الإسلاميون السودانيون : تجربة الحكم وانهيار المشروع

الإسلاميون السودانيون : تجربة الحكم وانهيار المشروع

الإسلاميون السودانيون : تجربة الحكم وانهيار المشروع


17/12/2024

زهير عثمان حمد

شهد السودان خلال العقود الأخيرة تجربةً سياسية عميقة تمثلت في وصول الإسلاميين إلى السلطة في عام 1989م بعد انقلاب عسكري أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة. وقد مثل هذا الانقلاب بدايةً لمشروع سياسي أعلن الإسلاميون فيه عن توجهاتهم لبناء دولة إسلامية تعتمد على الشريعة والقيم الدينية. غير أن هذه التجربة سرعان ما دخلت في أزمات معقدة أدت إلى انهيار المشروع برمته.

البدايات والطموح الكبير

دخل الإسلاميون السودانيون الحكم بقيادة جبهة الإنقاذ الوطني ، وسط وعود كبرى بتحقيق العدالة والتنمية واستعادة مكانة السودان كدولة رائدة في العالم الإسلامي. استند مشروعهم إلى بناء اقتصاد إسلامي وتحقيق “النهضة” من خلال سياسات تعتمد على مركزية القرار السياسي والأمني.

غير أن هذه السياسات كانت مصحوبة بفرض قيود صارمة على الحريات السياسية ، وقمع المعارضة والسيطرة على مفاصل الدولة من خلال أجهزة أمنية قوية. كان الهدف الأساسي هو تأمين استمرار النظام بأي ثمن ، وهو ما قاد إلى مركزية مفرطة وانفراد السلطة بيد قلة من القيادات.

الفساد والتراجع الاقتصادي

مع مرور الوقت ، بدأت ملامح الأزمة تظهر بوضوح. على الرغم من خطابهم الأخلاقي ، تورط الإسلاميون في قضايا فساد مالي وإداري هائلة. تضاعفت معاناة الشعب السوداني نتيجة سياسات اقتصادية فاشلة أدت إلى تدهور العملة الوطنية ، وزيادة التضخم، وارتفاع معدلات الفقر.

علاوة على ذلك ، شهدت البلاد انفصال الجنوب في عام 2011م ، وهو ما شكل ضربة قاصمة للاقتصاد السوداني الذي كان يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط المستخرج من الجنوب. هذا الانفصال عكس إخفاق الإسلاميين في تحقيق الوحدة الوطنية ، وأظهر عجزهم عن إدارة التنوع الثقافي والعرقي في البلاد.

الصراع على البقاء ومحاولة العودة

في أعقاب ثورة ديسمبر 2018م ، أُطيح بنظام الرئيس عمر البشير ، مما مثل نهاية لحقبة الإسلاميين في الحكم. غير أن ذلك لم يضع حدًا لطموحاتهم السياسية ، حيث لا يزالون يسعون جاهدين للعودة إلى السلطة. يستخدم الإسلاميون في هذا المسعى شبكاتهم القديمة ، ويحاولون استغلال حالة الفوضى والانقسامات السياسية في السودان.

الدروس المستفادة والمستقبل

تجربة الإسلاميين السودانيين في الحكم تقدم دروسًا عميقة حول مخاطر تسييس الدين واستخدامه كأداة للسيطرة السياسية. لقد أظهرت هذه التجربة أن الخطابات الأيديولوجية وحدها لا تكفي لإدارة الدولة، وأن الحكم يتطلب كفاءة ، وشفافية ، واحترامًا للتنوع والحريات.

في الوقت الراهن ، يواجه السودان تحديات كبيرة في إعادة بناء الدولة وتحقيق الاستقرار. هذا يتطلب تجاوز مرحلة الإسلاميين، وفتح المجال لبناء نظام سياسي يقوم على المواطنة ، والعدالة ، والتنمية المستدامة. بذلك فقط يمكن للسودان أن يخطو نحو مستقبل أفضل يعكس تطلعات شعبه ويحقق السلام الدائم.

الراكوبة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية