الإخوان المسلمون والشيعة... التقاء إيديولوجي وعلاقات تاريخية

الإخوان المسلمون والشيعة... التقاء إيديولوجي وعلاقات تاريخية

الإخوان المسلمون والشيعة... التقاء إيديولوجي وعلاقات تاريخية


03/09/2023

لطالما اعتُبرت العلاقة بين الإخوان المسلمين والشيعة، خصوصاً بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واحدة من المواضيع الملتبسة، لما يحيط بها من سرّية وغموض، برغم مجموعة المشتركات الإيديولوجية والعلاقات التاريخية التي تظهر الصلة والارتباط الوثيق بينهم، ومواطن التأثير المتبادل بين الطرفين.

علاقة التقارب بدت واضحة بالنظر إلى اللقاءات المتواصلة بين القيادة الإيرانية وحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، قبل ثورة الخميني بأعوام عديدة، بحسب ما أكده أغلب الباحثين والدارسين الذين خاضوا في تفاصيل العلاقة.

وقد أشارت دراسة حديثة نشرها موقع (أوروبيون تايمز نيوز) بعنوان "العلاقة بين الإخوان والشيعة"، إلى أنّ حسن البنا كان أول من وضع حجر الأساس لـ "التقارب الإخواني ـ الشيعي" عام 1947 في محاولة للتقريب بين السنّة والشيعة، من خلال مقولته الشهيرة التي قالها خلال زيارة وفد شيعي إيراني لمقر المركز العام للإخوان ضمّ الفقيه الشيعي (محمد تقي القمي)، قال: اعلموا أنّ السنّة والشيعة مسلمون موحدون بكلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

سيد قطب والثورة الشيعية

أمّا سيد قطب، الذي يحظى بحب وشعبية كبيرين في إيران، فقد دفعها ذلك إلى محاولة التدخل لرفع حبل المشنقة عن رقبته بعد صدور الحكم عليه بالإعدام في القضية المعروفة باسم التنظيم الخاص لعام 1965، والذي قاد عمليات إرهابية. من قبل قطب الإسلام واعتبره أساس نظرية قيام الدولة الإسلامية وطبيعة المجتمع الإسلامي، حيث كانت هناك في السابق اتصالات وعلاقات قوية بين الإيرانيين وسيد قطب.

وأشارت الدراسة إلى أنّ كتب سيد قطب، وخاصة (في ظلال القرآن)، هي أكثر الكتب انتشاراً في إيران بعد الثورة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يذهب فيها كتاب "معالم على الطريق" إلى إيران، على العكس من ذلك، فقد ذهب إلى هناك بعد عام 1966، عندما اكتمل، وقد طُبع الكتاب في بيروت، وحظي بشعبية كبيرة بين الشيعة، لذلك لم يعرف أحد عن كتاب نشره كاتب سنّي وانتشر على نطاق واسع مثل ذلك الكتاب.

سيد قطب يحظى بحب وشعبية كبيرين في إيران

شعبية في دولة شيعية، مثل الخميني، في فكرته عن ولاية الفقيه، وفي كتابه "الحكومة الإسلامية"، تأثرت بفكرة سيد قطب عن "الحكم"، وفي عام 1966، السيد علي خامنئي، القائد الجمهورية الإيرانية، أحد تلاميذ الخميني، والذي كان أيضاً تلميذاً بارزاً لنواب صفوي، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالإخوان، ترجم خامنئي كتاب سيد قطب "مستقبل هذا الدين" إلى الفارسية.

مجموعة المشتركات الإيديولوجية والعلاقات التاريخية تظهر الصلة والارتباط الوثيق بينهم ومواطن التأثير المتبادل بين الطرفين

وقد كتب مقدمة للترجمة غارقة في المشاعر الشديدة، وصف فيها سيد قطب بأنّه مفكر مجاهد، وقد أعدم النظام المصري قطب بتهمة تشكيل تنظيم يستهدف اغتيال جمال عبد الناصر وإسقاط النظام بالقوة التي اعترف بها قطب في رسالة كتبها قبل شنقه بعنوان "لماذا قاموا بإعدامي؟" أنّ الدين أسلوب حياة، وأنّ طقوسه لا تفيد إلا إذا عبّرت عن حقائقه، وقد ثبت بطريقة رائعة وموضوعية أنّ العالم سيتجه نحو رسالتنا ومستقبل هذا الدين.

دعم الإخوان للثورة الخمينية

ولدى خوضها في العلاقة بين الشيعة والإخوان، لفتت الدراسة إلى الدعم الإخواني القوي للثورة الخمينية في إيران، فقد حشدوا المظاهرات ضد استقبال الرئيس الراحل أنور السادات لشاه إيران، ووقفوا إلى جانب إيران في حربها ضد العراق.

بالمقابل، رأى الإخوان المسلمون الجمهورية الإسلامية عام 1979 انتصاراً لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية، وقد دعم الإخوان المسلمون الثورة الإسلامية في إيران منذ بدايتها، لأنّها كانت ضد نظام الشاه.

وبعد وصول الخميني إلى السلطة في إيران في 11 شباط (فبراير) 1979، حملت إحدى أولى الطائرات التي وصلت إلى مطار طهران وفداً يمثل قيادة تنظيم الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم. وانتشر على الألسن بين المعارضة السورية، بمجرد أن بايع الوفد الخميني كخليفة للمسلمين، بيان منشور يقول: "إنّ الخلاف على الإمامة في زمن الصحابة شأن سياسي وليس ديانة".

انتظرهم الخميني ووعدهم بالرد فيما بعد، ثم صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي ينص على أنّ "المذهب الجعفري عقيدة رسمية، وولاية الفقيه ممثل للإمام السرّي".

علاقة التقارب بدت واضحة بالنظر إلى اللقاءات المتواصلة بين القيادة الإيرانية وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة الخميني بأعوام

رغم ذلك، واصل الإخوان المسلمون في مصر، بحسب الدراسة، دعمهم للنظام الإيراني الجديد، ونظموا مظاهرات كبيرة ضد استضافة الرئيس السادات لشاه إيران في مصر، ثم دعموا إيران في حربها على العراق، وفي إصدار مجلة الهلال.

ويقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني: "لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران. استثناء من ذلك كان فرع الإخوان السوري، الذي خرج لتوه من مواجهة مريرة (1979-1982) مع النظام السوري المتحالف مع إيران، رغم أنّها لم تكن رسمية ، لكن على حدّ تعبير أحد قيادات الإخوان في سوريا الشيخ سعيد حوا.

الموقع الأوروبي لفت أيضاً إلى أنّه "عندما توفي الخميني في 4 حزيران (يونيو) 1989، نشر المرشد العام للإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعياً تضمن الكلمات التالية: ثورة ضد الطغاة مع الله. في عهد علي خامنئي، الذي أصبح "زعيماً" بعد وفاة الخميني، كانت نظريات سيد قطب تُدرَّس في مدارس التدريب الإيديولوجي لـ (الحرس الثوري الإيراني)، وتأثير المراجع الدينية مثل آية الله مصباح يزدي، المعلم الروحي لأحمدي نجاد، ظهرت أيضاً.

التشابه الفكري بين الإخوان والشيعة

إنّ المقاربة الفكرية متشابهة بين الإخوان وقادة الثورة الخمينية، ومن هنا كان الإيمان بعالمية رسالة التوحيد أنّ الإسلام هو السبيل الوحيد لحياة سعيدة والإيمان بتعددية الآراء وتعدد الأحزاب على أساس حرية الفكر والتعبير في الإسلام، وفقاً للدراسة.

 المرشد العام للجماعة عمر التلمساني: لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران

هذا ويشترك الجانبان في رؤية آثار الهجوم العسكري الغربي على العالم الإسلامي، وأنّه لم يؤدِّ فقط إلى سيطرة عسكرية وسياسية واقتصادية على الدول الإسلامية، بل أنتج أيضاً اتجاهات قوية في المجتمعات الإسلامية نحو تغريب الفكر والثقافة والحياة الاجتماعية والأصولية، التي ترى أنّ هناك نقطة انطلاق هي الأصل، وأنّ الزمان كان عملية انحراف عنها، وعلى المسلمين العودة إليه، حضارة مادية وروحانية متخلفة.

أمّا الفروق، فهي تقتصر على الاختلافات بينهما في مضمون الإسلام، وهو سنّي، والمحتوى حسب البنا، والمحتوى شيعي عند الخميني، وهناك تقدمية في تحقيق الهدف بحسب البنا، إذ أنّ الإخوان المسلمين لا يشاطرون الخميني وجهة نظره بأنّ الغرب الأمريكي هو الشيطان الأكبر بالنسبة إلى الاتحاد السوفييتي، رغم أنّهم يتفقون في عدائهم لكليهما.

الإخوان المسلمون يعرضون مصر على إيران بعد الاستيلاء عليها

وفي أعقاب ثورة كانون الثاني (يناير)، التي اعتبرها الإيرانيون نموذجاً جديداً للثورة الإسلامية، خاصة مع صعود الفكر السياسي للإسلام، على حساب الهوية الوطنية، وصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة. حاولوا تقوية علاقتهم مع الإخوان، وأثناء حكم الإخوان  زار قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني مصر، والتقى بالعديد من قيادات الإخوان للتقارب بين الإخوان وإيران.

رأى الإخوان المسلمون الجمهورية الإسلامية عام 1979 انتصاراً لرؤيتهم، وأول حكومة إسلامية منذ انهيار الخلافة العثمانية

إلى ذلك، لفتت الدراسة إلى أنّه بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة بفوز محمد مرسي في انتخابات 2012، بدأت الجماعة سلسلة من إعادة التقارب والعلاقات مع إيران، واستغلّ مرسي قمة حركة عدم الانحياز في آب (أغسطس) 2012، بعد انقطاع دام (35) عاماً في العلاقات الإيرانية الرسمية، وسط دفء إيراني شديد تجاه رئيس الإخوان المسلمين، واحتضان دافئ بين مرسي وأحمدي نجاد، لكنّ مخاوف الإخوان المسلمين من الغضب الشعبي من الشيعة الإيرانيين جعلهم قلقين منهم.

ومن المثير للاهتمام أيضاً أنّ الإخوان المسلمين حاولوا الاستفادة من خبرة الحرس الثوري الإيراني، وأن يكونوا قدوة في مصر لحماية الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنّهم تراجعوا وسط استياء شعبي كبير، ورفضوا الفكرة تماماً.

 

مواضيع ذات صلة:

الإخوان وإيران.. الحكم للتنظيم وللإنسان وعود بالجنة
الإخوان وإيران.. أصدقاء في الخفاء وأعداء في العلن

الصفحة الرئيسية