محمد خلفان الصوافي
من يدرك الأساليب والطرق الملتوية التي يستخدمها أعضاء تنظيم “الإخوان المسلمين” الإرهابي من أجل التمدد في المجتمعات العربية يستشعر خطرهم، ويحس بالقلق من أي محاولة لتحركهم قد تؤدي لأن يعودوا للتمدد مرة ثانية لممارسة نشاطهم الفكري لإقناع الشعوب والتأثير على أفكارها، حتى ولو بدت تلك المحاولات بعيدة عن مجال الإقناع والمنطق.
وهناك اختلاف جوهري بين نظرة عامة الناس، الذين تسيطر على طريقة تفكيرهم، عادة، العفوية في تقييم الموقف وتقديره، ونظرة المطلعين على تفاصيل أساليب توظيف الإخوان لكل الأدوات من أجل التمدد وفق منطق “الغاية تبرر الوسيلة”. حتى لو كانت الوسيلة طابعها إنساني وخدمي وبعيدة كل البعد من الاحتمالات السيئة.
لقد علمتنا التجارب أنهم في تخطيطهم يبدأون من “الهامش”، وغالبا ما يستخدمون كل ما هو في الاعتقاد المجتمعي “هامش”، ليتطور تدريجيا إلى أن يتم التمكن منه، ومن ثم استخدامه وسيلة لتدمير المجتمع. هذا ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي، مثلما ينطبق على باقي الأدوات والوسائل. فالغاية هي السيطرة على المجتمع.
ما سبق هو محاولة تفنيد قناعة منتشرة في المجتمع الخليجي بأن انتشار تطبيق التواصل الاجتماعي “كلوب هاوس” ظاهرة هامشية وسطحية، لا يمكن اعتبارها وسيلة مؤثرة على الناس. ومع أني أتفق مع هذا الرأي إلا أن ذلك ليس من منطلق أنه هامشي أو سطحي، وإنما من منطلق الوعي الشعبي الخليجي لخطورة هذا التنظيم. لهذا من المناسب عدم الاستهانة أو التقليل من دواعي القلق، ولكن دون التهويل، حتى لا يتحول الأمر إلى هاجس ومرض (فوبيا)، بل من باب أن الحذر واجب.
مع ظهور تطبيق كلوب هاوس، وبدء بعض أعضاء التنظيم المشاركة والتفاعل مع غرف الدردشة، انقسم الرأي الخليجي بين مجموعتين كبيرتين، كل مجموعة لديها مبرراتها وقناعاتها تدعم من خلالها رأيها، وكلاهما على صواب.
المجموعة الأولى تحذر من التهويل والمبالغة في قوة تأثير الإخوان في المجتمع، وإمكانية عودتهم مرة ثانية لممارسة أساليبهم التخريبية. بل وصل الأمر بالبعض إلى الاعتقاد أن ردة الفعل الكبيرة والخوف منهم يضخمان من حقيقتهم ويصنعان لهم هالة إعلامية غير حقيقية، بينما هم في حقيقة الأمر هامشيون تكاد لا تجد لهم حضورا في المجتمع، وبالتالي فإن تجاهلهم هو الخيار الأنسب والأفضل.
المجموعة الثانية لديها قناعة بأن الفكر لا يموت بسهولة، بل نحتاج إلى وقت طويل ليمكننا الحديث عن تصفية المجتمعات وعودتها إلى نقائها وصفائها الإنساني. كما أن الحديث عن انتهاء تأثيرهم مازال مبكرا، فقد سبق لهم أن تغلغلوا في تفاصيل المجتمع، وهناك من يتعاطف معهم إلى يومنا هذا. أو من هم متحولون شكليا فقط، وهؤلاء لا يمكن معرفتهم بسهولة، وعودتهم للحديث قد تحيي بعض العواطف. وبالتالي، عودة الدردشة من خلال الكلوب هاوس ربما تشكل فرصة لهم للعودة إلى تحريك ما كان جامدا، خاصة وأن تجربة استغفال المجتمع بقوة تأثير الفيسبوك وتويتر عام 2012 مازالت حية.
الرأيان السابقان مهمّان في تقييم وضع هذا التنظيم، بعد مرور عقد من محاربة المجتمع له، وهروب أغلب أعضائه إلى تركيا. لكن الشيء الأهم هنا هو عدم تكرار الأخطاء والوقوع فيها مرة ثانية، من خلال الاستهانة والتساهل مع تحركاتهم التي تبدو “هامشية”، لأنها ربما عاودت الظهور والاتساع والالتفاف مرة ثانية.
ما هو المؤكد بالنسبة إلى الكثيرين، وأنا منهم، أن أسوأ مرحلة تمر بتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي في العالم منذ تأسيسه في 1930 إلى اليوم هي المرحلة الحالية، والسبب أنه خسر الرأي العام العربي وحتى الغربي بعد تجربة حكم فاشلة في مصر وبعد عدد من العمليات الإرهابية في دول عربية أخرى.
الشعوب، سواء في الدول العربية أو الدول الغربية، التي هرب أعضاء التنظيم إليها من عدالة بلدانهم، كانت الحاضنة والحامية لهم، ولكن اليوم تغير الوضع، وبالتالي دخولهم كلوب هاوس لم يكن من باب محاولة العودة، وإنما هو استبيان أجروه لمعرفة مدى قبول المجتمع لهم. وأعتقد أن ردة الفعل على ظهورهم كانت خير مؤشر على أنه لم يعد لهم مكان بيننا.
عن "العرب" اللندنية