الاتفاقية الإيرانية-الصينية بين الاستراتيجية والتكتيك

الاتفاقية الإيرانية-الصينية بين الاستراتيجية والتكتيك


01/04/2021

تثير الاتفاقية التي وُقّعت الأسبوع الماضي بين إيران والصين العديد من التساؤلات والسيناريوهات المستقبلية حول إمكانيات تنفيذها والالتزام بها، لا سيّما أنه يُفترض أن يتم العمل بها لمدة "25" عاماً، وبمجموع يصل إلى 400 مليار دولار، وتشمل تعاوناً بين الجانبين في المجالات التجارية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وسوف تُنفذ على شكل استثمارات صينية ضخمة في هذه القطاعات، وخاصة الاقتصادية، وسوف تحصل الصين مقابلها على حاجتها من إمدادات النفط والغاز الإيراني.

اقرأ أيضاً: الانفتاح على الصين لن يرفع العقوبات عن إيران!

التساؤلات التي تُطرح حول الاتفاقية مرتبطة بالعديد من السياقات؛ أبرزها ارتباطها بالعقوبات والضغوط الاقتصادية والعسكرية والأمنية على القيادة الإيرانية، خاصة مع التوسع في حزم تلك العقوبات في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي لم تبقِ شيئاً في إيران لم يخضع لتلك العقوبات، بالتركيز على المؤسسات الاقتصادية الإيرانية، وخاصة تلك التابعة للحرس الثوري الإيراني، وبالتزامن فإنّ الاتفاقية غير معزولة عن مرجعيتين وهما: ما يتردد حول مفاوضات جديدة بين طهران وواشنطن لإنجاز اتفاق جديد معدّل، يتجاوز ما يوصف أمريكياً وغربياً بثغرات الاتفاق السابق، والتي كانت سبباً لإلغائه من قبل الرئيس ترامب، واتجاهات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تركّز على مواجهة مع بكين وموسكو لصياغة نظام عالمي جديد، عنوانه وفقاً للمقاربة الأمريكية: دول تلتزم بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بقيادة أمريكا وأوروبا، ودول دكتاتورية لديها سجلات بانتهاكات حقوق الإنسان، تقودها الصين وروسيا، وأنّ على دول العالم الاختيار بين الفريقين.

التساؤلات التي تُطرح حول الاتفاقية الإيرانية-الصينية مرتبطة بالعديد من السياقات؛ أبرزها ارتباطها بالعقوبات والضغوط الاقتصادية والعسكرية والأمنية على القيادة الإيرانية

اتفاقية طهران- بكين غير بعيدة عن سياق آخر، تظهر معه الصين للمرّة الأولى بهذا التحدي لأمريكا، وكيفية استثمار إشارات الاتجاهات الأمريكية الأوّلية بمغادرة الشرق الأوسط، رغم تأكيدات بكين بأنّ الاتفاقية كانت نتاجاً لمفاوضات منذ 4 أعوام، وتشكّل رسالة إيرانية بإعلان انحيازها ومواصلة تحالفها مع بكين وموسكو، بالتزامن مع تأكيدات بأنها غير معنية باتفاق نووي جديد مع أمريكا والأوروبيين، خاصة بعد فشل رهانات طهران على موقف أوروبي يمكن أن يكون متمايزاً عن الموقف الأمريكي، ويقدّم حلولاً مقبولة بالنسبة إليها، في إطار وساطة أوروبية تمّ الإعلان عنها، تدلّ مؤشرات كثيرة على أنّ أوروبا أصبحت أكثر قرباً من واشنطن، مع وصول التغيير في القيادة الأمريكية ومغادرة ترامب البيت الأبيض.

ورغم أهمية الاتفاقية بالنسبة إلى بكين وطهران بمواجهة الضغوط الأمريكية، إلّا أنها تبقى موضع شكوك، فبكين يبدو أنّ رهاناتها محدودة على إمكانية تراجع طهران عن الاتفاقية أو بعض بنودها، خاصة أنها تأتي في إطار معارك عضّ الأصابع مع واشنطن، إذ يبدو أنّ احتمالات ألّا تعدو الاتفاقية كونها ورقة ضغط بيد طهران في مفاوضاتها مع واشنطن واردة.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة قلقة بعد هذه المعاهدة بين الصين وإيران... تفاصيل

وإذا كانت بكين وموسكو تقعان سوياً في دائرة الاستهداف الأمريكي- الأوروبي، فإنّ هناك تبايناً في حجم هذا الاستهداف؛ إذ يبدو أنّ موسكو تحتلّ أولوية في المواجهة عند الأمريكيين والأوروبيين، وهو ما تعبّر عنه التصريحات المتشددة من قبل الرئيس جو بايدن، والتي تتزامن مع حروب دبلوماسية أوروبية مع موسكو، عنوانها طرد دبلوماسيين روس بحجّة ممارسة أعمال استخبارية تستهدف الأمن الأوروبي، ويطرح هذا التباين في الاستهداف تساؤلات حول موقف موسكو من الاتفاقية، وفيما إذا كانت تقبل بأن تذهب طهران بعيداً مع الصين على حسابها؟

اتفاقية طهران- بكين غير بعيدة عن سياق آخر، تظهر معه الصين للمرّة الأولى بهذا التحدي لأمريكا، وكيفية استثمار إشارات الاتجاهات الأمريكية الأوّلية بمغادرة الشرق الأوسط

وبالإضافة إلى أنّ الاتفاقية ستزيد وتعمّق الشكوك الأوروبية بطهران، فإنّ تساؤلات تُطرح بقوة حول مستقبل الاتفاقات الصينية مع حلفاء واشنطن في المنطقة، وخاصة "السعودية والإمارات"، بالإضافة إلى تركيا، التي تتطلع لاستعادة بناء جسور ثقة "معدومة" مع واشنطن، وفيما إذا كانت ستخضع لضغوط أمريكية لخفض حجم علاقاتها الاقتصادية مع الصين، وهو ما يشكّل محذوراً بالنسبة إلى الصين، خاصة أنّ حجم تبادلها التجاري، على سبيل المثال، مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية "حلفاء واشنطن" أضعاف ما هو مع طهران، ومع ما يمكن أن يكون عليه حتى بعد الاتفاقية.

اقرأ أيضاً: إيران والصين إلى توطيد التعاون... ما علاقة الولايات المتحدة؟

سيناريوهات الاتفاقية تبدو مفتوحة في المستقبل، وخاضعة لمتغيرات التحوّلات السياسية في المنطقة، إلّا أنها ستبقى أكثر خضوعاً للمفاوضات بين واشنطن وطهران حول الاتفاقية القادمة بين الجانبين، فطهران توقع الاتفاقية وعينها على واشنطن، ترسل رسالة تفاوض بخياراتها المستقبلية، وهو ما تدركه بكين التي يبدو أنها تعمل على التخفيف من تداعيات الاتفاقية على الأطراف الأخرى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية