقبل إعلام الإخوان، رأى فرغلي أنّه "سوف يسير في مساره الطبيعي"، منبّهاً إلى أنّ جماعة الإخوان سوف تركز بشكل أكبر في المراحل المقبلة على السوشيال ميديا وعلى اليوتيوب وإعلام الإنترنت.

تغيير حقيقي أم مناورة؟

وكشف الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أنّه "منذ عامين عقدت الجماعة اجتماعاً في لندن لتقييم الآلة الإعلامية التابعة لها، ناقشوا خلاله فشل إعلام الإخوان في تحقيق النتائج المرجوة، حيث لم تستطع تلك القنوات إخراج المصريين للتظاهر في الشوارع رغم كل تلك الأحداث التي مرت بالبلاد، ومن ثم قاموا بإعادة تقييم وبناء الإعلام، ووضعوا خطة اعتمدوا فيها على طرح ملفات المنظمات الحقوقية، والمصالحة في الإعلام، إلى جانب إعطاء انطباع أنّ الجماعة أصبح فيها انقسامات واسعة، وذلك لكي يتعاطف معهم المصريون ويتقبلوهم مرّة أخرى، بالإضافة إلى الاعتماد على الإعلام الجديد من خلال إنشاء قنوات على اليوتيوب والإنترنت".

وعن تعليمات النظام التركي لإعلاميي الإخوان بتخفيف حدة الهجوم على النظام المصري، قال فرغلي: إنّ "الأمور غير واضحة،  حتى هذه اللحظة هذه مناورات تركية"، مشيراً إلى أنّ تركيا لم تُسلّم أحداً من الإخوان حتى هذه اللحظة، وهذه إحدى شروط قائمة طويلة لمصر لقبول طلب تركيا لتطبيع العلاقات بعد أعوام من القطيعة.

معتز مطر كان يقيم في إسطنبول ويقدّم برامجه منها ثم من لندن والآن من استديو في مكان غير معلوم

ولفت فرغلي أنّ التيار المسلّح التابع للإخوان كان قد عقد اجتماعاً منذ أيام في مؤسسة ميدان في تركيا في حضور نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الذي قال لهم: "نرحب بكم على أرضنا، لكن نتمنى أن تعودوا إلى بلدانكم".

وحول التيار الأقرب لتصدّر المشهد السياسي في الفترة المقبلة، قال فرغلي: "جناح منير الذي يدعمه أبو دية هو الأقرب لارتباطه بالتنظيم الدولي، أقرب إلى البريطانيين والقطريين، وأقرب لأن يخفف الشحنة الإيديولوجية والصدام مع النظام المصري، فضلاً عن محاولاته إيجاد حل لملفي المعتقلين والمصالحة"، مشيراً إلى أنّ "جناح منير يحاول تأهيل الجماعة لتصبح مُدجّنة لا تشكّل خطراً، بحيث يقبلها النظام المصري؛ وبالتالي يصبح لدينا جناحان: جماعة إخوانية بشكل جديد، وجماعة أخرى بحرس قديم تؤمن بالتنظيم بشكله الحالي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية