
إفراد الله بالحاكمية..!
انتبه هنا إلى خطورة المفردات.
هنا يضعونك في مقابل الله سبحانه، حتى تبدو وكأنك تعاند الله وتخالفه، بينما الحقيقة ليست كذلك بالمطلق، إنما أنت تخالف "دولة الله" المزعومة، التي هي في الحقيقة دولتهم، بينما يُتّخذ اسم الله عنوانًا لسحق المخالفين.
دعونا نتمعن في العبارة أعلاه: "إفراد الله بالحاكمية" ثم ننظر: أيُّ الدول تلك التي تشارك الله في الحاكمية باسمه أيضًا؟ وأيها التي تترك ما لله لله، ثم تتحرك هي في دائرة المباح التي تشمل كل الدنيا، سوى ما نص الله على حرمته؟
ثم لنسأل: أين ومتى كانت لنا دولة تُطبق ما أنزله الله على الحقيقة؟ وماذا لو قارنا أي نموذج يُقترح علينا بنماذج الدول المدنية الديمقراطية الحديثة – مع معرفتنا بعيوبها – لنرى أيها أقرب إلى تطبيق ما أنزله الله؟
آيات الأحكام – وفقًا لأرجح الأقوال – لا تتجاوز مئتي آية من بين 6236 آية قرآنية.
مبدئيًا، هذه النسبة تُبيّن أن موضوع القرآن الأول والرئيس ليس هو الأحكام.
لكن، بقدرة قادر، أو بفضل شياطين الإنس والجن، صار لك أن تتجاوز ستة آلاف آية وتظل مسلمًا، بينما تخرج من الإسلام بمئتي آية، أنت أصلاً لا ترفضها، إنما تحاول فهم سياقاتها القرآنية والتاريخية.
هذا أولاً.
أما ثانيًا: فلك أن تقوم بالتجربة بنفسك، وتحاول عبر جهازك الذي تقرأ منه مقالتي هذه، تنزيل أي كتاب يحمل عنوان "آيات الأحكام"، ثم تُجري فحصًا بنفسك على هذه الآيات، وتحاول فرز ما يتعلق بالحاكم منها، أو ما فيه شبهة تدخل الحاكم.
ستجد – بالقليل من الجهد – أن أقل من 10% من هذه الآيات (الـ 200) فيها شبهة تدخل الحاكم.
ولو اكتفيت بهذا الجزء من آيات الأحكام، فلك أن تسأل:
هل تكفي هذه النصوص لتغطية احتياجات الدولة التشريعية؟
وليس الدولة الحديثة ذات التفاصيل غير المتناهية، بل حتى تلك القديمة التي قيل لنا إنها كانت تطبّق الشريعة.
الجواب باختصار: لا.
فمن أين إذًا ستأتي "دولة الله" المزعومة بباقي التشريعات التي تُدير من خلالها الدولة؟
باختصار: من الفقهاء.
ليصبح الواقع عمليًا أنك تُحكم بشريعة الفقهاء، لا بشريعة الله.
ثم أيضًا، ليصبح الواقع أن مقولة "إفراد الله بالحاكمية" تم الاعتداء عليها، ولم يعد الله حاكمًا وحده، بل شاركه – باسمه – آخرون، وشرّعوا باسمه.
وهذا بخلاف الدولة المدنية، التي لا تزعم أن تشريعاتها باسم الله، إنما تُقدّمها للناس كجهد دنيوي يمكن مخالفته، والعمل على تغييره، دون أن تتحوّل إلى عدوٍّ لله.
ثم، تعالوا لنسأل عن النصوص التي تسمّونها "حكم الله":
إن كانت تلك العقوبات الخمس الخاصة بالقتل، والزنى، والسرقة، والقذف، والحرابة، فهاتوا لنا دولة واحدة في العالم لا تعتبر هذه الجرائم جرائم، ولا تعاقب عليها.
حتى وإن اختلفوا مع النص في شكل العقوبة – الذي ليس هو جوهر النص – بقدر ما يتعلق الجوهر برفض هذه الجرائم، والإصرار على معاقبة مرتكبيها حمايةً للمجتمعات.
أما إن كان ما أنزله الله – وهذا ما لا نختلف عليه – يتعلق بالعدل، والمساواة، وعدم الاعتداء على الحريات الفردية، ولا على المال العام، ومنع استغلال السلطة، ومساواة الجميع – حكّامًا ومحكومين – أمام القضاء، والشفافية، والمساءلة، وسيادة القانون، فتعالوا نمنح كل نقطة من هذه النقاط قدرًا معينًا من الأرقام كقيمة لها، هي والعقوبات الخمس، ثم نُصمم معًا برنامجًا لاحتساب النقاط، وندخل أي دولة تقترحونها – باستثناء دولة الراشدين – ونعرضها على البرنامج، ثم نقارنها بالدول المدنية الديمقراطية المعاصرة، لنرى أيًّا من تلك الدول سيكون أكثر تطبيقًا لما أنزله الله.
باختصار شديد:
إن كانت مشاركة الله في الحكم باسمه شركًا، فالدولة الدينية هي التي تفعل ذلك.
أما الدولة المدنية، فهي لا تُشرّع باسم الله.
صدّعتم رؤوسنا بالحديث عن حاكمية الله، دون أن تقدموا لنا نموذجًا واحدًا كان فيه الله متفرّدًا بالحاكمية، ولم يكن فيه الله اسمًا يستغله الحاكمون، الذين قبضوا على دينه وطوّعوه، واستغلوه لتعزيز تسلّطهم على رقاب عباد الله.
يتبع...
عن صفحة الكاتب الشخصية في فيسبوك