الإخوان والفضاء الإلكتروني: كيف توظف الجماعة الإنترنت لتزييف الوعي؟

الإخوان والفضاء الإلكتروني: كيف توظف الجماعة الإنترنت لتزييف الوعي؟

الإخوان والفضاء الإلكتروني: كيف توظف الجماعة الإنترنت لتزييف الوعي؟


27/01/2024

رحلت جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم في مصر منذ قرابة عقد، وكرد فعل منذ ذلك الحين، قامت بوضع خطة متعددة المحاور، أهم محورين فيها هدم الدولة والسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال ما يسمى "اللجان الإلكترونية".

تمكنت أجهزة الدولة المصرية، بمساندة شعبية، من مواجهة المحور الأول بكفاءة، ولم تسمح بسقوط الدولة ولا ضعف مؤسساتها عن العمل، ولم يعد من الممكن عودة الإخوان للحكم في المدى المنظور، أما المحور الثاني فلا بد من الاعتراف أنّ الإخوان ما زالوا مسيطرين عليه، مما يعد خطراً على الوعي العام وخصوصاً لدى الشباب من الفئات العمرية الصغيرة التي تجهل أساليبهم.

سيطرة الإخوان على "السوشيال ميديا" تعود لإدراكهم بشكل مبكر لأهمية الإنترنت كأحد أهم الوسائل الجديدة للتواصل وتسريب المعلومات؛ ففي لحظات يمكن للفرد معرفة كل شيء عن حدث، ونظراً لاستسهال الشباب في تحصيل المعلومات الجاهزة، سايرهم الإخوان في ذلك لكن وفق أفكار الجماعة أو كما يريدون، لهذا انتشروا في الفضاء الإلكتروني يقدمون أفكارهم، وأصبح وعي الشباب مرهوناً بضغطة أخرى لتزييف وعيه وإدراكه، وبات الفضاء الإلكتروني ساحة لمعركة جديدة في حروب الوعي، وسيطرة العقول مع انتشار ما يسمى بـ"اللجان الإلكترونية".

اللجان الإلكترونية حسابات وهمية تستهدف توحيد المعنى أو الفكرة التي يسعى الإخوان لترديدها خلال فترة محددة

في هذا السياق، قامت الجماعة بتدريب خلايا إخوانية على مستوى عالٍ، لتتولى إعداد الملفات والدراسات، وتخطط الحملات الدعائية الموجهة، أو التي يريدون تمريرها للمجتمع، هذه الحملات تستهدف وعي شباب الأمة العربية والإسلامية بأفكار مغلوطة أو جرفهم لمعارك جانبية تستهلك طاقتهم، ولا تستهدف نشر رسائل الإخوان مباشرة أو الكتابة عن تاريخهم، أو إبراز شخصياتهم، فهذه مهمة لصفحات الإخوان الرسمية، أما اللجان فمهمتها الحديث العام، وعرض السلبيات والتركيز عليها، وفق تكتيكات المقاومات السلمية وخيار "حرب اللاعنف" بهدف تأجيج الصراعات الداخلية.

اقرأ أيضاً: أوروبا تتوجس شراً من الإخوان بعد نقل قيادة الجماعة

يستخدم الإخوان ثلاث فئات لنشر أفكارهم: الأولى اللجان الإلكترونية وهي حسابات وهمية تستهدف توحيد المعنى أو الفكرة التي يسعى الإخوان لترديدها خلال فترة محددة، ومنها حسابات نسائية تابعة للتنظيم تقوم بالترويج لما تريده الجماعة وهم عدد كبير ومؤثر، ثم باقي حسابات الإخوان ومحبيهم الذين يتلقون هذه "الهشتاغات" بالقبول ومن ثم نقل مضمونها لمحيطهم عبر الالتقاء المباشر سواء في المواصلات أو الجلسات العائلية أو مع الأصدقاء على المقاهي أو بين جلسات سمر الطلاب، مما يشعر المتلقي من كثرة ترديد هذه المعاني أو تلك الأفكار أنها حقيقية وصادقة.

تركزت آلية عمل الإخوان للسيطرة على الوعي العام لمرتادي الفضاء الإلكتروني، أولاً عبر سيطرتهم على منصات إعلامية متعددة الوثائق ومختلفة، تتبنى أكاذيب الإخوان وتتحدث بلسانها لتظهرها كأنها حقيقة مؤكدة. ثانياً تفعيل ما يسمى "غرف التصدي" وهو المصطلح الذي يستخدم للدلالة على تضخيم حدث أو فكرة أو تسليط الضوء عليها بما يسهم بتعزيز المعتقدات الفئوية وإيهام الأغلبية بأنها معتقدات سائدة عند الجميع، مثل مشاركتهم  لـ"التريند" المقصود على "تويتر" بأعداد كبيرة، وفي سبيل ذلك يحاول الإخوان إثبات ادعاءاتهم بطرق عدة، لعل أبرزها الفيديوهات المفبركة، التي تعود لسنوات ماضية بل وبعض هذه الفيديوهات يكون من خارج مصر!

سيطرة الإخوان على "السوشيال ميديا" تعود لإدراكهم المبكر لأهمية الإنترنت كأحد أهم الوسائل الجديدة للتواصل وتسريب المعلومات

حول خطورة اللجان الإلكترونية الإخوانية على الوعي العام العربي والإسلامي، يقول الكاتب والباحث السياسي طارق البشبيشي: "على مدار تاريخ الجماعة ارتكب الإخوان الكثير من الجرائم، لكن أكثرها خطراً وتأثيراً هو جرائم تشكيل الوعي لدى الفتيان والشباب"، مضيفاً  في تصريحه لـ"حفريات": الجماعة طالما استغلت أحدث الطرق والوسائل للوصول إلى الشباب، وشهد التنظيم بداية من الألفية الثانية بروز فكرة الكتائب الإلكترونية".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: انشقاقات واتهامات بالفساد وارتباك إعلامي بعد "تسريبات كلينتون"

وأكد البشبيشي أنّ أصل تلك الميليشيات الإلكترونية بدأ على يد خيرت الشاطر، نائب المرشد الأول عندما كان مهدداً بالحبس على ذمة قضايا أمنية، "إذ كلف اللجان بالدفاع عنه شعبياً، ثم تطورت لتقوم بدور المهاجم، فقامت بمهاجمة المعارضين وتشويههم، وعندما قامت ثورة يناير روج الإخوان لأنفسهم بأنهم أكبر قوة يمكن أن تحمي مصر، فصدقهم البعض وانخدع بهم، وبالتالي سيطروا على مجلس الشعب، ثم عندما تولوا الحكم فشلوا في الترويج لإنجازات مندوبهم في الرئاسة محمد مرسي، باتت مصداقيتهم على المحك، ومع ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 لم يكن لدى الإخوان إلا لجانهم الإلكترونية لبث الإحباط والفوضى بعدما فشلوا في هدم الدولة".

وعن استغلال الإخوان للفضاء الإلكتروني داخلياً لصالح التنظيم، كتب عمرو فاروق على صفحته في "فيسبوك": "لم يكتف الإخوان باستغلال التكنولوجيا في محاولة تشكيل الوعي للشباب بل استخدموه لضبط الجماعة وعقد اللقاءات التربوية"، موضحاً: "جماعة الإخوان تنقل اجتماعاتها ولقاءاتها الفكرية والتنظيمية مع عناصرها وقياداتها من داخل المساجد والبيوت والشقق السكانية إلى ساحة الفضاء الإلكتروني، للهروب من أزمة الملاحقات الأمنية، وتلجأ إلى تطبيقات متنوعة مثل: ClickMeeting Webinars، وZOOM Cloud Meetings، وGoToWebinar، وEasyWebinar".

 بات الفضاء الافتراضي ساحة لمعركة جديدة بحروب الوعي وسيطرة العقول مع انتشار لجان الإخوان الإلكترونية

وأضاف فاروق: "يتم حالياً عبر هذه التطبيقات إجراء مجموعة من المحاضرات المعنية بتصحيح الرؤية، والإشكاليات الفكرية والسياسية التي وقعت فيها الجماعة خلال تصدِّرها للمشهد السياسي في مصر عقب أحداث ثورة يناير 2011، وسقوطها شعبياً وسياسياً، وتفككها تنظيمياً، منذ ثورة يونيو 2013، فضلاً عن المحاضرات تناولت الحديث حول مفاهيم وحدة ولمّ الصف الإخواني، وكيفية خروج الجماعة من كبوتها، وإعادة تقديم نفسها مرة أخرى للرأي العام على أنها كيان سياسي، ودراسة قدرتها على البقاء والانتشار وانسجامها مع الشارع المصري، ومسارات توظيفها للإمكانيات والظروف المتاحة في ظل النظام السياسي الحالي".

اقرأ أيضاً: مصدر واحد هدف واحد: تفكيك الشبكات المعقدة للإعلام التابع لجماعة الإخوان المسلمين

إنّ معركة الإخوان للسيطرة على الفضاء الإلكتروني لم تكن سهلة، ويمكن القول إنها مرت  بثلاث مراحل، المرحلة الأولى: أولاً بالدفاع عن الإخوان؛ بعد استبعادهم من الحكم، فقد شككوا في صحة المظاهرات التي طالبت بعزل محمد مرسي، فقد قاموا باتهام الدولة وأجهزتها بارتكاب مذابح ضدهم وهم عزّل وأبرياء، وانصبت جهودهم على التأكيد على شرعية الرئيس المعزول، وعدم صحة تغييره حتى بالمظاهرات، واعتبروا انحياز القوات المسلحة للشعب المتظاهر انقلاباً.

البشبيشي: ارتكب الإخوان الكثير من الجرائم لكن أكثرها خطراً وتأثيراً إعادة تشكيل وعي الفتيان والشباب

 المرحلة الثانية: وهي السعي لهدم أجهزة الدولة عبر الهجوم على القوات المسلحة باتهامهم بجرائم في سيناء، وتصوير ما تم من تطهيرها من بؤر الإرهاب المسلح متعدد الجنسيات بأنه هجوم على أهالي سيناء الابرياء، وكافة الأخبار الملفقة عن سيناء وما يحدث فيها.

أما المرحلة الثالثة الحالية: فهي تستهدف التأكيد على مظلومية الإخوان والترويج أنّ الدولة تقتلهم ظلماً، أو التمهيد لهم بهشتاغ "ماذا تريد أن تقول للإخوان؟" وهو هشتاغ يحيي وجود الإخوان في الفضاء الإلكتروني عبر تكليف فريق يدافع عنهم بطريقة ناعمة، بأن يبدأ بالهجوم على مرسي وأنه لم يكن يصلح للحكم، ثم الانتقال للفكرة الأساسية وهي أن ما يحدث مع الإخوان عقاب قاسٍ وظالم وأكبر من مجرد خلاف سياسي، فيؤسسون وعياً زائفاً إضافة إلى الكثير من المغالطات المنطقية.

البشبيشي: الميليشيات الإلكترونية بدأت على يد خيرت الشاطر عندما كان مهدداً بالحبس على ذمة قضايا أمنية

ومما ساعد الإخوان في مهمتهم التخريبية عدم وجود محتوى إعلامي مقابل مهني محترف للرد عليهم عند ذات الفئات المستهدفة، لهذا ليس من الحكمة الاكتفاء بالحلول الأمنية في المواجهة، بل يجب كشف وفضح محاولاتهم للتسلل لعقول الشباب، بكشف وفضح الوعي الإخواني الزائف وإزاحته بمشروع قومي توعوي واقعي، يلبي احتياجات الشعوب والشباب على وجه الخصوص.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية