الاعتداء على "أم الأسرى" وصمة في جبين حماس "فاقمتها بالكذب"

الاعتداء على "أم الأسرى" وصمة في جبين حماس "فاقمتها بالكذب"


21/06/2020

أثبتت واقعة تعدي قوات الأمن في حكومة حماس على السيدة هندومة، أم الأسير الفلسطيني المحرر جبر وشاح والشهيرة بـ "أم الأسرى الفلسطينيين"، سياسة التنكيل التي تتبعها حماس في حق الفلسطينيين غير الموالين لها في قطاع غزة، وقد فاقم إنكار الحركة للواقعة من وقع غضب الشعبي عليها.
وكانت قوات الأمن في حكومة حماس تعدّت على السيدة، التي جاوزت الثمانين عاماً، ونجلتيها، ما أسفر عن نقلهما إلى المستشفى مساء الخميس الماضي، وذلك بدعوى إنفاذ القانون ومحاولة هدم غرفة مخالفة، مبنية من الخشب ملحقة بمنزل السيدة الفلسطينية.
وتجاهلت حماس ما تمثله السيدة الفلسطينية، ذات الباع الطويل في دعم الأسرى والمُلقبة بـ "عميدة أمهات الأسرى الفلسطينيين"، من رمزية نضالية، واستخدموا القوة ضدها، ما أثار غضباً واسعاً داخل وخارج غزة، وسط مطالبات بفتح تحقيق "محايد" في الواقعة.


وأظهرت مقاطع مصورة أم الأسرى ممدّدة في سرير داخل المستشفى، موصلة بالأجهزة، فيما يظهر على جسدها آثار التعدي والكدمات، وكذلك على إحدى نجلتيها التي ظهرت في سرير مجاور، فضلاً عمّا أكّدته تصريحات العائلة من اعتداء عناصر الأمن على نساء الأسرة.
ورغم ذلك، لجأت حكومة حماس إلى النفي والادعاء غير المنطقي، بأنّ ما أصاب السيدة كان إثر "توتر" من قرار إزالة المخالفة، ولجأت إلى توقيف صحفيين نشرا المقاطع التي تثبت عكس ذلك، بحسب ما أوردته قناة "العربية".

تجاهلت حماس ما تمثله السيدة  الفلسطينية، المُلقبة بـعميدة أمهات الأسرى الفلسطينيين، من رمزية نضالية، واستخدموا القوة ضدها

وحاولت حماس توريط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالواقعة وادعاء أنّها تدعم قمع الفلسطينيين، حيث أصدرت وزارة الداخلية في حكومة حماس بياناً قالت فيه؛ إنّ "وفد الجبهة الشعبية أكّد على تطبيق القانون وسيادته على الجميع بلا استثناء، وأنهم داعمون للمؤسسة الشرطية والأمنية التي تحافظ على النظام والسلم الأهلي والمجتمعي".
كما نبّه بيان حماس إلى "رفض الاستغلال السياسي لما حدث، ومحاولة توظيفه لأغراض حزبية ضيقة لا تخدم شعبنا الفلسطيني"، في عزف على وتر المقاومة والعدو الإسرائيلي الذي تستخدمه حماس لإسكات أي أصوات معارضة لسياستها.
وكذّبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيان حماس، من خلال بيان آخر أكدت فيه أنّها "دعت الجهات المسؤولة في القطاع إلى عدم استخدام العنف والقوة في إنفاذ القانون كما جرى في الأحداث المؤسفة في مخيم البريج يوم الخميس، وفي لقائها مع قيادة الشرطة وداخلية حماس ظهر يوم الجمعة، عَبّرت عن رفضها وإدانتها لاستخدام العنف ضد الجماهير خلال إنفاذ القانون، خاصة بحق عائلة وشاح المناضلة أثناء تنفيذ الأمر القضائي".


إلى ذلك، قال المحامي الفلسطيني والباحث القانوني في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان، عبد الله محمود شرشرة، لـ "حفريات" إنّ هناك إشكالية حقيقية، في مثل هذه الوقائع في كل من غزة والضفة الغربية "تتمحور في عدم عقد لجان تحقيق حقيقية ومستقلة ونزيهة وشفافة حول هذه الأحداث، لذلك من الطبيعي وجود روايتين: رواية حكومية، ورواية الضحايا، وفي الحالة الفلسطينية يضاف إلى هذه الروايات عشرات الشائعات".

أنكرت حماس الواقعة الموثقة بشهادات شهود ومقاطع مصورة، ولم تستجب لدعوات فتح لجنة شفافة للتحقيق

وتابع؛ "في حال عُقدت لجنة تحقيق نزيهة، يشارك فيها جهات حكومية وممثلون عن الضحايا أو المجتمع المدني، سيجعل الضحايا أكثر ثقة بمخرجات هذه النتائج".
وفيما تمتلك حماس السلطة في قطاع غزة ما يعني أنّ السماح بتشكيل مثل تلك اللجان وإتاحة الأجواء للعمل بنزاهة أمر في يدها، غير أنّ الممارسة الواقعية تأتي خلاف ذلك، من خلال المبادرة بالنفي والإنكار والتنكيل بمن يقدّم رواية مخالفة للرواية الرسمية، ما يدعم صدقية رواية الضحايا.
ويؤكد المحامي الحقوقي عبد الله شرشرة لـ "حفريات" أنّ الحكومة في قطاع غزة هي المسؤولة عن عقد لجان التحقيق، والإفصاح عن مخرجاتها لجميع المواطنين "بل ودعوة مؤسسات المجتمع المدني، ومن أهمها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، للمشاركة فيها".
وكانت أنباء قد انتشرت حول محاباة قوات الأمن لبعض الجيران المقربين منها، ممن تقدموا بشكوى في حق "أم الأسرى"، في تكرار لوقائع محاباة ترتكبها حماس. وعلّق شرشرة بأن الإقرار بوجود مثل تلك المحاباة من عدمه مرتبط كذلك بوجود لجان تحقيق شفافة، وحال وجدت فإن أي حكومة لن تستطع محاباة أحد.


وكان ابن السيدة الفلسطينية، جبر وشاح، وهو أيضاً نائب مدير المركز الفلسطيني، قد طالب - في بيان عقب الواقعة - بتشكيل لجنة تحقيق على أعلى مستوى وبصورة محايدة ومُحاسبة كل المتسببين فيما حدث.
وقال وشاح؛ "بغضّ النظر عن أي مُسببات أو مبرّرات لا تدعو إلى استخدام الشرطة للقوة المفرطة في إنفاذ القانون كما حصل، بل يجب على رجل القانون استخدام الوسائل اللائقة، ما حدث بالأمس (أول أمس) هو عدم اعتبار وتقدير للمناضلة أم جبر وشاح ولا لسنها ولا لرمزيتها وكان أمراً مرفوضاً بكل المقاييس".

كذّبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بيان حماس الذي حاول توريطها في الواقعة وادعاء أنّها تدعم قمع الفلسطينيين

وأكّد الأسير الفلسطيني المحرر أن القضية لا تتعلق بأم جبر فقط "بل بمبدأ استخدام السلطة بشكلٍ غير لائق ضد المواطنين، وهذا ما يجب أنّ يُوضع حد له".
وتعرّض جبر وشاح للأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي مدة 15 عاماً، قبل أن يخرج من المعتقل في صفقة لتبادل الأسرى عام 1998.
واستنكر نادي الأسير الفلسطيني الاعتداء على أم جبر، وقال في بيان عبر صفحته الرسمية في موقع فيسبوك؛ إنّ "الاعتداء على أم جبر وشاح بما تمثله من حالة رمزية ولكونها أيقونة نضالية، هو بمثابة الاعتداء على الأم الفلسطينية، وعلى الذاكرة النضالية، التي ما تزال حية بأمثال أم جبر، وأمهات الأسرى والشهداء".
وأضاف؛ إنّ "آثار الاعتداء الهمجي على أم جبر وشاح يمكن أن يقوم به فقط من تجرّد من إنسانيته ووطنيته، مهما كانت الأسباب والمبررات، التي يحاول البعض تسويقها في تبرير هذا الاعتداء الهمجي تحت ذريعة تنفيذ القانون".
وطالب نادي الأسير حركة حماس بتحمّل مسؤولياتها ومحاسبة كل من كان له يد في الاعتداء على أم جبر وشاح وتقديمهم للعدالة.
غضب إلكتروني ومسيرة في الشارع
أثار تعدي حماس على أم جبر موجات من الغضب عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" عبر هاشتاج: "#أم_جبر_وشاح" و "#أم_الأسرى_الفلسطينيين"، حيث اعتبر الناشطون أفعال حماس تعدياً على الذاكرة الوطنية الفلسطينية.
وقال الناشط على موقع تويتر حسين جمال؛ "لمن لا يعرف من هي المناضلة أم جبر وشاح التي تم الاعتداء عليها من قبل حماس، فهي يعرفها كل السجانين في دولة الاحتلال، ويعرفها كل ضابط احتلال، كانت السدّ المنيع لحماية الأسرى الفلسطينيين، واعتبرت كل أسير ابناً لها".
فيما اعتبر الناشط سعدي عودة إنّ عقلية القمع امتداد لفكر الاحتلال الإسرائيلي؛ "أم جبر وشاح حقك علينا، فلا زال أبناء المقبور نزار ريان يحملون الفكر نفسه الذي تأسسوا عليه، الفكر الصهيوني الإخواني الداعشي".
وقالت سلمى بويسي؛ عذراً أم المناضلين يا وشاح العز والفخار.


وأشارت تغريدة أخرى إلى الازدواجية التي تتبعها حركة حماس بين الشعارات والممارسات على أرض الواقع؛ "عندما قررت السلطة القبول بأرض 67 قررت (أي حماس) محاربتها، وأنها لن تقبل سوى بأرض فلسطين من النهر إلى البحر، اليوم حماس لم تكتفِ بقبول أرض 67، ولم تكتفِ بتدمير مستقبل الشباب الفلسطينيين ومحاربتهم في رزقهم، بل وصل بها الأمر إلى التعدي على رموز النضال الوطني".
وشارك ناشطون مقطع فيديو يظهر خروج مسيرة مندّدة لحماس تضم العشرات، هتف المشاركون بها: "حماس قاتلة، شيعة شيعة"، في إشارة إلى علاقتهم بإيران.
أم وشاح ... تجاعيد وجهها تاريخ من النضال
طبيعي أن يحظى وجه جاوز الـ 80 عاماً بتجاعيد تخبر عمّا يفعله الزمن، غير أن ما تحمله تجاعيد وجه العجوز هندومه تخبر بما هو أكبر.
تكاد تحكي كل تجعيدة عن طريق طويل قطعته الأم لزيارة أبنائها في سجون الأسرى، واحد منهم فقط حمله رحمها وهو جبر وشاح، وأمّا الآخرون فقد ربطها بهم وريد النضال والمقاومة، وريد غير مرئي يصبّ مباشرة في قلب السيدة المُسنة، فيزرع في قلبها حباً لهؤلاء، ربما يجاوز حب من حملته في أحشائها أو يساويه دون أن ينقص.
حفظت أم وشاح الطريق إلى بئر السبع من كثرة ما زارته، تنتظر اللقاء بلهفة كل شهر، وما بين الشهر والآخر، حماس دائم للقضية، مظاهرات، إضرابات عن الطعام لأهالي الأسرى، تحرك هنا وهناك لا يهدأ، تتقدمه دائماً تلك السيدة السمراء.
ولدت أم جبر، وفق موقع إضاءات الفلسطيني، في العام 1939، حسب من أعطوها ذلك التاريخ من الباحثين والناشطين والمفكرين ومن يمتلكون الذاكرة الفلسطينية من كبار السن. ومنذ مولدها حملت آثار النكبة.

هاجرت من قرية "بيت عفا" الواقعة بين المجدل والفالوجا، والتي أقام الاحتلال على أنقاضها مستوطنة "نقبة" نسبة إلى "نكبة". وفي حوار سابق لأم جبر قالت إنها عندما هاجرت كانت تحمل بين ذراعيها ابناً بكراً عمره عامان، وكان قد توفي وهي في طريق الهجرة واللجوء والشتات.
ومن الطبيعي أن يخرج من رحم أم كتلك، نجل مقاوم، حيث قبع الابن في السجن سنوات، والأم تغزل من أسره قصة كفاح أخرى ضد المحتل، بدأتها وهي أم أسير واحد، وكسبت خلالها أبناء كثيرين، حيث تبنّت العديد من الأسرى العرب كالأسير اللبناني أحمد إسماعيل، والأسير اللبناني أنور ياسين، وكانت تحرص على زيارتهم كزيارة ابنها، تدور بين سجون الاحتلال الإسرائيلي، تحاول أن تعوضهم حرمانهم رؤية ذويهم.
ولم تتخلَ الأم عن زيارة أبنائها بالتبنّي بعد تحرير نجلها جبر، حتى أنها رفعت دعوة قضائية حين رفضت إسرائيل السماح لها بزيارة الأسير اللبناني سمير القنطار، وقد كسبتها، لكن قوات الاحتلال لم تسمح لها سوى بأربعة لقاءات.
بعد تاريخ حافل من النضال لم تنل يد إسرائيل من أم الأسرى الفلسطينيين، والمؤسف أن تحاول يد حماس النيل منها.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية