الاقتصاد المترنّح: روحاني يُجمّل الواقع والجماهير تجابهه بالسخرية

الاقتصاد المترنّح: روحاني يُجمّل الواقع والجماهير تجابهه بالسخرية


08/10/2020

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعيّ في إيران بسخريّة بالغة، بعد خطاب الرّئيس حسن روحاني، الذي أثنى على وضع بلاده الاقتصاديّ، واصفاً إياه بـ "أفضل من الاقتصاد الألمانيّ"، فيما لم تستفق الدّولة من كبوتها الكبيرة، بعد أن أصبحت أكثر دول الشرق تضرراً بالوباء العالمي.

لكنّ الواقع  يخبر بأنّ حديث روحاني ليس إلّا محض تجميل لواقع مرير، خرج لتغييره آلاف المتظاهرين، منذ عام 2017، فيما حشدت الدّولة كلّ قواها لإخماد هذه النيران الاحتجاجيّة سريعاً.

ترامب والسّباق إلى طهران

منذ عام 2017؛ فرضت إدارة ترامب إجراءات من العقوبات الصارمة على إيران في محاولة لحرمان النظام من الموارد الماليّة، وإجباره على التفاوض بشأن اتفاق نوويّ جديد، وفي مطلع كانون الثاني (يناير) الماضي، أوضح وزير الخارجية، مايك بومبيو، في خطاب له؛ أنّ إستراتيجيّة الإدارة الأمريكيّة للضغط الأقصى تهدف إلى قطع 80٪ من عائدات النفط الإيرانيّ، وأنّ الرئيس روحاني نفسه قال إنّنا حرمنا النظام الإيراني من 200 مليار دولار من الدخل الأجنبيّ، والاستثمار نتيجة لأنشطتنا النووية، ومع ذلك فإنّ الاقتصاد الإيراني لم يُصب بالانهيار بالشكل الدّراماتيكي الذي تخيّلته أمريكا، وكان هذا بالطبع قبل حلول الجائحة، التي كشفت عواراً في أعتى النظم الاقتصاديّة لدول العالم الأول، فما بالنا بإيران المُعاقبة على الدّوام من الولايات المتحدة.

وبحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة "فرجينيا تك"، المتخصصة في الاقتصاد الإيراني، جواد صالحي أصفهاني، وحديثه للصحفية الكندية، جاكي نورثام، أوضح أنّ "التنبؤات بحدوث انهيار اقتصادي سريع كانت مفرطة في التفاؤل، على الرغم من العقوبات الساحقة التي تفرضها إدارة ترامب، هناك سوء فهم لمستوى تعقيد الاقتصاد الإيراني، ومدى جودته، أو مدى خبرته في مقاومة العقوبات، لكن بالتأكيد البطالة مرتفعة، والتضخّم يزداد، ونفاد النقد الأجنبي مستمرّ، أي أنّ الاقتصاد ليس في حالة جيدة على الإطلاق"، لكن من المؤكّد أنّ العقوبات، المتزايدة منذ عام 2017، أثّرت بشدّة في الاقتصاد الإيرانيّ، لكنّ الوباء وما تركه من أثر في جميع دول العالم، لم تكن إيران مستثناة منه، وبحسب الباحث في الشؤون الإيرانية، ومدير مركز جدار للدراسات الإيرانيّة، محمد عبّادي؛ فإنّ التناقض في التصريحات والمواقف سمة مميزة من سمات النظام الإيراني، فالرئيس حسن روحاني كان يصارح شعبه، قبل أيام معدودات، بحقيقة الأوضاع الاقتصادية الصّعبة التي تعيشها إيران، معترفاً بخسارة طهران ما يزيد عن 150 مليار دولار جراء العقوبات، والحصار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد بسبب سياساتها في المنطقة.

الأوضاع الاقتصادية الإيرانية ليست على ما يرام، ووصول سعر صرف الدولار الأمريكي أمام التومان الإيراني إلى 28 ألف تومان، سببه "الفوضى الاقتصادية" في قطاعات مختلفة

يتابع عبّادي في تصريح لـ "حفريات": "لذا؛ كان من المستغرب أن يعاود حسن روحاني الكرّة، في خطابٍ تحفيزي، ويقول إنّ اقتصاد إيران أفضل من اقتصاد ألمانيا، متجاهلاً موت عملة إيران السريري مقارنة باليورو، لنا أن نعلم أنّ اليورو الواحد يساوي 300 ألف ريال تقريباً، فضلاً عن المقارنة الظالمة بين الموازنة الألمانية التي تخطّت 360 مليار يورو، والموازنة الإيرانية التي بلغت بالكاد 36 مليار دولار (الدولار بسعر السوق وقت الإعلان عن الموازنة في آذار (مارس) 2020).

هل يسخر روحاني من وعي شعبه؟

 يبدو أنّ إيران قد تعلّمت جيداً التكيّف مع العقوبات، بعد أربعة عقود من تجرّعها، ويضيف عبّادي، أنّ هذا هو ما تسبّب في موجة استغراب وسخرية واسعة ضدّ تصريحات روحاني، ولا يمكن أن تنفكّ هذه التصريحات عن الضغط الشديد الذي يتعرض له تيار الإصلاح والاعتدال في الداخل الإيراني، والذي ينتمي إليه روحاني، فبعد أن حاز المتشدّدون وجنرالات الحرس الثوري السابقون، أغلبية مجلس الشورى الإسلامي، فضلاً عن بقية المجالس المتخصّصة، كمجلس صيانة الدستور، ومجلس الخبراء، يضعون الآن نصب أعينهم منصب رئاسة الجمهورية، ويضربون روحاني على الداوم في صحفهم وتصريحاتهم من باب الاقتصاد، ومن هنا جاء ردّ روحاني لرفع الروح المعنوية لدى التيار الواسع الذي ينتمي إليه، فأصبح الأمر مساراً للتندّر والسخريّة.

المنحى السلبيّ للاقتصاد الإيراني، لم يتوقف، رغم محاولات الترميم الداخلية للاقتصاد

رغم أنّ روحاني، صرَّح بأنّ الإحصاءات الاقتصادية الألمانية تشير إلى أنّ اقتصادها انخفض سلبياً بنسبة 5.2%، في حين أنّ اقتصاد بلاده ستكون له ظروف أفضل من هذا الرقم، ونموّه الاقتصادي من دون النفط سيكون إيجابياً بنهاية العام، لكنّ الواقع الاقتصادي لإيران يكشف عن غير ما يتحدّث به روحاني، الذي ناقض نفسه خلال عدّة أيام، والتي يحلّلها الباحث في الشؤون الإيرانية، أحمد محمد فاروق، ويرى أنّ روحاني أشار في عدّة تصريحات أبرز فيها تأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، والتي تسبّبت بخسائر اقتصادية وصلت إلى 150 مليار دولار، وفق روحاني.

الباحث محمد عبّادي لـ "حفريات": كان من المستغرب أن يعاود الرئيس حسن روحاني الكرّة، في خطابٍ تحفيزي، ويقول إنّ اقتصاد إيران أفضل من اقتصاد ألمانيا

يستكمل فاروق، في تصريح لـ "حفريات": "المنحى السلبيّ للاقتصاد الإيراني، لم يتوقف، رغم محاولات الترميم الداخلية للاقتصاد، عبر توجيه الإنتاج باتجاهات غير نفطية، فالسقوط الحرّ أصبح الآن على مائدة المواطن الإيراني الذي بدأت أطباقه تصغر وتفقد مكونات رئيسة بحكم غلاء الأسعار، وهو ما تكشفه الإحصائيات، فالمتحدّث باسم الحكومة علي ربيعي، قال الجمعة الماضية؛ إنّ "مليون ونصف المليون شخصاً أصبحوا عاطلين عن العمل خلال الصدمة الأولى لتفشي فيروس كورونا المستجد في إيران، كما أسهمت العقوبات الأمريكية في ارتفاع تضخّم بعض المواد الغذائية إلى ٣ أرقام، في أيلول (سبتمبر) الماضي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي".

التضخّم شاهد على أكاذيب روحاني
يقدّر كل من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي؛ أنّ الناتج المحلي الإجمالي لإيران في طريقه للانخفاض بنحو 9٪ هذا العام، بالطبع قبل الجائحة، وهو إذا ما قورن بفترة السبعينيات وأواخر الثمانينيات، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات، بعد احتجاز الأمريكيين كرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إيران بنسبة 50٪، "بحسب تصريحات صالحي أصفهاني"، وفي مقاله الذي أعقب تصريحات روحاني، في صحيفة "آرمان ملي"؛ أوضح المفكّر وأستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، صادق زيبا كلام؛ أنّه "على الرغم من أنّ المقارنة بين اقتصاد إيران وألمانيا واجهت انتقادات حادة، حتى بين المؤيدين للحكومة، لكنّ الواقع يشير إلى أنّ كورونا كانت صدمتها أقوى بكثير في الدول ذات الاقتصادات الناجحة والمتقدمة، من صدمة الاقتصادات الراكدة والمتخلفة، مثل الاقتصاد الإيراني، والحقيقة أنّ اقتصاد إيران ما يزال متضرراً ومتوقفاً؛ إذ لم يتمكّن الضّرر الذي أصاب اقتصاد ألمانيا أو أمريكا من أن يلحق باقتصادنا، اقتصاد إيران قبل كورونا كان راكداً بسبب العقوبا
ت". وأضاف: "لقد لحقت صدمات ثقيلة للغاية باقتصاد ألمانيا، بالمقارنة بإيران، لأنّ اقتصادنا كان مدمراً، في حين أنّ زلزال كورونا لم يبدّل شيئاً كبيراً".

توحّش التضخّم في إيران، وطال جميع السلع وأبسطها، وبحسب تقرير لمركز الإحصاء الإيراني، ارتفع معدّل التضخّم في أسعار الحمص بنسبة 119%، والعدس بنسبة 137%، والبطيخ الأحمر بنسبة 166و103%، وكان سعر الأرز الأجنبي قد ارتفع 109%، أما فيما يتعلّق برواتب العمال، فقد أفادت وكالة "إيلنا" بأنّ أكثر من 70% من العمال لا يستطيعون توفير أكثر من 33% من نفقات معيشتهم، في إشارة إلى تضخم الأسعار، ووصلت سلة الكفاف للأسر، من 4 ملايين و940 ألف تومان، في آذار (مارس) الماضي، إلى 7 ملايين و900 ألف تومان، في أيلول (سبتمبر)، (بما في ذلك حصّة السّكن(.

اقرأ أيضاً: عقوبات أمريكية جديدة على إيران تستهدف هذا القطاع

يضيف فاروق: "إذ وصل خطّ الفقر في إيران إلى 10 مليون تومان، والضغوط الاقتصادية، مثل: الزيادة الكبيرة للتضخّم، وانخفاض الدّخل، وانخفاض القدرة على الشراء وزيادة الفقر من جانب، والتكاليف الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد من جانب آخر، خلقت تحدّيات كثيرة أمام المواطن في إيران، والأكيد أنّ الأوضاع الاقتصادية ليست على ما يرام، وهو ما يكشفه بجلاء وصول سعر صرف الدولار الأمريكي أمام التومان الإيراني إلى 28 ألف تومان، وبالإمكان إرجاع مشكلة الوضع الاقتصادي الحالي إلى ما يمكن وصفها بـ "الفوضى الاقتصادية" في قطاعات مختلفة من الاقتصاد الإيرانيّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية