الاستقالات تعصف بإخوان المغرب: انهيار سردية الاستعلاء الأخلاقي للجماعة

الاستقالات تعصف بإخوان المغرب: انهيار سردية الاستعلاء الأخلاقي للجماعة


21/08/2021

تعيش القواعد الإقليمية للذراع السياسية لإخوان المغرب، حزب العدالة والتنمية (البيجيدي)، أزمة غضب كبيرة، ضدّ قيادات الحزب على مستوى الأقاليم والأمانة العامة، على خلفية ما وصفوه بـالانتقائية في اختيار مرشحي الحزب في الانتخابات الجهوية والجماعية والتشريعية المقبلة، وهو ما يُعرف بـ "الكولسة" في المغرب.

ويرى أعضاء الحزب أنّ القيادات خالفت القيم والمبادئ التي طالما تغنى بها الحزب، كحزب ذي مرجعية إسلامية.

 ورداً على هذه التجاوزات الأخلاقية والتنظيمية، التي عرّت زيف الديمقراطية داخل الأطر التنظيمية للحزب، قدم العشرات من قيادات وأعضاء الحزب في عدد من المناطق المختلفة استقالاتهم، في وقت يبدو عسيراً على الحزب، الذي باتت حظوظه في تصدر الانتخابات التشريعية محل شك كبير.

موجة استقالات

يعيش حزب العدالة والتنمية المغربي أزمة سياسية متنامية منذ شهور، وزادت حدتها على وقع الخلافات بين قيادات وقواعد الحزب خلال الشهرين الماضيين، اللذين شهدا فتح باب الترشح لاختيار المرشحين في الانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية التي ستعقد في الثامن من شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، وذلك بسبب ما رأه الكثير من قواعد الحزب تدخلاً من الأمانة العامة والقيادات الإقليمية ضد إرادة ناخبي الحزب، بتزكية شخصيات غير مرغوبة من القواعد المحلية، ولم يصوت لها الناخبون في لجان الترشيح.

المدير العام لحزب العدالة والتنمية عبد الحق العربي استقال من الحزب بسبب الفساد الداخلي

وافتتح الكاتب المحلي للحزب بإحدى جماعات إقليم آسفي، إدريس فخيري، الاستقالات في 11 من شهر تموز (يوليو) الماضي، بعدما قدم استقالته من الكتابة الإقليمية والكتابة المحلية ومن جميع الهيئات السياسية المنضوية تحت حزب العدالة والتنمية.

وبرّر فخيري استقالته في رسالة وجهها إلى الكاتب الإقليمي لـ"البيجيدي" بالتعبير عن أسفه مـما أسماه "انعدام الشفافية والنزاهة" عند انتخاب وكلاء اللوائح البرلمانية والجهوية، و"إقصاء الكاتب الإقليمي والكاتب المحلي ورئيس المجلس البلدي بتصويت مكولَس، مع إعفاء الجهة وعضو الأمانة العامة"، وفق ما نشره موقع "مدار 21" المغربي.

توقع باحثون مغاربة أنّ تشهد الأيام المقبلة استقالات جماعية أكبر داخل الحزب الإخواني، على خلفية التلاعب بإرادة ناخبي الحزب في اختيار ممثليهم في الانتخابات البرلمانية والجهوية والجماعية

وذكر الموقع أنّ عدداً من أعضاء الحزب  رفعوا عريضة إلى الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، تعبيراً عن رفضهم لترشيح الكاتب الجهوي بجهة سوس ماسة، عبد الجبار القصطلاني بإقليم تيزنيت، متهمين إياه "بالكولسة واختلاسات" منافية للقانون ومبادئ الحزب.

وفي العاشر من الشهر الجاري، أعلن المدير العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الحق العربي عن تجميد عضويته من الأمانة العامة، بسبب تزكية موح الرجدالي على رأس لائحة الحزب في مدينة تمارة التي تعرف إشكالات تنظيمية كبيرة أدت لحل الفرع المحلي للبيجيدي بالمدينة.

ويعتبر الرجدالي أطول معمري الحزب انتخابياً، وترشح على قوائم الحزب منذ العام 2003، ما أثار استياء القواعد الانتخابية التي غضّت الطرف لسنوات طويلة على المحاباة والتمييز، بحجة الحفاظ على وحدة الحزب في مواجهة الخصوم.

استقال 45 قيادياً وعضواً من حزب الإخوان في مدينة أسفي

وشهد الحزب في 14 الماضي، تقدم أعضاء من إقليمية أكادير إداوتنان، بمراسلة احتجاج إلى الأمين العام للحزب، معلنين فيها رفضهم للوائح الترشيح البرلمانية والجهوية والمحلية بجماعة أكادير، ووصفوها بأنها "أعدت جميعها وفق طريقة مدبرة سلفاً بالكولسة".

اقرأ أيضاً: المغرب: هل يفقد الإخوان صدارة الانتخابات التشريعية؟

كما شهدت الكتابة الجهوية بجهة مراكش أسفي أكبر موجة استقالات، وبلغ عدد المستقيلين 45 من أعضاء ومستشارين جماعيين ورؤساء جماعات ينتمون إلى الكتابات الإقليمية لكل من مراكش وآسفي والصويرة، وآخرين ينشطون في صفوف الذراع النقابية للحزب (الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب)، وهو الوضع الذي لم يعشه الحزب الإخواني قبل توليه تدبير الشأن العام، بعد الانتخابات التشريعية والجماعية لأول مرة عام 2011، وفق ما نشره موقع "هسبريس".

زيف ديمقراطية الإخوان

وتوقع باحثون مغاربة أن تشهد الأيام المقبلة استقالات جماعية أكبر داخل الحزب الإخواني، على خلفية التلاعب بإرادة ناخبي الحزب في اختيار ممثليهم في الانتخابات البرلمانية والجهوية والجماعية، وتدخل الأمانة العامة لاختيار شخصيات بعينها لتمثيل الحزب.

اقرأ أيضاً: هزيمة إخوان المغرب في انتخابات الغرف المهنية... هل اقتربت نهايتهم؟

وكانت النية في "الكولسة" حاضرة لدى الأمانة العامة للحزب، وهو ما كشفته نتائج الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني، والتي عقدت عن بعد، وخصصت للمصادقة على المساطر التي تحدد طريقة اختيار مرشحي الحزب للانتخابات التشريعية، والجماعات المحلية (البلديات) والانتخابات المهنية، في نيسان (أبريل) الماضي، والتي منحت سلطات واسعة للأمانة العامة للتدخل في اختيارات لجان الترشيح، وتعديل ترتيب المرشحين، وتفضيل شخصيات على أخرى، وفق مصدر من الحزب تحدث لصحيفة "الشرق الأوسط".

تعقد الانتخابات البرلمانية والجماعية والجهوية في الشهر القادم

وعلل مراقبون هذه الخطوة، التي لا تلقى قبولاً لدى الكثير من أعضاء الحزب، بأنّها تأتي من الأمانة العامة ضمن خطة جديدة لاختيار أقوى المرشحين، ممن لهم حظوظ انتخابية، للمنافسة على المقاعد البرلمانية، في الانتخابات التي ستشهد للمرة الأولى تطبيق القاسم الانتخابي الجديد، الذي سيُصّعب من إمكانية تصدر الحزب الإخواني لنتائج الانتخابات، بما يمكنهم من تشكيل الحكومة للمرة الثالثة.

أستاذ العلوم السياسية عمر الشرقاوي في جامعة الحسن الثاني لـ"حفريات": أظهر التنافس الداخلي للبيجيدي على المقاعد البرلمانية والجماعية حقيقة الورع الكاذب والتعفف الخادع للحزب

وإلى جانب تحكم الأمانة العامة في تزكية المرشحين رغماً عن إرادة القواعد المحلية، لجأت إلى طريقة أخرى لتوجيه هذه القواعد، وذلك بتجميد عضوية عدد من الأعضاء، لمنع ترشحهم من الأساس على لوائح المرشحين، وفق ما ذكره موقع "مدار 21".

وعلق أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية الإخواني، ورئيس المجلس الجماعي لعاصمة عبده، في أسفي، عبد الجليل البداوي، على سياسات الأمانة العامة، والتي دفعته إلى الاستقالة، قائلاً: الخلل التنظيمي من العوامل التي كانت وراء هذه الاستقالة، خاصة أنّ الحزب، الذي يعرف بأعراف وقواعد تنظيمية تحدد الحقوق والواجبات، يعيش حالياً خللاً تنظيمياً؛ ما يعني أنّ كل ما راكمه من القوانين لم تعد لها قيمة تذكر عند معظم أعضاء الحزب.

حظوظ الإخوان الانتخابية

وتعليقاً على تفشي الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات العام الجاري، مقارنةً بالدورات السابقة، يرى المحلل السياسي، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، عمر الشرقاوي؛ أنّ الحزب بنى شعبيته خلال العقد الماضي على فكرة العدو الوهمي، سواء رؤساء الأحزاب الكبيرة الأخرى، ووزارة الداخلية والقضاء، ونجح في تعزيز قوته عبر ذلك، ولكنّ فهمت الأحزاب والمؤسسات ذلك، ولم تعد تجاريه في حروبه المفتعلة، أو تمنح له الفرصة للمواجهة، ولهذا تحولت معاركه مع الآخر إلى داخل الحزب، وبدأ يأكل نفسه بنفسه.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، عمر الشرقاوي

وأردف الشرقاوي في حديثه لـ"حفريات": أظهر التنافس الداخلي للبيجيدي على المقاعد البرلمانية والجماعية حقيقة الورع الكاذب والتعفف الخادع للحزب، وخلال الفترة الماضية قدم العشرات استقالتهم احتجاجاً على الكولسة التي مارستها قيادة الحزب في تزكية مرشحيها للانتخابات المقبلة، ومن هؤلاء؛ المدير العام للحزب، وبرلمانيون، ومسؤولون إقليميون في فاس ومكناس، وغيرها من الوقائع التي كشفت عن انهيار سردية الاستعلاء الأخلاقي لحزب أراد أنّ يأكل بشراهة ملذات السلطة، مرتدياً عباءة الوقار والتدين الخادع.

اقرأ أيضاً: مع اقتراب الانتخابات.. حزب "العدالة والتنمية" المغربي على صفيح ساخن

ولفت إلى أنّ هناك إدراكاً كبيراً داخل حزب الإخوان بضعف حظوظهم الانتخابية، وهو ما يُلاحظ في تغير الدعاية الانتخابية لهم عند عرض برامجهم الانتخابية، والتي كانت تتميز بالحفلات الفلكلورية وجلسات البهرجة السياسية، كما جرى خلال استحقاقات 2011 و2015 و2016، ولكن هذه المرة جرى عرض البرنامج بنوع من الاحتشام، بل تحول عرض البرنامج الذي ينبغي أن يتم وفق طقوس اعلامية خاصة إلى نوع من التسريبات لوثائق سرية.

وأشار الشرقاوي إلى أنّ معنويات الحزب والإنهاك الذي تعرض له بسبب ضريبة السلطة، وحالة الغضب التي تسود داخله بسبب حرب التزكيات، كلها سياقات جعلت لحظة الإعلان عن الخطوط العريضة للبرنامج الانتخابي، لحظة بدون روح وبدون معنى وبدون أي رهان يذكر.

ومن المتوقع أنّ يلجأ الحزب الإخواني إلى نشر مظلومية حال خسارتهم صدارة الانتخابات البرلمانية، وذلك باتّهام إقرار القاسم الانتخابي الجديد بالمسؤولية، وليس إخفاق أداء الحزب في إدارة الشأن العام خلال الأعوام العشرة الماضية، وفي ذلك أشار الأكاديمي المغربي إلى أنّ؛ الفيصل في ذلك هو عدد الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية، وليس عدد المقاعد؛ فإذا كان القاسم سيؤثر على عدد المقاعد، فلا تأثير له على عدد الأصوات، ولهذا فإن لم يحقق الحزب كتلة تصويتية تبلغ 1.6 مليون ناخب مثل انتخابات العام 2016، فلن يكون القاسم الانتخابي السبب، بل تراجع شعبية الحزب.

اقرأ أيضاً: المغرب: لماذا لا يتذكر الإخوان مكافحة الفساد إلا قبيل الانتخابات؟

وبحسب اللوائح الداخلية لحزب العدالة والتنمية الإخواني، تختص لجان الترشيح باختيار ممثلي الحزب في الاستحقاقات الانتخابية، وذلك عبر التصويت على ترتيب المرشحين لخوض الانتخابات في كل دائرة انتخابية. وفي مرحلة ثانية تقوم لجان التزكية بالمصادقة على الاختيار، وتعد الأمانة العامة للحزب أحد أهم لجان التزكية، التي يمكنها إدخال تعديلات مهمة على لجان الترشيح لتفضيل أشخاص على آخرين في الترتيب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية