الباحث أحمد دهشان لـ"حفريات": هذه شروط روسيا للانسحاب من أوكرانيا

الباحث أحمد دهشان لـ"حفريات": هذه شروط روسيا للانسحاب من أوكرانيا

الباحث أحمد دهشان لـ"حفريات": هذه شروط روسيا للانسحاب من أوكرانيا


30/11/2022

أجرى الحوار: حامد فتحي

تعالت أصوات مسؤولين غربيين كبار بعقد مفاوضات مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مستندين في ذلك على عدة عوامل منها؛ إخفاق روسيا في تحقيق أهدافها العسكرية، التأكد من عدم قدرة الجيش الروسي على تشكيل خطر ضد أوروبا،  الخوف من استخدام الأسلحة النووية، وعدم قدرة أوروبا على مواجهة القطيعة مع روسيا لما يشكله ذلك من مخاطر داخلية حتى على الديمقراطية، وغير ذلك.

ولمزيد من التوضيح حول ذلك حاورت "حفريات" الباحث في العلاقات الدولية والتاريخ، أحمد دهشان، وهو مقيم في موسكو، ومحلل في القضايا المرتبطة بالمجال السياسي والفكري والثقافي الروسي وعلاقاته الدولية.

هنا تفاصيل الحوار:

بعد سلسلة إخفاقات أعلنت روسيا الانسحاب من خيرسون أمام التقدم العسكري الأوكراني. كيف سينعكس ذلك على الأهداف العسكرية لروسيا؟

العملية العسكرية كانت مطاطية للغاية، وأعتقد أنّ الكرملين تعمد ذلك؛ سماها عملية عسكرية خاصة وحمى ذلك بتشريعات وقوانين. تم الإعلان عن أهداف جديدة متباينة ومتضاربة أكثر من مرة وصولاً في النهاية أنه لا يمكن أن تحاسبه على شيء معين. الواقع أنّ بوتين كان يهدف إلى الوصول إلى كييف، اعتقاداً منه أنّ ذلك سيؤدي إلى سقوط النظام.

وعلى الجانب الآخر يبدو أنّ هناك لعبة استخباراتية مارستها أوكرانيا مع بريطانيا وأمريكا قامت على إيهام الطرف الروسي بأنه في حال دخول جيشه بعدد محدد سيسيطر على أوكرانيا بدون قتال، وربما كان تسليم خيرسون بدون قتال لتأكيد هذه اللعبة.

الضغط العسكري لا ينفي أنّ الاتجاه يسير نحو التفاوض

ولهذا دخلت روسيا بعدد قوات على أقصى تقدير نحو 190 ألف جندي عبر ثلاثة محاور بهدف السيطرة على كييف والشمال والشرق والجنوب. لكن ما حدث هو أنّ الروس لم يُستقبلوا بالورود ولا حتى من الناطقين بالروسية الذين لا يريدون الوحدة مع روسيا.

هناك مسؤولون غربيون تحدثوا بعد الانسحاب الروسي من خيرسون عن التفاوض. فما هي مواقف الدول الغربية من التفاوض؟

موقف الغرب الجماعي وإن بدا أنه موحد ومتماسك في صلابته تجاه روسيا إلا أنّ هناك اختلافات وليس خلافاً حول الحرب، حيث وقع الروس في وهم أنّ هذه الخلافات قد تؤدي إلى خلاف ولكن هي اختلافات في التكتيك.

وتوجد ثلاثة مواقف تمثّل دول الغرب الذين يتفقون على ضرورة هزيمة روسيا في هذه الحرب وعدم حصولها على أي أراضٍ جديدة في أوكرانيا وإنهاكها لتكون آخر حروبها الخارجية، لكن لكل فريق رؤيته لتحقيق ذلك.

تتزعم بريطانيا فريقاً يضم دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق وهؤلاء يريدون تصفية المسألة الروسية، بهزيمة عسكرية نهائية تؤدي إلى إسقاط نظام بوتين وربما تفكيك روسيا

يعتقد فريق الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا أنه لا يمكن عزل روسيا عن أوروبا؛ لأنّ مخاطر ذلك أكبر من أي مكاسب ليس على الاقتصاد فقط إنما مخاطر أمنية وجيوسياسية. ولدى روسيا القدرة على التدخل وإثارة الأزمات في الدول الأوروبية لتضعها تحت الضغط بشكل مستمر؛ ما يعني إنفاق أموال كبيرة لمواجهة تبعات ذلك ما سيؤدي إلى توترات اجتماعية.

وفي ظل استمرار الحرب ستلجأ دول أوروبا إلى إجراءات استثنائية لم تتخذ من الحرب الباردة، ما سيؤدي إلى إضعاف الديمقراطية في أوروبا، وهذا ما تريده روسيا.

وماذا عن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا؟

تتزعم بريطانيا فريقاً يضم دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق وهؤلاء يريدون تصفية المسألة الروسية، بهزيمة عسكرية نهائية تؤدي إلى إسقاط نظام بوتين وربما تفكيك روسيا نفسها.

وبالنسبة للولايات المتحدة يوجد تباين داخل الإدارة الأمريكية بين الأمن القومي والدفاع والخارجية. وتنظر وزارة الدفاع إلى الجيش الروسي على أنه ثاني أقوى جيش في العالم، ولدى العسكريين عواطف تجاه الجيوش المماثلة، ولهذا لا يريدون إهانة جيش كبير مثل الروسي، بحيث لا ترى موسكو أنّ واشنطن في حرب مفتوحة معها فتعرقل مصالحها في العالم. فضلاً عن ذلك هناك خطر اندلاع حرب نووية. لهذا يرى الجيش الأمريكي أنّه أياً كانت نتائج الحرب فقد أوضحت أنّ روسيا غير قادرة على اجتياح أوروبا كما كان يُعتقد قبل اختبار الجيش الروسي في أوكرانيا.

هل يمكن أنّ تقبل روسيا بالتفاوض الذي يتضمن تقديم تنازلات؟

تقلص الهدف الروسي الآن وصولاً إلى حوار أمريكي روسي يتحدث عن اعتراف أوكراني ودولي بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا. هناك اختلاف في مسألة الاعتراف هل تحدث بشكل فوري أم بعد تنظيم استفتاء جديد برقابة دولية لمنح الاعتراف شكل شرعي، مع الاتفاق على مبدأ ضمها لروسيا.

 بوتين كان يهدف إلى الوصول إلى كييف، اعتقاداً منه أنّ ذلك سيؤدي إلى سقوط النظام

بجانب تخلي روسيا عن كل الأراضي التي حصلت عليها في مقابل الحصول على ممر بري من جنوب روسيا إلى شبه جزيرة القرم. وبالنسبة لمناطق الدونباس يمكن العودة إلى مسار اتفاقية مينسك التي تمنح المنطقة حكماً ذاتياً وحق التحدث باللغة الروسية. وتبقى مسألة التعويضات التي ستدفعها روسيا لأوكرانيا وتقديم ضمانات أمنية متبادلة فضلاً عن رفع العقوبات الغربية عن روسيا.

ترجح احتمال التفاوض بينما تشهد جبهات الدونباس ضغطاً عسكرياً روسياً وقصفاً مستمراً يستهدف البنية التحتية الأوكرانية. كيف يؤثر ذلك على قبول أوكرانيا التفاوض؟

الضغط العسكري لا ينفي أنّ الاتجاه يسير نحو التفاوض؛ كل طرف يستفيد من المكاسب الميدانية. كان من المفترض أنّ تنسحب روسيا من خيرسون في شهر سبتمبر الماضي، لكن ما حدث أنّ السياسة تدخلت وأجبرت العسكريين على التمسك بها رغم التكلفة العالية؛ حتى لا يبدو زيلنسكي قد حصل على نصر كبير بعد سلسلة التقدم الأوكرانية.

حتى الوجود العسكري لروسيا على الضفة اليمنى من نهر دنيبرو في خيرسون مؤقت؛ يعولون على التوصل لاتفاق والطقس من أجل إطالة أمد الحفاظ على المنطقة وتكبيد أوكرانيا خسائر لحماية شبه جزيرة القرم.

وقد يؤدي التفاوض إلى تفاهم شامل، لكن هناك قوى غير راضية عن ذلك وتسعى إلى تفجير الموقف لهذا لا يوجد يقين. ويعتقد العسكريون الأمريكيون أنّ الاتفاق جيد وأكثر من ذلك سيكون حديث عن هدف أوكراني لدخول موسكو، وبناءً على ذلك لا يرون أي حكمة في التصعيد.

كيف سيقدم الكرملين الاتفاق لشعبه بعد تصوير الصراع مع الغرب على أنّه إعادة تشكيل النظام الدولي؟

سهل على الكرملين تسويق مثل هكذا اتفاق لو حدث؛ سيقدم مكاسبه وهي الحصول على اعتراف أوكراني - دولي بضم شبه جزيرة القرم، ربط شبه الجزيرة بروسيا عبر معبر برى يكون ضمن أراضيها في اعتراف مماثل بالقرم، الحفاظ على حقوق الناطقين بالروسية وضمان حق الحكم الذاتي لهم بإجبار كييف على تطبيق اتفاق مينسك حيث كانت روسيا قبل الحرب تؤكد على وحدة أوكرانيا، بجانب الحصول على ضمانات أمنية كما كانت تريد لتكون أوكرانيا دولة محايدة.

بالإضافة إلى ذلك سيقول الكرملين إنّ شعوب المنطقة تنكروا للجميل وتم تسميم عقولهم بالأفكار النازية، وهنا لا ننسى صور الأوكرانيين الذين صوتوا بنعم في الاستفتاء على ضم المقاطعات الأربع (لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون) حسب تصريح روسيا ثم خرجوا يحتفلون بالقوات الأوكرانية في خيرسون.

ليس للشعب الروسي أية طموحات قومية كما يُصور الإعلام الرسمي الروسي

أما مسألة التعويضات التي ستدفعها روسيا فيمكن تقديمها في شكل أنّها لا تُقارن بالمكاسب التي ستتحقق من الاتفاق بعد رفع العقوبات الغربية، وخصوصاً الأرصدة المجمدة والاستثمار وعائدات الطاقة.

وما هي توقعاتك لاستقبال الشعب الروسي للاتفاق؟

ليس للشعب الروسي أية طموحات قومية كما يُصور الإعلام الرسمي الروسي، بل هو شعب يريد العيش مثل الأوروبيين ولا توجد لديه أية أوهام تجاه التفرد الروسي والقومية. هذا كلام نسمعه من المحافظين والقوميين والمفكرين القريبين من الكرملين الذين لا قواعد شعبية لهم، و يخضعون لأوامر الكرملين لأنّ عليهم عقوبات غربية ولا داعم لهم سوى الكرملين ورجال الأعمال الموالين له، هم مجرد ظاهرة صوتية.

يريد الشعب وخصوصاً الشباب وقف الحرب أياً كانت نتائجها، وسيحقق لهم ذلك شعوراً بالراحة، وهو ما أظهره آخر استفتاء تم بإشراف الدولة، حيث إنّ 8% من الشعب فقط لديهم اهتمام بالمناطق الجديدة التي ضمتها روسيا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية