التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين: ممكن أم خرافة؟

التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين: ممكن أم خرافة؟


23/05/2021

بوقف إطلاق النار على قطاع غزة، تنتهي معركة غير متكافئة بين مقاومة مسلحة وبين جيش منظم يحتل أراضي عربية مخالفاً لقرار الأمم المتحدة رقم 242 بضرورة الانسحاب إلى ما قبل الرابع من حزيران (يونيو) 1967. نعم انتهت المعركة ولكن بالتأكيد لم ينتهِ العدوان، القضية لا يمكن حصرها في صواريخ المقاومة وإعلان النصر، أو تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه سحق المقاومة، فكلاهما يغازل معسكره لحسابات انتخابية أو سياسية بحتة، والقضية أكبر كذلك من التصريحات المعلبة مثل "أنّ الحل الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية هو وحده الذي يمكن أن يحقق التعايش السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين".

القضية في الأساس مدى قدرة أي قوة من القوى الفاعلة في تحقيق الحل الشامل والعادل والدائم للقضية الفلسطينية، الحكاية ليست مجرد سلام بارد، وإن كان جزءاً من الحل، الحل في الاعتراف بالعقبات التي تمنع السلام والتعايش بين الطرفين، كل الحلول المطروحة -سواء حل الدولة الواحدة الذي يرفضه الطرفان أو حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل- غير منطقية في ظل غياب التعايش السلمي الفعلي والحقيقي بين مكونات المجتمع الاسرائيلي والفلسطيني كخطوة موضوعية لبناء ملامح جادة ومستقبلية لحل القضية الفلسطينية.

كيف يمكن إقناع المقدسيين بالتعايش السلمي وهم يتعرضون لمختلف أشكال التمييز العنصري يومياً؟

إنّ الأوضاع الراهنة والعلاقات بين الطرفين لا تتيح فرصة لطرح فكرة التعايش من الأساس، على وجه الخصوص بعد الحرب الأخيرة؛ فنتائجها صنعت حاجزاً آخر أمام أي سلام حقيقي ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ليس هذا فحسب بل إنّ اعتداءات المستوطنين وتطاولهم على السكان الأصليين خلفت جراحاً عميقة في الكبرياء العربي لا يمكن تجاوزه، مما فرض حتمية الثأر.

إنّ حلم التعايش السلمي في ظل الصراع القائم يعد خرافة لا يمكن تصورها، كما يفتقد للموضوعية والعقلانية فكيف يتم الترويج له في ظل إصرار السلطات الإسرائيلية على التهجير القسري لسكان أحياء بعينها من المدن العربية المحتلة، والإصرار على تغيير التركيبة السكانية لصالح اليهود الإسرائيليين، ومصادرة الأراضي تحت مزاعم قانونية مجحفة تعطي البيت والأرض للآخرين، وفي ظل قانون دستوري يرى أنّ الاستيطان اليهودي هو قيمة عليا للدولة.

اقرأ أيضاً: باحث فلسطيني يناقش مستقبل القضية بعد حرب غزة الرابعة.. ماذا قال؟

كيف السبيل إلى التعايش السلمي وإسرائيل أنشأت منذ قيامها ما يزيد على 700 بلدة وقرية يهودية، فحسب الموسوعة الفلسطينية لم تنشئ أية بلدات أو قرى عربية جديدة، بل إن فلسطينيي الداخل يواجهون مشكلة مستعصية فيما يتعلق بالأرض. فنسبة 93% من الأراضي في إسرائيل هي أراضٍ تابعة للدولة، يدير جزءاً كبيراً منها الصندوق الوطني اليهودي والوكالة اليهودية، ولا يؤجر أي منهما أراضيَ إلى غير اليهود وبالمقابل، لا يملك العرب إلا 3% فقط من الأراضي، مع أنّ العرب يشكلون قرابة 20% من سكان إسرائيل، وعلاوة على ذلك لا تقبل هاتان المنظمتان غير اليهود في مشاريع الإسكان أو المجتمعات المحلية التي تؤسسها.

إنّ تباين البنى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وشعور عرب 48 بالغبن نظراً للوضع القانوني المتدني لهم وممارسة العنصرية ضدهم وغياب المساواة والحرية والاحترام المتبادل وانتهاك حرية التنقل لا يمكن أن تؤسس لقيم التعايش السلمي على الإطلاق، مثل قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل، الذي يمنع جمع شمل عائلات الإسرائيليين الذين يتزوّجون من فلسطينيي الأراضي المحتلة. حيث يميز هذا القانون صراحة ضد الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويميز صراحة ضد فلسطينيي الداخل، وضد السكان الفلسطينيين في القدس، لأنّهم هم الذين يتزوجون في أغلب الأحيان من فلسطينيي الأراضي المحتلة.

اقرأ أيضاً: "جزائسطيني": نبض الملايين لنصرة الحق الإنساني

وبالتالي يرسخ القانون رسمياً شكلاً من أشكال التمييز العنصري القائم على العرق أو القومية، كما أنّ قانون الجرائم المدنية (مسؤولية الدولة) للعام 2005، والذي يحرم الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة من الحق في التعويض على أية إساءات ارتكبتها ضدهم قوات الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك الوفاة أو الإصابة بجروح أو إلحاق الضرر بممتلكاتهم. ويمنعون من إقامة أية دعاوى مدنية طلباً للتعويض، وبالتالي فإنّ أية إصابة تلحق بالفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، وحتى القتل، لم تعد موضوعاً مشروعاً للتقاضي المدني في المحاكم الإسرائيلية. ويميز القانون ضد الفلسطينيين؛ لأنّه ينطبق عليهم فقط، فالمستوطنون الإسرائيليون الذين يقيمون في الأراضي المحتلة في انتهاك للقانون الدولي يستثنون من تطبيق هذا القانون.

 إنّ الممارسات اليومية تؤكد أنّ إسرائيل ترتكب جريمة في عرف الأمم المتحدة حسب الفقرة الثانية من المادة التاسعة من الإعلان العالمي للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري أو (ميثاق الأبارتهايد) التي تنص على "يعتبر جريمة ضد المجتمع، ويعاقب عليه بمقتضى القانون، كل تحريض على العنف وكل عمل من أعمال العنف يأتيه أي من الأفراد أو المنظمات ضد أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل اثني آخر".

كيف يمكن إقناع المقدسيين البالغ عددهم في القدس الشرقية قرابة 350 ألفاً، بالتعايش السلمي وهم يتعرضون لأشكال عديدة من التمييز العنصري يومياً، فمثلاً من أجل إنجاز معاملاتهم المتعلقة بالهوية يلجؤون لمكتب وزارة الداخلية الوحيد في المدينة، يديره إسرائيليون يمكنهم سحب الهوية من أي أحد بسهولة، وتحت ذرائع غير مقنعة، كيف يمكن فتح باب التعايش السلمي بينهم، ومشاركة فلسطينيي 48 المظاهرات ضد إسرائيل والمصادمات التي تمت في شوارع المدن العربية أكبر دليل على استحالة التعايش السلمي في ظل الممارسات الإسرائيلية المتعسفة.

الأوضاع الراهنة والعلاقات بين الطرفين لا تتيح فرصة لطرح فكرة التعايش من الأساس

إنّ وسم ما تمارسه إسرائيل بالتمييز العنصري القاتل للتعايش السلمي ليس ادعاء، فهناك أصوات عديدة تصف "دولة إسرائيل" بأنّها نظام أبارتهايد "تمييز عنصري"؛ مثلاً الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر ألّف كتاباً بعنوان "فلسطين: السلام لا الأبارتهايد"، العام 2007، وندّد بالفصل العنصري ببناء الجدار العازل الذي يعد من أبرز أشكال التمييز التي يعاني منها الفلسطينيون، وكذلك المنظمة الإسرائيلية ( بيتسيلم בצלם ) ترى أنّ ما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين المدنيين جرائم حرب، وأنّ الاستيطان محاولة للتفوق اليهودي وهو عين التمييز العنصري، ففي التقرير الذي أصدرته المنظمة في آذار (مارس) 2021 أوضحت فيه الآليّات الاقتصاديّة والقضائيّة والتخطيطيّة التي سخّرتها مختلف السّلطات الإسرائيليّة على مدار أكثر من خمسة عقود فمكّنتها من إقامة المستوطنات وتثبيتها وتوسيعها عبر سعيها الحثيث وتوظيف مختلف سلطات الدّولة إلى تشجيع اليهود على الانتقال للسّكن في المستوطنات وإقامة وتطوير مبادرات اقتصاديّة فيها وفي محيطها.

وفي المقابل وكرد فعل لكافة أشكال التمييز العنصري والممارسات العنيفة الإسرائيلية، غلب خطاب يخلو من التسامح ومفعم بالكراهية ضد كل "يهودي"، وصعدت على السطح قوى راديكالية أصولية قادت المقاومة الفلسطينية، مستفيدة من قدسية المسجد الأقصى، الذي هو بالفعل رمز ديني لكافة المسلمين، مما عقّد المسألة أمام السياسيين وخنق وقتل أي فرصة للتعايش السلمي، هنا يطرح السؤال نفسه هل يمكن أن تتخلى إسرائيل عن كافة أشكال التمييز العنصري وتتخلى القوى الأصولية عن خطاب الكراهية؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه مع سقوط المزيد من الشهداء؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية