الإخوان المسلمون وتركيا: العلاقة الوظيفية ومآلات التنظيم

الإخوان المسلمون وتركيا: العلاقة الوظيفية ومآلات التنظيم


20/12/2020

تعود أواصر العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة التركية، إلى ما قبل أحداث "الربيع العربي"، وبالتحدد عندما بدأت أنقرة في الترويج لأيديولوجيتها الجديدة، التي تبناها حزب العدالة والتنمية، الذي قام على أنقاض حزب الرفاه، بتوجهه نحو العالم الإسلامي، تحت غطاء الأيديولوجيا العثمانية، التي تعني استدعاء لحظات من التاريخ العثماني القديم، مع التوجه بها صوب المناطق التي كانت تحكمها الدولة العثمانية، وعلى رأسها المنطقة العربية، وفي ضوء ذلك نجحت أنقرة، بمساعدة الأذرع الإخوانية في المنطقة العربية، بوجه عام، وفي مصر بوجه خاص، في نشر هذا التوجه العثماني الجديد، الذي تبنته جماعة الإخوان، باعتبار رجب طيب أردوغان، هو بطلها المنتظر.

استدعاء جماعة الإخوان المسلمين

يأتي قيام الدولة التركية، باستدعاء جماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي العربي، في ضوء الأدوار الوظيفية لهذه الجماعة، التي تبنّت بوضوح الأيديولوجيا التركية، الخاصة باستخدام معطيات الإسلام السياسي، لفرض الهيمنة والسيطرة على القواعد الشعبية، ومن ثم الدخول في مرحلة التمكين والسيطرة والهيمنة على النظام السياسي العربي، حيث فتحت أحداث "الربيع العربي"، المجال لهذه الأيديولوجيا، لكي تعبر عن نفسها وتتجلى بوضوح في المشهد السياسي، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، وفي أكثر من منطقة عربية.

وبالتالي يمكن هنا الكشف عن العلاقة الوظيفية، التي تحكم سياق التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين وتركيا، بزعامة حزب العدالة والتنمية، ورئيسه رجب طيب أردوغان، حيث تقوم الجماعة بتقديم عدة خدمات لتركيا، على المستوى السياسي، من ضمنها فتح المجال للنفوذ التركي جنوباً نحو المتوسط، وشمال أفريقيا، وكذا منطقة الساحل والصحراء في غرب أفريقيا، ومن ناحية أخرى تفرض أنقرة نوعاً من أنواع الهيمنة السياسية على معطيات المشهد السياسي العربي، من خلال وجود تنظيم سياسي تابع لها، يلعب دوراً في تأكيد هيمنة تركيا على المنطقة العربية بشكل عام، بزعم بعث دولة الخلافة، وإعادة بناء الأطر الوظيفية للحكم الإسلامي، الذي يدعي أردوغان، أنّه بصدد إعادته إلى الوجود مرة أخرى.

نجحت أنقرة في نشر التوجه العثماني الجديد الذي تبنته جماعة الإخوان باعتبار أردوغان بطلها المنتظر

وفي ضوء الدور الوظيفي لتركيا، لخدمة توجهات واشنطن في المنطقة، يطرح أردوغان نفسه، كوكيل عن العرب، زاعماً قدرته على حل المشكلة الفلسطينية، وحسم التناقضات السياسية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتأمين إمدادات البترول العربي، ويتطلع أردوغان من وراء هذه الزعامة الواهية، إلى القيام بأدوار جديدة، تمكنه من حسم الصراع الداخلي مع المعارضة التركية، والإفلات من الانهيار الاقتصادي، ومحاولة التمدد في منطقتي القوقاز وشرق المتوسط، وبالتالي تأتي أهمية الإخوان كورقة رهان، لممارسة الضغط الإقليمي، وتعبئة القواعد الشعبية.  

يأتي قيام الدولة التركية باستدعاء الإخوان في المشهد السياسي العربي في ضوء الأدوار الوظيفية لهذه الجماعة

ويؤكد الباحث السياسي الدكتور إبراهيم مسلّم، أنّ "تركيا وجدت في جماعة الإخوان ورقة قوية، للتدخل في شؤون الدول العربية، وأيضا لقيادة العالم العربي والإسلامي، وبالمقابل وجدت هذه الحركة دولة ترعاها وتدعمها، لذلك نجد أنّ حلفاء تركيا، في المنطقة، مثل قطر، يقدمون بالضرورة الدعم للجماعة، في سياق بناء تحالف إقليمي، يكون الإخوان فيه ذريعة، ليس إلا، لتحقيق أجندة سياسية بامتياز".

الباحث السياسي إبراهيم مسلّم

وأضاف مسلم في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ قيادات الإخوان المسلمين يجدون في تركيا الملاذ الآمن لمشروعهم العابر للحدود، ويرون أردوغان بمثابة الراعي لهذا المشروع، ولكن في نفس الوقت يتفاجأ الكثير من هؤلاء بأنّهم أصبحوا مجرّد أدوات صغيرة، تؤدي عدة أدوار وظيفية محدّدة، في خدمة مشروع قومي تركي، لا يمثّل الدين فيه سوى واجهة للتسويق.

 الإخوان المسلمون من السلطة إلى العمالة

جملة الأدوار التي تؤديها جماعة الإخوان، تتلاقى مع أهداف التنظيم، حيث إنّ الجماعة التي وجدت نفسها بشكل مفاجئ على رأس السلطة، وفي مقدمة المشهد السياسي العربي، في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، كانت تفتقد إلى مقومات الحكم، فضلاً عن القدرة على السيطرة على مفاصل الدولة، ومن ثم حاولت الاستعانة بالخبرات التركية في هذا الشأن، أيضاً حاولت الجماعة تكريس هيمنتها على القواعد الشعبية، عن طريق دعم خطاب أيديولوجي إسلامي، بمعاونة الدولة التركية.

إبراهيم مسلم: قيادات الإخوان المسلمين يجدون في تركيا الملاذ الآمن لمشروعهم العابر للحدود

وبعد أحداث 30 حزيران (يونيو) العام 2013، التي نتج عنها سقوط الجماعة في مصر، وخروجها من المشهد السياسي، وملاحقتها والضغط الأمني عليها، حاول الإخوان المسلمون إيجاد ملاذ آمن في تركيا، واستدعاء مساعدة أنقرة لإعادة الجماعة مرة أخرى للحكم، وأصبحت المنابر الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، والمتحالفين معها من المرتزقة في تركيا، هي لسان حال الجماعة، التي أصبحت تروج لمظلوميتها الجديدة، بدعم مالي من المحور التركي القطري .

اقرأ أيضاً: تجفيف شبكات "الإخوان" المالية

من جهة أخرى، حاولت فلول الإخوان في ليبيا، استدعاء التدخل التركي، بكافة الأشكال الممكنة، لدعم حكومة الوفاق التي كانت على شفا السقوط النهائي، وفي المقابل تطلّعت تركيا إلى دور عسكري، تمد من خلاله قدماً نحو جنوب المتوسط، لإزعاج مصر، والهيمنة على حقول الغاز في شرق المتوسط، من خلال اتفاقية ترسيم الحدود الوهمية، التي وقعتها مع حكومة السراج، التي أمدتها تركيا في المقابل بالمرتزقة والسلاح والعتاد، قبل أن تنخرط بشكل كامل في الصراع العسكري، بعد موافقة البرلمان التركي علي التدخل المباشر.

حاولت فلول الإخوان في ليبيا استدعاء التدخل التركي لدعم حكومة الوفاق التي كانت على شفا السقوط

وحاولت تركيا من خلال هذا الدعم تصعيد الإخوان المسلمين، ووضعهم كفاعل مركزي في المعادلة السياسية في ليبيا، لتصبح الجماعة، وذراعها السياسي، المتمثل في حزب العدالة والبناء، غطاءً للتوسع العسكري والهيمنة السياسية التركية في ليبيا، ومن ثم فإنّ المجموعات الإخوانية، باتت تؤدي عدة أدوار، تليق بمرتزقة، لبسط هيمنة تركيا على غرب ليبيا.

اقرأ أيضاً: لماذا بارك الإخوان تطبيع المغرب وشيطنوا تطبيع الآخرين؟

في هذا السياق، يرى الباحث والإعلامي المصري، رامي شفيق، أنّ علاقة جماعة الإخوان المسلمين مع تركيا في ظل قبضة حزب العدالة والتنمية، وهيمنة رجب طيب أردوغان على كافة مفاصل الدولة، "تبدو نموذجاً صحيحاً لتمثلات الاستراتيجية السياسية للجماعة، وكذا النمط البراجماتي الذي يميز رجب طيب أردوغان، وذلك عبر مجموعة المتغيرات التي عصفت بالشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، الأمر الذي تمثل في إيواء ورعاية عدد كبير من قيادات الجماعة في أنقرة، ودعم الآلاف من المرتزقة مالياً ولوجيستياً، مقابل دفعهم نحو ساحات الصراع التي ينخرط فيها أردوغان".

الباحث والإعلامي المصري رامي شفيق

ولفت شفيق، في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ "ذات السياق يمكّن من قراءة وإدراك التفاعل التركي مع حركة النهضة في تونس، وزعيمها راشد الغنوشي، الذي يمارس ذات المهمة في رفع راية المصلحة الأيديولوجيّة بوضوح، على حساب المصلحة الوطنيّة والأمن القومي التونسي، ويمكننا التقاط ذلك حين يشير الغنوشي، غير مرة، في لقاءاته واتصالاته المتكررة مع أردوغان، إلى المصالح المشتركة التي تجعل من ليبيا أولويّة لديه، بينما يهاجم كلّ من يسعى إلى فكّ التحالف والارتباط بينه وبين حكومة الوفاق، وميليشياتها المدعومة من أنقرة، كما أنّ تونس في عقل أردوغان بوّابة ذهبيّة، ونقطة مهمّة للعبور والتمكّن من منطقة الشمال الأفريقي، حيث تقوم العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان على مبدأ المنفعة المتبادلة، إذ تدعم أنقرة الجماعة بالمال والإيواء، في الوقت الذي تستخدمهم لصالح خططها التوسعية بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى النحو الذي يجسد إعادة إحياء "الإمبراطورية العثمانية"".

رامي شفيق: رغم دعم أنقرة للتنظيم غير أنّ هدف أردوغان الرئيس يتجاوز منطق الأيديولوجيا ويتمركز حول المصالح

أويختتم شفيق بالتأكيد على إنّه "رغم الدعم الذي تقدمه أنقرة لتنظيم الإخوان المسلمين، وواقع اعتبار حزب العدالة والتنمية أحد أذرع تنظيمات الإسلام السياسي، غير أنّ هدف أردوغان الرئيس من ذلك الدعم، يتجاوز منطق الأيديولوجيا، ووحدة العقيدة، والالتزام الحزبي، ويتمركز حول المصالح التركية في الشرق الأوسط، وولوج مقعد القيادة الذي يؤهله لتحسين شروط التفاوض وهامش المناورة مع القوى الدولية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية