تتصاعد التحدّيات الأمنيّة التي تواجهها حكومة مصطفى الكاظمي، أمام التنظيمات "الإرهابية"، بنسختَيها الإيرانيةِ والداعشية، وذلك بعد استهداف فصائل ولائية لمطار أربيل الدولي، والكشف عن أوكار لتنظيم داعش الإرهابي في محيط العاصمة بغداد.
الحكومة، التي تحاول ضبط إيقاع بلادها الأمني بعد التفجير المروّع الذي شهدتهُ ساحة الطيران البغدادية، نهاية الشهر الماضي، تباغتها الجماعات المسلحة بين الحين والآخر، عبر ما تسمى بـ "رسائل الكاتيوشا" تارة، وبمحاولة تنفيذ "غزوات جهادية" داخل العاصمة تارة أخرى، وهو ما يجعل السلطة التنفيذية دائماً على محكّ الاختبار الدائم لفرض "هيبة الدولة"، الشعار الذي رفعته منذ تشكيلها، في أيار (مايو) العام الماضي.
رئيس الوزراء العراقي يغرّد : عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيداً لمحاكمة عادلة علنية
وشهدت أربيل، عاصمة إقليم كردستان، الإثنين الماضي، هجوماً بـ 14 صاروخاً، منها 4 استهدفت قاعدة للجنود الأمريكيين، فيما سقطت 10 صواريخ قرب مطارها الدولي، وأدّى هذا الاستهداف إلى مقتل متعاقد أجنبيّ، وإصابة 6 آخرين، بحسب إحصائيات رسمية.
وتبنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "سرايا أولياء الدّم"، الثلاثاء الماضي، مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي الذي استهدف أربيل، وقالت في بيان منسوب إليها: "تمكن رجالكم في سرايا أولياء الدم، الإثنين، من القيام بعملية نوعية ضد الاحتلال الأمريكي في شمالنا الحبيب (إقليم كردستان)؛ حيث اقتربنا من قاعدة الاحتلال (الحرير) في أربيل بمسافة 7 كيلومترات".
مجاميع "ظلية" للفصائل الولائية
إعلان سرايا "أولياء الدم" تنفيذها لعملية استهداف مطار أربيل الدولي والقواعد الأمريكية في المدينة، كشف الهوية العقائدية لتلك الجهة المسلحة، وهي جهة موالية لإيران، تفيد مصادر بأنّها وحدات تابعة لفصائل أصيلة في جسم الحشد الولائي.
وقال مصدر مطلع لـ "حفريات" إنّ "الفصائل الولائية لإيران في العراق، أخذت تنشئ مجاميع مرتبطة بها، تحمل عدة عناوين جديدة، على الساحة العراقية، وتعمل على تنفيذ الأجندات المطلوبة من الفصائل، منها؛ استهداف منشآت عراقية أو أمريكية أو أجنبية أخرى"، مبيناً أنّ "الفصائل تريد إبعاد التهمة المباشرة بحقها، لأنّها، بشكل أو بآخر، مرتبطة رسمياً بمؤسسة الحشد الشعبي التي يقول القانون إنّها مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة".
وأضاف: "العقوبات الأمريكية الأخيرة على بعض الشخصيات العراقية الموالية لإيران، جعلت الدائرة الولائية تفكر بإنشاء مجاميع مجهولة الهوية للرأي العام، على عكس ما كان سابقاً؛ حيث كانت الفصائل نفسها تتبنى وتفتخر إعلامياً بأنّها استهدفت المنطقة الخضراء ومطار بغداد الدولي ومحيط السفارة الأمريكية في بغداد"، لافتاً إلى أنّ "الإستراتيجية بدأت مختلفة اليوم، والإيرانيون دائماً ما يتطلعون إلى إبقاء حاجة الحكومة العراقية إليها، من خلال الضغط على حلفائها في العراق".
ويؤكد المصدر؛ أنّ "استهداف مطار أربيل الدولي مؤخراً فاجأ الجميع؛ كون الحكومة العراقية كانت قد عقدت هدنة، عبر وسطاء، مع الجنرال إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس المشرف على مجمل الفصائل الولائية في العراق".
رسائل إيرانية لأربيل وحلفائها
ويرى مراقبون عراقيون؛ أنّ تجذّر العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان العراق، من شأنه أن يأكل من جرف المصالح الإيرانية في البلاد، لا سيما أنّ عاصمة الإقليم الكردي (أربيل) تحتضن إحدى القاعدتين الأمريكيّتين في العراق.
ويقول الباحث يحيى الكبيسي: "بسبب ازدياد سلسلة استهداف القوات الأمريكية في العراق، قررت هذه القوات، في آذار (مارس) 2020 إعادة الانتشار، عبر الانسحاب من جميع القواعد التي كانت تتواجد فيها، والبقاء في قاعدتي عين الأسد في محافظة الأنبار (غرب البلاد)، وقاعدة حرير في محافظة أربيل حصراً".
وأكد الكبيسي، في مقالٍ له؛ أنّ "إيران لن تغضّ الطرف عن علاقات أمريكية مع أربيل يمكن أن تهدد المصالح الإيرانية، أو علاقات تركية مع أربيل على حسابها، وأخيراً يجب على الإقليم القبول باحتكار الفاعل السياسي الشيعي، المدعوم إيرانياً، للسلطة في العراق، وأنّها لن تتهاون مع أية محاولة كردية لتهديد هذا الاحتكار"، واصفاً مليشيا "أولياء الدّم" بأنّها "مجرد أداة لإيصال رسائل إيرانية لأمريكا وكردستان".
اقرأ أيضاً: هجوم أربيل... هل يفتح النار على الميليشيات العراقية الموالية لإيران؟
"عصابة الموت" في قبضة العدالة
وفي إطار البحث عن منفذي قتل ناشطي الحراك الاحتجاجي في العراق، أعلن الكاظمي، اعتقال ما تسمى "عصابة الموت"، التي اغتالت الصحفي أحمد عبد الصمد، والناشطة جنان ماذي شمخي، في كانون الثاني (يناير) عام 2020، بمحافظة البصرة جنوب العراق.
وكتب الكاظمي في تغريدة : "عصابة الموت التي أرعبت أهلنا في البصرة ونشرت الموت في شوارعها الحبيبة، وأزهقت أرواحاً زكية، سقطت في قبضة أبطال قواتنا الأمنية تمهيداً لمحاكمة عادلة علنية".
وأضاف: "قتلة جنان ماذي وأحمد عبد الصمد اليوم، وغداً القصاص من قاتلي ريهام والهاشمي وكلّ المغدورين"، مؤكّداً أنّ "العدالة لن تنام".
وشهد العراق، العام الماضي، عدة حوادث اغتيال طالت ناشطي المجتمع المدني ومحتجين، كان من بينهم أيضاً؛ الناشطة والطبيبة ريهام يعقوب، في آب (أغسطس) الماضي، والخبير الأمني هشام الهاشمي، في تموز (يوليو) من العام ذاته، وتوعّد الكاظمي حينها باعتقال قاتليهما.
وعن عدد أفراد العصابة، أوضحت معلومات أمنية؛ أنّ "العصابة تتكوّن من أربعة أشخاص، واعترفت بتنفيذها 10 جرائم، من بينها قتل الصحفي أحمد عبد الصمد"، وأشارت إلى أنّ "أفراد العصابة هم قتلة مأجورون انشقّوا في وقت سابق عن إحدى الجهات المسلحة في البصرة".
مقتل مجموعة دواعش في بغداد
وعلى صعيد التطورات الأمنية الجارية، قتلت القوات العراقية، أول من أمس السبت، مجموعة تابعة لتنظيم داعش الإرهابي، داخل العاصمة بغداد، خلال عملية نفذتها شمال العاصمة.
العملية التي أشرفَ عليها القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، أدّت إلى مقتل خمسة عناصر من داعش، بينهم من يسمى "والي مدينة الطارمية والمفتي الشرعي" للتنظيم، في كمين محكم شمال بغداد.
وقال بيان لقيادة عمليات بغداد؛ إنّه "تمّ قتل خمسة إرهابيين في الطارمية، من ضمنهم العسكري والإداري لشمال بغداد، وإعلامي الفلوجة، كانوا يرمون لتنفيذ هجمات إرهابية في العاصمة".
النائب العراقي حامد الموسوي لـ"حفريات" العملية التي خاضتها القوات العراقية المشتركة، أفشلت مخططاً لاستهداف مناطق العاصمة من قبل تنظيم داعش
وبعيد العملية الأمنية، زارَ الكاظمي قضاء الطارمية "للاطلاع والإشراف على العمليات الاستباقية التي انطلقت للقضاء على ما تبقى من عصابات داعش"، وفق بيان لمكتبه الإعلامي.
واجتمع الكاظمي، وفق البيان، "بعدد من القادة الأمنيين، واستمع إلى إيجازٍ عن تطورات الوضع الأمني في المنطقة، واطّلع على تفاصيل العمليات العسكرية والأمنية التي تنفذ لملاحقة مضافات الإرهاب وتدميرها".
ووجّه القائد العام للقوات المسلحة إلى "ضرورة إدامة عمليات ملاحقة الفلول الإرهابية، بالتعاون مع وجهاء المنطقة وشيوخ عشائرها، وأثنى في الوقت نفسه، على الجهود المتميزة التي أثمرت عن قتل عدد من الإرهابيين المطلوبين".
أوكار ومقرّات لداعش بمحيط بغداد
من جانبها، أكّدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، أنّ تنظيم داعش الإرهابي، يمتلك أوكاراً ومقراتٍ في محيط العاصمة بغداد وأطرافها، مبيناً أنّ الجهد الاستخباري أدّى إلى نجاح العملية الأخيرة في مدينة الطارمية، شمال العاصمة.
عضو اللجنة، حامد الموسوي، قال إنّ "محيط العاصمة بغداد، ومنها أطرافها الشمالية، تضمّ أوكاراً ومقرات لتنظيم داعش الإرهابي، وفق تقارير استخبارية وأمنية، اطّلعت عليها اللجنة الأمنية البرلمانية لدى الأجهزة التنفيذية".
وأكّد الموسوي، لـ "حفريات"، أنّ "نتائج عملية قضاء الطارمية ببغداد، كشفت صحة معلومات التقارير الأمنية فيما يخص بتواجد قيادات وعناصر لداعش في ذلك القضاء"، مبيناً أنّ "العملية التي خاضتها القوات العراقية المشتركة، أفشلت مخططاً لاستهداف مناطق العاصمة من قبل التنظيم".
وشدّد على "ضرورة تطوير الأجهزة الاستخبارية بشكل مستمر، من أجل سدّ أيّة ثغرات يحاول الإرهابيون النفوذ من خلالها وضرب أمن البلاد بشكل عام"، مؤكّداً أنّ لجنته النيابية "في تواصل مع الجهات التنفيذية لإنتاج كادر أمني متميز".