الإخوان والبدلة الحمراء

الإخوان والبدلة الحمراء

الإخوان والبدلة الحمراء


27/05/2023

منير أديب

إحالة أوراق 8 من قيادات الإخوان مؤخرًا، إلى مفتي الديار المصرية، بينهم مرشد التنظيم محمد بديع، لأخذ الرأي الشرعي في حكم الإعدام، هو استفتاء جديد على شرعية التنظيم أولًا وعلى استخدام قادته للعنف ثانيًا.

فقد سبق ووجهت إدانات سياسية وأمنية وشعبية وقضائية أيضًا على استخدام الإخوان للعنف؛ وفق معطيات تتعلق إما بالممارسة أو التحريض عليه.

تجليات هذا الاستخدام ظهرت في أوائل الأربعينات من القرن الماضي وتحديدًا بعد المؤتمر الخامس الذي عقده المؤسس الأول للتنظيم في العام 1939 حيث تم إنشاء ذراع عسكرية للجماعة تحت اسم "النظام الخاص"، وبعد العام 2013 كان من ثمرته إنشاء ميلشيات مسلحة مثل حركتي: سواعد مصر.. حسم، ولواء الثورة.

لن يتورط الكاتب في التعليق على الأحكام القضائية، لكنه سيبحث عن دلالات هذه الأحكام وتأثيرها على التنظيم الذي صنفته السلطات المصرية كجماعة إرهابية في أواخر عام 2013، فتم تجريمه بصورة رسمية.

هناك عدة أشكال للتقاضي، يحق فيها للمتهم أن يعترض على الحكم الصادر في حقة أمام محكمة النقض، أعلى محكمة مصرية، وفي درجات تقاضٍ أخرى أمام نفس المحكمة التي تنظر القضية، بعدها تُصبح الأحكام نافذة ولها قدسية القانون، وتشرع بعدها السلطات في تنفيذها.

حكم الإعدام الأخير الصادر في حق مرشد الإخوان وآخرين يعود لمحاكمة استمرت عشر سنوات كاملة، ثم أعطت المحكمة حقًا للمتهمين وهم: محمد بديع، محمد البلتاجي، صفوت حجازي، محمود عزت، عمرو ذكي، أسامة ياسين، عاصم عبد الماجد، محمد عبد المقصود، حق الطعن على الحكم أمام محكمة النقض في غضون شهرين من صدور الحكم.

وهنا تُعطي السلطة القضائية الحق الكامل للمتهم في الدفاع عن نفسه والتقاضي أمام أكثر من محكمة حتى إذا صدر الحكم يكون واجب النفاذ، ولا يجوز الاعتراض عليه بأي صورة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو بخلاف ذلك، خاصة وأن السلطة القضائية ليس لديها مصلحة في تجريم أو تبرئة متهم، بقدر سلطاتها وحقها في تطبيق القانون.

سبق وصدرت أحكام إعدام في 14 يونيو/حزيران من العام 2021 بحق 12 مذنبًا من قيادات جماعة الإخوان، ورغم مرور قرابة عامين على صدور الحكم النهائي على المذنبين من قبل محكمة النقض، إلا أن السلطات لم تنفذ الحكم على الأقل حتى كتابة هذه السطور، خاصة وأن تنفيذ هذه الأحكام تتطلب تصديق رئيس الجمهورية، بعدها تقوم النيابة العامة وقطاع السجون بتحديد موعد التنفيذ في حضور مأمور وطبيب السجن.

أوغل الإخوان في دماء الأبرياء، سواء من خلال تحريض القيادات لشباب التنظيم على ممارسة العنف أو مواجهة السلطات الأمنية، مما ترتب عليه قتل ضباط الشرطة والجيش وبعض المدنيين أو المختلفين معهم. ويتحمل الإخوان جزءًا من مسؤولية الدماء التي أريقت طيلة العشر سنوات الأخيرة، عبر ممارسة العنف أو التحريض عليه، وهذا كان دور الإخوان المحوري في الكثير من حوادث العنف التي أعقبت فض اعتصام رابعة العدوية.

مشكلة الإخوان لا تختلف كثيرًا عن مشكلة تنظيمات الإسلام السياسي الأكثر تطرفًا؛ فكل هذه التنظيمات مارست العنف وأصلّت له ثم ادعت بعد ذلك أنه كان بمثابة رد فعل على بعض الممارسات السياسية، رغم أنها مارست هذا العنف مع سبق الإصرار والترصد من خلال إعطائه صبغة شرعية.

هذا جزء من تدليس الإخوان والجماعات الإرهابية التي تمارس العنف، فهي ليس عندها ولا لديها مشكلة في قلب الحقائق والكذب باسم الدين، فهل تتورع هذه التنظيمات في الكذب وهي تقتل النّاس؟

السلطة السياسية لا تتدخل في عمل القضاء المصري بدليل أن القضية التي صدر فيها حكم بإحالة أوراق مرشد الإخوان وآخرين إلى مفتي الديار المصرية ظلت منظورة أمام القضاء عقدا كاملا من الزمن، والحكم سيكون محجوزًا للحكم في 20 سبتمبر/أيلول المقبل، فضلًا على ما تم الإشارة إليه سابقًا من أن السلطات لم تنفذ حكم الإعدام على آخرين؛ بينهم متهمون في نفس القضية رغم صدور حكم إعدام نهائي قبل عامين!

هذه الأحكام هي استفتاء جديد على علاقة الإخوان بالعنف، أجرته السلطة القضائية التي سبق وأدانت الإخوان مئات المرات بممارسة العنف بعد محاكمة وتحقيق استمر سنوات طويلة، في كل مرة يعترف خلاله المذنبون بالجرائم.

وبالمناسبة، فإن قيادة الجماعة تنفي عن نفسها تهمة الممارسة أو التحريض، رغم أنها تقوم بالدفاع عن المتهمين من قبل محامي الجماعة، كما حدث في أول انقلاب عسكري قامت به الجماعة من خلال شبابها في العام 1977.

عاش المصريون أحداث العنف التي شاركت فيها الجماعة إما بالممارسة أو بالتحريض؛ ففصول هذا العنف كانت قريبة الزمن ومازالت الجماعة تُحرض عليه، وهنا يمكن القول: إن الحكم أجلى هذه الحقيقة التي مازلت عالقة بالذاكرة المصرية والعربية.

وباتت خيارات الإخوان في القفز على الأحكام القضائية أو محاولة تشويه السلطة السياسية بلا جدوى؛ فالأحكام الصادرة في حقهم مجرد انعكاس لواقع عاشه المصريون وباتوا شهودًا عليه، وهو ما سوف يؤثر على بقاء التنظيم بعدما لفظ أنفاسه شعبيًا وسياسيًا والحكم يؤكد أنه بات يلفظ أنفاسه قضائيًا أيضًا.

يرتدي الإخوان البدلة الحمراء استعدادًا لتنفيذ أحكام الإعدام بعد أن بات مصيرهم معروفًا، أتيحت لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم عبر محاكمة استمرت 10 سنوات ومازال أمامهم حق الطعن على الحكم، بعدها يبقى قرار تنفيذ هذه الأحكام أو تخفيفها أو العفو عنهم بيد رئيس الجمهورية.

سبق وارتدت الجماعة البدلة الحمراء، لكنها بدلًا من التخلص من الدماء التي علقت بها، استخدمت أحكام الإعدام الصادرة بحقها في اللعب على وتر المظلومية وخلق ثأر جديد دفع التنظيم وشبابه وقياداته بعد عشرات السنين للعنف، الذي بات جزءًا أصيلًا من البناء التكويني والوجداني والمعرفي للتنظيم الذي لن يتخلى عنه مهما طال عمره.

عن "العين" الإخبارية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية