ما تزال المواجهة الألمانية والأوروبية عموماً مستمرة ضد تنظيم الإخوان الذي يمثل مصدر تهديد وخطر متزايد داخل تلك المجتمعات، خاصة مع تنامي العمليات المتعلقة بالتطرف الإسلاموي خلال الأعوام الماضية وتورط الجماعة بشكل مباشر فيها في المجتمعات الأوروبية، وتشير تقارير إلى أنّ جماعة الإخوان باتت واحدة من أكثر التنظيمات الإسلامية تأثيراً في المجتمعات الأوروبية، وقد تمثل تحدياً حقيقياً للنظام الديمقراطي في البلدان التي تنشط فيها.
تحذيرات استخباراتية جديدة
وفقاً لتقرير صدر في أيلول (سبتمبر) الماضي عن مكتب حماية الدستور في ولاية هيسن، حاول أنصار جماعة الإخوان المسلمين خلال الـ (12) شهراً الماضية الحصول على قبول مجتمعي عبر الالتزام الاجتماعي والحوار، و تُعتبر هذه الاستراتيجية جزءاً من خطتهم الشاملة لتقديم أنفسهم كمجموعة معتدلة تسعى للمساهمة في المجتمع الألماني، من خلال تنظيم الفعاليات الثقافية والاجتماعية، وتأمل الجماعة في تحسين صورتها العامة، ممّا يسهل على أعضائها الاندماج في الحياة اليومية.
علاوة على ذلك يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسائلهم والتواصل مع فئات متنوعة من المجتمع، خاصة بين الشباب، ويشير التقرير إلى أنّ مثل هذه الأنشطة تسهم في تعزيز موقفهم وتقديمهم كأطراف فاعلة في النقاشات المجتمعية والسياسية، ممّا يصعب على المجتمع التعامل مع تهديداتهم الحقيقية، كما يُظهر هذا الاتجاه مدى تفاني الجماعة في بناء شبكة علاقات، لكي ينظر إليهم كجزء من النسيج الاجتماعي، رغم أنّ الأهداف الكامنة وراء هذه الأنشطة قد تكون بعيدة كل البعد عن القيم الديمقراطية.
كذلك تشكل جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا تهديداً محتملاً للنظام الديمقراطي، وفقاً للتقرير. وتسعى الجماعة إلى التغلغل في المجتمع من خلال أنشطة تعليمية واجتماعية، مستخدمةً منظمات مثل الجالية المسلمة الألمانية وسيلة لنشر إيديولوجيتها. ورغم محاولات الإخوان الظهور بمظهر المحايد، فإنّ أهدافهم تتجاوز ذلك، فهم يسعون لتأسيس دولة تستند إلى تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية.
منظمة الجالية المسلمة الألمانية
كذلك أشار التقرير إلى أنّ منظمة الجالية المسلمة الألمانية (DMG) باتت واحدة من أبرز الكيانات التي تمثل إيديولوجية جماعة الإخوان في البلاد، وتضم هذه المنظمة مجموعة واسعة من جمعيات المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في أنحاء ألمانيا، ممّا يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في المجتمع. تأسست هذه المنظمة لتكون صوتاً للجالية المسلمة، لكنّها في الواقع تلعب دوراً محورياً في تعزيز الإيديولوجية الإخوانية. ومن خلال الارتباط بجماعات أخرى ومشاركة الموارد، يتمكن أعضاء الجماعة من تعزيز أنشطتهم تحت غطاء العمل المدني.
هذا الغطاء يساعدهم، وفق التقرير، في التوسع دون مواجهة عواقب مباشرة، ممّا يسهل عليهم العمل بحرية. علاوة على ذلك تستغل المنظمة مناسبات دينية وثقافية لتسليط الضوء على تواجدهم وإظهار التزامهم بالقيم الديمقراطية، بينما يسعون في الوقت نفسه إلى تغيير المفاهيم التي تحكم هذه القيم، كما تعتمد هذه الاستراتيجية على التلاعب بالصورة العامة، ممّا يجعل من الصعب على المجتمع إدراك الطبيعة الحقيقية لأهدافهم، وبهذا تستمر الجماعة في توسيع نفوذها دون تعريض نفسها لمزيد من التدقيق.
الأنشطة التعليمية والإعلامية
في الأعوام الأخيرة شهدت ألمانيا تزايداً في الأنشطة التعليمية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، بحسب التقرير، ممّا يعكس استراتيجيتهم الهادفة إلى نشر أفكارهم بين الشباب والناطقين باللغة الألمانية، ويُعدّ المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في فرانكفورت أحد الكيانات المرتبطة بالجماعة، ويقوم بتقديم برامج تعليمية تهدف إلى تكريس الإيديولوجية الإخوانية بين الناطقين بالألمانية.
تسعى الجماعة إلى التغلغل في المجتمع من خلال أنشطة تعليمية واجتماعية، مستخدمةً منظمات مثل الجالية المسلمة الألمانية وسيلة لنشر إيديولوجيتها، ورغم محاولات الإخوان الظهور بمظهر المحايد، فإنّ أهدافهم تتجاوز ذلك، فهم يسعون لتأسيس دولة تستند إلى تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية.
هذه البرامج التعليمية ليست مجرد وسائل لنقل المعرفة، بل هي منصات لنشر الأفكار والمفاهيم التي تدعم رؤية الجماعة، إضافة إلى ذلك، يتم تنظيم فعاليات ثقافية ودينية تهدف إلى تعزيز هذه الأفكار في المجتمع. وعلى سبيل المثال شارك أعضاء من جماعة الإخوان كمحاضرين في العديد من المحاضرات وورش العمل التي ينظمها المعهد، ممّا يمنحهم منصة للتأثير على آراء الناس. وتُظهر هذه الأنشطة كيف أنّ الجماعة تسعى إلى استغلال القنوات التعليمية والدعوية لتحقيق أهدافها. وعندما يُطلب من الشباب المشاركة، يشعرون بأنّهم جزء من حركة أكبر، ممّا يسهل عملية جذبهم إلى الإيديولوجية الإخوانية، ومع مرور الوقت، قد يؤدي ذلك إلى تغيير في المواقف والقيم لدى الأجيال الجديدة، وهو ما يمثل تهديداً حقيقياً للمبادئ الديمقراطية.
هيكل تنظيمي سري خطير
يكشف التقرير الصادر عن الاستخبارات الألمانية وجود هيكل واضح لجماعة الإخوان في أوروبا، حيث تمتلك هذه الجماعة شبكة واسعة من المنظمات المرتبطة بها، وتضم هذه الشبكة منظمات متعددة مثل مجلس مسلمي أوروبا والمجلس الأوروبي للأئمة، ممّا يعكس قدرة الجماعة على التنظيم والتنسيق عبر القارات، ومن خلال هذه الهياكل تعمل الجماعة على تعزيز إيديولوجيتها ونشرها بطرق مختلفة؛ بدءاً من الفعاليات الثقافية وصولاً إلى الأنشطة السياسية، وتعتمد الجماعة على العمل تحت أسماء مختلفة، ممّا يسهل عليها العمل بشكل غير مرئي، وهذا التوجه يسمح لهم بالتفاعل مع المجتمع بطريقة تجعل من الصعب كشف نشاطاتهم الحقيقية. ومن خلال التعاون مع منظمات أخرى، تكتسب الجماعة مصداقية أكبر، ممّا يساعدها في توسيع نفوذها.
ووفق التقرير، تمنح هذه الشبكة المعقدة جماعة الإخوان القدرة على التأثير على السياسات المحلية، حيث يمكن لأعضائها الظهور بمظهر الشركاء المحايدين في الحوار المجتمعي، هذا الأمر يشكل تحدياً حقيقياً للمجتمع، حيث يصبح من الصعب تحديد أهداف الجماعة الحقيقية في سياق العمل المدني والسياسي.
التهديدات المحتملة
بحسب التقرير، تشكل جماعة الإخوان المسلمين تهديداً محتملاً للنظام الديمقراطي في ألمانيا، حيث تسعى إلى تحقيق أهداف تتعارض مع القيم الديمقراطية الأساسية، وتشير التقارير إلى أنّ الجماعة تسعى لتأسيس دولة تتماشى مع تفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية، وهو ما يعني تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية، من خلال فرض قيود على حقوق المرأة والأقليات الدينية، والحدّ من حرية الصحافة والتعبير، وتسعى الجماعة إلى خلق بيئة تتناسب مع إيديولوجيتها المتطرفة.
وهناك دعوات من بعض أعضائها لاستخدام العنف وسيلة لتحقيق الأهداف، ممّا يعكس الطبيعة المتطرفة لبعض جوانب الإيديولوجية الإخوانية، وهذا الأمر يعكس قلقاً حقيقياً حول قدرة الجماعة على التأثير في السياسات المحلية وفرض رؤيتها على المجتمع. ويحذّر التقرير من أنّ الأنشطة المتزايدة للجماعة يمكن أن تقوض الحريات الأساسية التي تميز النظام الديمقراطي، ممّا يستدعي تحركاً فاعلاً من قبل السلطات والمجتمع للتصدي لهذه التهديدات، بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع المدني أن يكون أكثر وعياً لهذه الأنشطة، وأن يتبنّى استراتيجيات للتعامل مع هذا التحدي.
استراتيجية الحوار والتغلغل
تستمر جماعة الإخوان المسلمين في ولاية هيسن في اعتماد استراتيجيتها القائمة على الحوار والتغلغل في السياسة والمجتمع. وبالرغم من التحديات التي تواجهها الجماعة، إلّا أنّها تسعى إلى تحسين صورتها العامة من خلال العمل ضمن الأطر القانونية والسياسية المعمول بها في ألمانيا. هذا الأمر يمنحهم فرصة للتفاعل مع صانعي القرار والمشاركة في النقاشات العامة، ممّا يساعدهم على تحقيق أهدافهم بشكل تدريجي.
وتقدم الجماعة نفسها ككيان معتدل يسعى إلى المساهمة في المجتمع، ممّا يصعب على المجتمع المدني إدراك نواياهم الحقيقية، ويتضمن هذا التوجه استغلال القنوات الإعلامية والتواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على إنجازاتهم، ممّا يساهم في تعزيز موقفهم في المجتمع. وعلى الرغم من المظاهر القانونية التي يتبنّونها، فإنّ الأهداف الكامنة وراء هذه الأنشطة يمكن أن تكون بعيدة كل البعد عن القيم التي تُعتبر أساس الديمقراطية، وبالتالي يُعدّ من الضروري أن يبقى المجتمع منتبهاً لهذه الأنشطة، وأن يتخذ خطوات لمواجهتها، لكي لا يتحول التفاعل مع الجماعة إلى تهديد حقيقي للقيم والمبادئ الديمقراطية.