التأسيس الثالث للجماعة: هل ينقذ الإخوان من أزمتهم؟

التأسيس الثالث للجماعة: هل ينقذ الإخوان من أزمتهم؟


19/01/2022

في خضم الصراع المحتدم داخل تنظيم الإخوان المسلمين، تطفو عدة سيناريوهات محددة ما يمكن أن تكون عليه الجماعة في المستقبل، يتجه بعضها نحو فكرة الانهيار والتلاشي في البناء التنظيمي، مقابل استمرار الأفكار فيما يمكن تسميته بالتحول إلى "تيار عام"، ويتجه البعض الآخر إلى الوصول لمرحلة النهاية على مستوى الفكر والتنظيم مع احتدام الصراع مستقبلاً وتمسُّك الأطراف المتناحرة بموقفها.

اقرأ أيضاً: مناورات الإخوان وملف المرتزقة في ليبيا.. إلى أين؟

ويعتمد الطرح الأول، على فكرة العمل السرّي والمراوغة، وهي قاعدة أصيلة في طبيعة التعاطي الإخواني مع الأزمات التاريخية، كوسيلة لتجاوز مرحلة التلاشي والنهاية والتحول في مسار التنظيم على النحو الذي يضمن بقاءه واستمراره بالاعتماد على أدوات ووسائل أخرى بعيداً عن الوسائل التقليدية في عملية الانتشار والتغلغل في المجتمعات، ويعزز هذا الطرح النبذ الشعبي الذي يلاحق الجماعة من جانب الشعوب، فضلاً عن تصنيفها كتنظيم إرهابي في عدة عربية دول منها مصر والإمارات والسعودية.

وبحسب مصادر مصرية مطلعة تحدثت لـ"حفريات" تشهد الجماعة عدة تحركات في الوقت الراهن، خاصة في المدن الأوروبية التي تحتضن قيادات التنظيم الدولي وفي مقدمتها لندن، لبحث إجراءات الانتقال من مرحلة الأزمة الممتدة منذ العام 2013 وما تبعها من صراعات داخلية وتضييقات سياسية وأمنية ورفض شعبي عربي للتنظيم، ومن ثم متوالية السقوط في كافة الدول التي وصلت الجماعة فيها للحكم بعد العام 2011، إلى مرحلة جديدة تسمح له بالتمدد والتحرك بحرية بعيداً عن القيود.

في خضم الصراع المحتدم داخلياً تطفو عدة سيناريوهات لما يمكن أن تكون عليه الجماعة في المستقبل

وفي التفاصيل أوضحت المصادر أنّ هذا الطرح تتبنّاه مجموعة القائم بأعمال المرشد العام إبراهيم منير، وتعمل على تنفيذه مجموعة أكبر من قيادات التنظيم الدولي ويدعمه عدد من رجال المال البارزين في التنظيم ومنهم يوسف ندا، ويستهدف إعادة الجماعة للمشهد السياسي في الدول العربية بالاعتماد على وسائل جديدة تعتمد على التأثير الناعم واستغلال الثقافة والأدب والإعلام واللجان الإلكترونية في الانتشار من خلال خطاب إيديولوجي جديد بعيداً عن الأطر التقليدية المعروفة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: محاكمات وتدخل بالشأن الخارجي وحملة تكفير

وتقول المصادر إنّ الجماعة ربما تتجه نحو مرحلة "تأسيس ثالث"، بعد الانهيار الذي منيت به جراء السقوط المتوالي في كافة الدول العربية وأيضاً التضييقات الأوروبية على التنظيم والتعهدات بوضع قيود على نشاطه في إطار العمل على تنفيذ الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف التي أقرها الاتحاد الأوروبي نهاية العام 2020، في ضوء تنامي الإرهاب داخل القارة العجوز.

وتشير المصادر إلى اعتماد الجماعة على المراكز الثقافية والإعلامية كـ"أبواب خلفية" للعودة إلى المشهد السياسي بالتعويل أولاً على الانتشار المجتمعي، وتؤكد أنّ كافة التحركات تحدث في إطار من السرية، وربما يتم التغطية عليها بإشعال الصراع الراهن داخل التنظيم.

كيان سري يدير الإخوان

في مقاله المنشور بموقع "النهار العربي"، تحت عنوان "الجمعية السرية التي تدير الإخوان"، تحدث الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي عمرو فاروق عن فكرة التجمع السري الذي يدير التنظيم ويتحكم في دفّته خلال الفترة الراهنة، مؤكداً أنّه الفاعل الحقيقي في تطورات الصراع داخل الجماعة، ولا يمكن وضع تصور واضح لمستقبل التنظيم دون طرح هذا السيناريو كفرضية قائمة.

  تشير مصادر إلى اعتماد الجماعة على المراكز الثقافية والإعلامية كـ"أبواب خلفية" للعودة إلى المشهد السياسي

وقال فاروق إنّ "ثمة مجموعة تدير المشهد الإخواني، في شكل أقرب الى الجمعية السرية التي تتحكم في مقاليده وآلياته، من دون أن تتصدر المشهد التنظيمي أو تصاحبها البروباغندا الإعلامية، تصنع رؤيته وسيناريواته الجديدة، وتضع ملامح مشاريعه وخططه الاستراتيجية خلال مرحلة حرجة في ظل سقوط مدوٍّ، أملاً في محاولة إعادته إلى الحياة، ووفقاً لأدوات ليست تقليدية، لكنها مختلفة عما سبق وتتفق مع متغيرات العصر الحالي".

ويضيف فاروق: "تلك الجمعية السرية تكمن مصلحتها بوضوح في إذكاء الصراع الدائر بين جبهتي تركيا ولندن، بما يحقق لها أهدافاً عدة، أهمها تبديل الأجيال والوجوه والرموز، والخلاص من شخصيات ربما انتهى دورها في المشهد فعلياً، مع تكريس فكرة سقوط التنظيم شعبياً وسياسياً، في محاولة للإلهاء عما تسعى إليه من إنتاج مشروع تنظيمي جديد، مصنوع وفقاً لرؤيتها الحديثة التي تتخذ من الليبرالية غطاءً لإعادة تموضع مشروعها الأصولي وهيكلها التنظيمي الجديد".

 فاروق: ثمة مجموعة تدير المشهد الإخواني، في شكل أقرب الى الجمعية السرية التي تتحكم في مقاليده وآلياته تصنع رؤيته وسيناريواته الجديدة

ويوضح أنّه "بعيداً من حالة التهويل من جماعة "الإخوان" وقوتها وتأثيرها، فالحقيقة التي لا يمكن للباحثين والمراقبين تجاهلها تكمن في خطورة هذه الجماعة، وقدرتها على التغلغل في قلب المجتمعات العربية وعقلها، على مدار أكثر من 90 عاماً، تبدلت فيها الكثير من المعايير والقيم الدينية، في ظل تصدير حالة أصولية بعيدة تماماً من وسطية الشريعة ومقاصدها، مستخدمة فيها الكثير من الوسائل والآليات والأهداف التي تجعلها متسيدة للمشهد، حتى في ظل ضعفها وترهّلها الفكري والتنظيمي".

معوقات التأسيس الثالث

تشير التقارير المنشورة بهذا الصدد إلى أنّ فكرة التأسيس الثالث كانت مطروحة لدى الإخوان منذ سنوات تسبق أصلاً ثورة 30 يونيو 2013  لعدة أسباب تتعلق بالوضع الداخلي، ثم عزّزتها الأزمات التي لحقت بالتنظيم على مدار السنوات الماضية وفي القلب منها الصراع الداخلي، ويصفها المراقبون بأنّها المخرج الوحيد للحفاظ على ما تبقى من الجماعة في ظل أزم الصراع وانهيار الهيكل.

وفي الوقت ذاته لا يرجح المراقبون أن تنجح الجماعة في هذا المسار لعدة أسباب، يتعلق الأول باليقظة الأمنية والشعبية في الدول العربية ضد التنظيم وكشف أدواته أولاً بأول بشكل يمثل صعوبة بالغة أمام محاولات الانتشار في تلك المجتماعات، ويتعلق الثاني بمدى قدرة الجماعة المُنهكة أصلاً على مدار السنوات الماضية في صياغة دور جديد وتنفيذه في المنطقة، بينما الثالث يتعلق بالمواجهة والتتبع سواء على الإنترنت أو بشكل مباشر مع التنظيم.

وبوجه عام تظل فكرة التحول أو التأسيس الثالث خياراً مطروحاً ضمن عدة سيناريوهات تواجهها معوقات وتحديات، لكنها محاولات مستمرة من جانب الجماعة للحفاظ على ما تبقى من التنظيم على أمل تجاوز أزمته. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية