الإرهاب في مالي وبوركينا فاسو: خارطة التنظيمات والتداعيات ومصادر التمويل

الإرهاب في مالي وبوركينا فاسو: خارطة التنظيمات والتداعيات ومصادر التمويل

الإرهاب في مالي وبوركينا فاسو: خارطة التنظيمات والتداعيات ومصادر التمويل


31/01/2023

ما زالت قارة أفريقيا تواجه عدداً من التحديات الأمنية، على رأسها الإرهاب، وقد مُنيت القارّة خلال الأعوام الأخيرة بموجات متطورة من الإرهاب العابر للحدود، لتتحول أجزاء واسعة من أراضيها إلى ملاذات آمنة تحتضن العناصر الإرهابية وساحات لتدريب وعمليات هذه الجماعات، لتصبح منطقة الساحل الأفريقي اليوم المنطقة الثانية في العالم التي تضم أكثر العناصر الإرهابية بعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وقد خصص مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات دراسة مطوّلة للإرهاب في دولتي مالي وبوركينا فاسو، وهما تُعدّان في مقدمة دول منطقة الساحل الأفريقي التي شهدت خلال الفترة (2014 – 2022) تزايداً ملحوظاً لأعمال العنف المدعومة من قبل التنظيمات الإرهابية.

هذا، وقاد ظهور التنظيمات والميليشيات الإرهابية المسلحة بمنطقة الساحل إلى دخولها في صراعات ممتدة مع حكومات دول المنطقة، على النحو الذي أدى إلى تواتر سلسلة الانقلابات العسكرية في بعض الدول، كحال دولة مالي التي شهدت على مدار فترة قصيرة انقلابين عسكريين خلال عامي 2020 – 2021، كما شهدت أيضاً بوركينا فاسو انقلاباً عسكرياً عام 2022، بالإضافة إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد رئيس النيجر محمد بازوم في 31 آذار (مارس) 2021، قبل ساعات من تنصيبه رئيساً للجمهورية.

وركزت دراسة "تريندز" على عدة محاور؛ هي: ماهية منطقة الساحل الأفريقي وأهميتها، ومؤشرات وأسباب تزايد ظاهرة الإرهاب في بوركينا فاسو ومالي، وخارطة التنظيمات الإرهابية المسلحة في الدولتين، وتداعيات تزايد أعمال العنف المسلح فيهما، ورؤية تقييمية لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب.

ما زالت قارة أفريقيا تواجه عدداً من التحديات الأمنية، على رأسها الإرهاب

عن ماهية منطقة الساحل الأفريقي وأهميتها، قالت الدراسة: إنّ المنطقة تتميز بالعديد من الإمكانيات التي يمكن استغلالها وتشغيلها، ومنها وجود الأغلبية الشبابية؛ إذ إنّ أكثر من 64.5% من سكانها لا تزيد أعمارهم على (25) عاماً، وكذلك توافر الموارد المناسبة لتوليد أكبر معدل من الطاقة المتجددة في العالم، ومرور منطقة الساحل الأفريقي فوق العديد من المناطق الأكثر احتواءً على المياه الجوفية في العالم، وأيضاً توافر الظروف الاقتصادية الجيدة مقارنة بغيرها، يضاف إلى ذلك الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي يتمتع بها الساحل الأفريقي، نظراً لما يمتلكه من احتياطيات نفطية وغازية هائلة، بالإضافة إلى الموارد المعدنية كالذهب واليورانيوم والحديد، حيث تمتلك موريتانيا مخزوناً كبيراً من الحديد المهم في صناعة الصلب في الدول الأوروبية.

وفي ضوء ما تتمتع به المنطقة من المقومات، وُجد العديد من الجماعات والتنظيمات المسلحة في المنطقة لنهب خيراتها والاستيلاء عليها، وتشمل هذه الجماعات حركات التمرد، والميليشيات العرقية، والعصابات الإجرامية، وخاصة في التهريب، والجماعات الإرهابية.

مالي وبوركينا فاسو تُعدّان في مقدمة دول منطقة الساحل الأفريقي التي شهدت خلال الفترة (2014 – 2022) تزايداً ملحوظاً للأعمال الإرهابية

أمّا عن مؤشرات وأسباب تزايد ظاهرة الإرهاب، فقد تناول تقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر سنوياً تطور النشاط الإرهابي في البلدين، واحتلت بوركينا فاسو مركزاً متقدماً في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2022، لتأتي في المركز الرابع بعد أفغانستان والعراق والصومال في قائمة الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب عالمياً خلال عام 2021؛ إذ زادت حوادث الإرهاب في البلاد بين عامي 2020 و2021 من (191) إلى (216) حادثة، أمّا في عام 2021، فقد سجلت بوركينا فاسو ثاني أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن الإرهاب.

ووفقاً للدراسة، فإنّ مالي احتلت المرتبة السابعة في قائمة الأكثر تأثراً بالإرهاب عالمياً خلال عام 2021، حيث زادت الهجمات الإرهابية بها بنسبة 56%، وكذا الوفيات الناجمة عن الإرهاب بنسبة 46%، مقارنة بعام 2020. وكانت معظم الهجمات موجّهة لتوجيه رسالة مفادها إفشال الجهود العسكرية، وخاصة جهود الدولة المالية لمكافحة الإرهاب وعمليات حفظ السلام.

وأشارت الدراسة إلى تنبؤ بعض الكتابات عندما ضعف تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان في الأعوام الأخيرة، بانتقال شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم، وخاصة في أفريقيا التي سوف تصبح مستقبلاً "أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة"، وسوف تكون "أفغانستان جديدة"، ويتزامن ذلك مع توافر التمويل اللازم لهذه الجماعات من أعمال السلب والنهب، وهو ما يساعد في تسهيل أعمالها، وفي انتقال كبير لحركة الأموال من دولة لأخرى، ممّا يمكّن بعض هذه التنظيمات من السيطرة على حقول النفط، أو مناجم المعادن الثمينة.

احتلت بوركينا فاسو مركزاً متقدماً في تقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عام 2022

أمّا عن خارطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة في بوركينا فاسو ومالي، فقد أوضح المركز أنّ عام 1997 يُعدّ بمثابة المرحلة الأولى لتطور الجماعات الإرهابية في صحراء مالي، حيث فرّ عدد من الإرهابيين من الجزائر إلى شمال مالي، وبدؤوا في النشاط، وبسرعة التحق بهم مقاتلون من موريتانيا ومالي والنيجر. أمّا المرحلة الثانية، فتبدأ في عام 2007 بالتحاق تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال بتنظيم القاعدة، حيث غير اسمه إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وشهدت الفترة من عام 2007 إلى 2012 سلسلة من العمليات العسكرية والإرهابية ضد دول المنطقة بشكل عام وضد مالي بشكل خاص، ولا سيّما في ظل مطالبة عدد من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة بحكم ذاتي أقرب إلى الاستقلال الكامل.

وبالنظر إلى خارطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تنشط في مالي، فإنّها تشمل عدداً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية؛ مثل تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وحركة "أنصار الدين"، وتُعدّ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" هي المظلة التي تنخرط تحتها التنظيمات في منطقة الساحل الأفريقي تحديداً، وتضم (4) جماعات إرهابية، وهي: "جماعة أنصار الدين"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى" و"كتائب تحرير ماسينا".

الساحل يتميز بوجود أغلبية شبابية، وتوافر الموارد المناسبة لتوليد الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى المياه الجوفية، وتوافر الظروف الاقتصادية والثروات

وتجدر الإشارة إلى أنّ "حركة الأزواد" تُعدّ أقدم تنظيم مسلح في مالي، بعد أن قررت رفع السلاح ضد الجيش، ومن أبرز مطالبها "انفصال شمال البلاد، وإقامة دولة للطوارق الأزواد"، يضاف إلى ذلك تنظيم "داعش في الساحل".

وفي إطار خارطة الجماعات والتنظيمات الإرهابية في بوركينا فاسو، فقد بدأ النشاط الإرهابي فيها عام 2007، وتوجد فيها (3) جماعات جهادية رئيسية في منطقتي الشرق والشمال، وهي "جماعة أنصار الإسلام"، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"؛ أي ولاية الساحل التابعة لتنظيم داعش، وفق الدراسة.

وبالنسبة إلى مصادر التمويل التي تعتمد عليها الجماعات والتنظيمات الإرهابية في مالي وبوركينا فاسو، ففي دراسة ميدانية قامت بها مجموعة العمل الحكومية لمحاربة تبييض الأموال في غرب أفريقيا (GIABA) ومجموعة العمل المالية (GAFI) حول تحديد الوسائل المستخدمة من قبل الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية التي تدعمها في جمع ونقل واستخدام الأموال، نُشرت خلال عام 2015، توصل فريق من الخبراء إلى تحديد (4) أصناف من التقنيات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في المنطقة؛ وتتمثل أوّلاً: في التمويل عن طريق التجارة والأنشطة الربحية، وثانياً: التمويل عن طريق المنظمات غير الحكومية والخدمات الخيرية، وثالثاً: التمويل بواسطة تجارة الأسلحة والممتلكات والعملات، ورابعاً: التمويل عن طريق الاتجار بالمخدرات.

ما تزال مالي وبوركينا فاسو تعانيان من التداعيات الأمنية والعسكرية نتيجة الانتشار الواسع للجماعات المسلحة والإرهابية

وأكدت الدراسة أنّ أبرز التحديات السياسية التي تفرضها ظاهرة الإرهاب تتجلى في مالي وبوركينا فاسو، في تقويض الديمقراطية داخل الدولة، نتيجة لانعدام مناخ الأمن المرتبط بوجود التنظيمات والجماعات الإرهابية المسلحة.

وما تزال مالي وبوركينا فاسو تعانيان من التداعيات الأمنية والعسكرية نتيجة الانتشار الواسع للجماعات المسلحة والإرهابية، حيث إنّها تفرض العديد من السياسات القمعية والاستنزافية، وكذلك الممارسات الإرهابية التي تؤثر على حالة السلم بالبلاد، كما تقوم بتهديد يمتد إلى الدول المجاورة، ولا سيّما الدول الساحلية، أمّا التداعيات الاقتصادية للإرهاب، فإنّه يؤدي  إلى استنزاف كم هائل من موارد الدولة، ومن ثم يؤثر الإرهاب سلباً على عجلة التنمية الاقتصادية في بلدان المنطقة.

عندما ضعف تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان في الأعوام الأخيرة، انتقلت شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم، وخاصة في أفريقيا

أمّا عن جهود بوركينا فاسو لمكافحة الإرهاب، فالدولة تعتمد أسلوباً جديداً لمكافحة التمرد المسلح الدامي فيها، يقوم على إجراء حوار بين زعماء المجتمعات المحلية ومقاتلي الجماعات المسلحة في مبادرة تعكس تحولاً في مسار جهود ركزت على الأمن لإنهاء نزاع طال أمده، أمّا في مالي، فقد كانت تعتمد على دعم القوات الأوروبية، خاصة الفرنسية التي غادرت البلاد قبل فترة وجيزة من الزمن، وتركت الجيش الضيف في مواجهة التنظيمات الإرهابية المنظمة.

وفي النهاية، تُعتبر مشكلة الإرهاب في الدولتين مشكلة عامّة، لأنّها عابرة للحدود، ومتشعبة بين التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، والعصابات الإجرامية النشطة في تهريب البشر وتجارة الأسلحة والمخدرات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية