الانشقاقات في الفصائل المسلحة في الشمال السوري... تفكك أم إعادة ترتيب الصفوف؟

الانشقاقات في الفصائل المسلحة في الشمال السوري... تفكك أم إعادة ترتيب الصفوف؟

الانشقاقات في الفصائل المسلحة في الشمال السوري... تفكك أم إعادة ترتيب الصفوف؟


13/12/2023

تُعاني الميليشيات المسلحة والفصائل المعارضة شمال سوريا من صراعات داخلية ناتجة عن اختلافات إيديولوجية، وتوسع النفوذ والسيطرة، والمناطقية وتسليم المناصب القيادية للمقربين من قادة الفصائل، وتفردهم إثر ذلك في القرارات، عدا عن الفساد المستشري داخلها.

وتتوالى في الشمال السوري فصول الانشقاقات والخلافات بين الفصائل المسلحة التي تدور عن قرب أو بعد في الفلك التركي، فقد أعلن فصيل (صقور الشام) انشقاقه عن (الجبهة الوطنية للتحرير)، أكبر تجمع لفصائل المعارضة، ممّا يعمق الأزمة في هذه الجبهة، التي تنشط في منطقة واقعة تحت سيطرة (هيئة تحرير الشام). 

وذكرت القيادة العامة لفصيل (صقور الشام)، في بيان نقلته صحيفة (العرب) اللندنية، عن أسباب الانشقاق قائلة: إنّه نتيجة "كثرة التجاوزات في الجبهة الوطنية للتحرير وتفاقمها، مع الاستبداد بالقرارات واحتكارها وتجاهل المكونات ونبذ الآراء، وعدم المشاورة وقبول النصائح، يجعل ضرر بقائنا أكبر من نفعه".  

وأعلن الفصيل المتمركز في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي العمل كـ "فصيل مستقل بعد الآن"، مؤكداً "التزامنا بكامل واجباتنا الثورية والجهادية".  

لكنّ الأمور اتخذت منحى تصاعدياً مع إعلان كتلة داخل فصيله عن تمردها على قرار الانشقاق، وانضمامها إلى (الجبهة الوطنية للتحرير)، تحت مُسمّى (صقور الشام الفرقة  40). 

وكانت مجموعة سابقة تضم نحو (800) مسلح قد أعلنت قبل أشهر الانشقاق عن فصيل (صقور ‏الشام) وانضمامها إلى (تجمع الشام) بقيادة أبو عماد زيتون‎.‎

تُعاني الميليشيات المسلحة والفصائل المعارضة شمال سوريا من صراعات داخلية ناتجة عن اختلافات إيديولوجية

ويُعدّ فصيل (صقور الشام) من أول فصائل المعارضة التي تشكلت في العام الأول من الثورة السورية في ريف إدلب، بعد الانتقال من الطور السلمي إلى العسكري. وخاض الفصيل معارك مع قوات النظام في مختلف أرجاء محافظة إدلب، ولا سيّما في منطقة جبل الزاوية، حتى سيطرت عليها مع فصائل محلية أخرى في عام 2012.

وبالتوازي مع الصراعات داخل (الجبهة الوطنية للتحرير)، فإنّ توسع نفوذ (هيئة تحرير الشام) في مناطق ريف حلب الشمالي أدى إلى تفجر الصراعات الداخلية بين أهم جناحين فيها؛ جناح الشرقية وحلب من جهة، وجناح بنّش من جهة أخرى، وانعكس ذلك على التوازن الداخلي للهيئة.

 

تتوالى في الشمال السوري الانشقاقات والخلافات بين الفصائل المسلحة التي تدور عن قرب أو بعد في الفلك التركي

 

وبدأت الخلافات الداخلية تتكشف داخل الهيئة بعد استيلائها على إدلب وامتداد نفوذها إلى ريف حلب الشمالي، مُبرزةً صراع النفوذ بين تيارين رئيسين داخلها؛ يمثل التيار الأول كتلة مدينة بنّش المدعومة من شخصيات بارزة مثل عبد الرحيم عطون وأبو أحمد حدود، بينما يُمثل الثاني كتلة الشرقية بقيادة أبو ماريا القحطاني ودعم كتلة حلب.

وذلك بالإضافة إلى توسع رقعة الاختراقات الأمنية وتمددها داخل الهيئة لتشمل مواقع حساسة فيها، وهو ما فاقم من أزمتها الداخلية، وهدد تماسكها فضلاً عن توظيفها في الصراع داخل الهيئة؛ ووصل الأمر إلى الاعتقالات داخل صفوف الهيئة، باعتقال أكثر من (400) عنصر من مواقع قيادية ومؤثرة، وغير ذلك داخل (هيئة تحرير الشام).    

وبلغت الانقسامات ذروتها باعتقال قياديين على خلفية اتهامات لهم بالعمالة من قبل الجناح المعادي لجناح الشرقية داخل الهيئة؛ الأمر الذي صعّد من ارتدادات الصراعات والانقسامات العنيفة داخل الهيئة.    

ويتوقع أن تكون للانقسامات الحادة داخل الهيئة تداعيات مهمّة تجاهها محلياً وإقليمياً ودولياً؛ لكن لا يتوقع تفكك الهيئة في المدى القريب بدون عامل خارجي، في ظل وجود كتلة مالية ضخمة داخل الهيئة، واستمرار أبو محمد الجولاني كرمزية جامعة لمعظم التيارات داخل الهيئة. 

 

فصيل (صقور الشام) يعلن انشقاقه عن (الجبهة الوطنية للتحرير)، أكبر تجمع لفصائل المعارضة، ممّا يعمق الأزمة في هذه الجبهة

 

هذا، وشهدت (الجبهة الشامية) موجة انشقاق لكبار قادتها في مدينة تل أبيض شمال الرقة، حيث شهدت يوم الأحد إعلان عدد من كبار القادة تعليق عملهم في الجبهة احتجاجاً على ما قالوا إنه "حدثٌ أمني مدبّر في مدينة تل أبيض، دبرته مجموعة من شذّاذ الآفاق جمعهم حبّ المال والاكتساب بالثورة". 

وفي بيان مكتوب، تلاه آخر مرئيّ، أعلن كل من قائد الجبهة في منطقة نبع السلام أبو الليث الحمصي، ومدير المكتب الأمني في الجبهة أبو عامر، والقائد العسكري في تل أبيض أبو أحمد الشامي، وقائد كتيبة شهداء الرستن في تل أبيض أبو هاني الحمصي، وقائد السلاح الثقيل في الجبهة أبو بلال العموري، وآخرون، تعليق عملهم في صفوف الجبهة، وفق ما أوردت صحيفة (النهار العربي).

توسع رقعة الاختراقات الأمنية وتمددها داخل الهيئة لتشمل مواقع حساسة فيها

وجاء قرار تعليق العمل بعد أيام من اندلاع اقتتال في مدينة تل أبيض بين مكونات (الفيلق الثالث) الذي تنضوي تحته (الجبهة الشامية). ونشبت الاشتباكات التي بدأت يوم الأحد الماضي إثر خلاف بين تيارين داخل الفيلق؛ أحدهما مقرّب من قائد الفيلق حسام ياسين، والآخر من قائد (الجبهة الشامية) عزام غريب.

وقد سادت معلومات عن وجود أيدٍ خفيّة لـ (هيئة تحرير الشام) بقيادة أبي محمد الجولاني في العمل على اختراق صفوف (الجبهة الشامية) وتأليب مكوناتها ضد بعضها بعضاً، في سياق سعيها الدائم والحثيث لتوسيع رقعة نفوذها في مناطق درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون.

 

مجموعة سابقة تضم نحو (800) مسلح أعلنت قبل أشهر الانشقاق عن فصيل (صقور ‏الشام)، وأعلنت انضمامها إلى (تجمع الشام)

 

ويرى متابعون أنّ الانشقاقات التي حصلت في صفوف المعارضة السورية تنذر بتفككها، وهو مصير شبه محتوم للكيانات المسلحة التي أنشأتها المعارضة في الفترة ما بعد العام 2012، بينما يرى آخرون أنّ ما يجري هو ترتيب لصفوف الفصائل، وهو الأكثر جدية منذ نشأتها، كما أنّ الانشقاقات يمكن اعتبارها حالة من الاستقطاب التي تجري بين الفصائل.

والجدير بالذكر أنّ الانشقاقات نشّطت بشكل ملحوظ عملية تجنيد الأطفال لتغطية النقص في الجبهات، وأصبح تجنيد القُصّر ظاهرة منتشرة في الشمال السوري، فالآلاف منهم ينضمون إلى جبهات القتال، ويجندون قسراً أو طواعية، بهدف تأمين رواتب لهم ولأسرهم.

وقد سلّطت تقارير حديثة للأمم المتحدة الضوء على أعداد كبيرة لأطفال وقُصّر جنّدتهم الفصائل السورية؛ ومنها (هيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية، وفصائل أخرى)، وفق ما نقل موقع (عفرين بوست).




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية