الأمن الغذائي في خطر.. هل يتجنب العالم "إعصار الجوع"؟

الأمن الغذائي في خطر.. هل يتجنب العالم "إعصار الجوع"؟


15/03/2022

ما زالت تداعيات الأزمة الأوكرانية الروسية تلقي بظلالها ليس فقط على سكان تلك الدول ومحيطها، بل على جميع دول العالم، مع تزايد التحذيرات الأممية من قرب حدوث مجاعة لم تحدث منذ أعوام، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء، واضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد.

تحذيرات دولية

ومن بين تلك التحذيرات توقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" زيادة في سعر الغذاء تصل إلى نحو 20 بالمائة خلال العام الجاري.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة، إنّ أسعار الغذاء عالمياً، قفزت بنسبة 20.7 بالمائة على أساس سنوي، وفي مقدمتها الزيوت النباتية ومنتجات الألبان.

اقرأ أيضاً: من أكبر الدول المصدرة للقمح.. أزمة روسيا وأوكرانيا تهدد إمدادات الغذاء عالمياً

وبلغ مؤشر الـ "فاو" لأسعار الغذاء، الذي يتتبع السلع الغذائية الأكثر تداولاً على مستوى العالم، ما متوسطه 140.7 نقطة في شباط (فبراير) مقابل 135.4 في كانون الثاني (يناير)، حسبما نقلت "رويترز".

وساهم ارتفاع أسعار المواد الغذائية في زيادة التضخم مع تعافي الاقتصادات من أزمة فيروس كورونا، فيما تحذر المنظمة من أنّ ارتفاع التكاليف يعرض السكان الأشد فقراً للخطر في الدول التي تعتمد على الواردات.

أسعار الغذاء عالمياً، قفزت بنسبة 20.7 بالمائة على أساس سنوي، وفي مقدمتها الزيوت النباتية ومنتجات الألبان

كما حذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي الإثنين، من خطورة الوضع فيما يتعلق بتهديد الأمن الغذائي العالمي في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية والزراعية بسبب الصراع الدائر في أوكرانيا.

هذه التحذيرات سبقتها دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تصريح صحافي الإثنين، إلى بذل جهود "لتجنب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي".

 الأشد فقراً

وقال غوتيريش إنّه من الضروري "بذل قصارى الجهد لتجنب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي".

واعتبر غوتيريش أنّ حظر تصدير المنتجات الزراعية في أوكرانيا وروسيا، من شأنه أن يؤدي إلى تداعيات ستصيب "الأشد فقراً وتزرع بذور عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات في جميع أنحاء العالم"، مشيراً إلى أنّ "هذه الحرب تتجاوز أوكرانيا. كما أنها تُعدّ هجوماً على الأشخاص والدول الأكثر ضعفاً في العالم".

حذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي من خطورة الوضع فيما يتعلق بتهديد الأمن الغذائي العالمي في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية والزراعية

وفي سياق متصل، حذر تقرير آخر صادر من برنامج الغذاء العالمي من أنّ الصراع في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما سيكون له تأثير فادح على سكان الدول الفقيرة مثل؛ اليمن والسودان والصومال وسوريا وغيرها، وأنّ ذلك يعرض المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم لخطر المجاعة.

ووصف رئيس البرنامج، ديفيد بيسلي، الوضع بأنه سيكون شديد الفداحة وكأنّه "الجحيم على الأرض"، خصوصاً أنّ عدد الأشخاص على حافة المجاعة قفز إلى 44 مليوناً مقابل 27 مليوناً في العام 2019.

قال غوتيريش إنّه من الضروري "بذل قصارى الجهد لتجنب إعصار الجوع وانهيار نظام الغذاء العالمي"

وتجاوزت أسعار الحبوب بالفعل المستويات التي سجّلتها "في بداية الربيع العربي واحتجاجات الأغذية في 2007-2008". ووفق الأمين العام: "وصل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لأسعار الغذاء العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق".

تجاوزت أسعار الحبوب بالفعل المستويات التي سجّلتها في بداية "الربيع العربي" واحتجاجات الأغذية في 2007-2008

ووفق وكالة "فرانس برس"، فإنّ "45 من الدول الأفريقية والأقل نمواً تستورد ما لا يقل عن ثلث قمحها من أوكرانيا أو روسيا - 18 من هذه البلدان تستورد 50 بالمائة على الأقل، وتشمل بلداناً مثل؛ بوركينا فاسو ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية ولبنان وليبيا والصومال والسودان واليمن". 

فيما صرحت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، أنّ "الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في أفريقيا".

وأشار "برنامج الأغذية العالمي" الجمعة الماضية إلى أنّ بعض الدول مثل مصر -التي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا- ستتأثر بصورة فورية من هذا الصراع.

تقييد الصادرات

وأدى عدم اليقين الذي يخيم على الأمن الغذائي إلى اتخاذ عدة دول عربية وأجنبية إجراءات احترازية تحوطية للحفاظ على مخزون السلع الأساسية في ظل أزمة عالمية، وفي إطار محاولة وقف الغلاء داخل أسواقها.

اقرأ أيضاً: أزمة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية.. ما أسبابها؟ وإلى متى تستمر؟

وقد أوقفت أوكرانيا، وهي مورد عالمي رئيسي للمنتجات الزراعية، تصدير العديد من السلع الزراعية، وعلقت صادرات الملح والسكر واللحوم والماشية وسلع زراعية أخرى، وألزمت الحكومة التجار بالحصول على تراخيص لتصدير سلع، منها القمح والذرة وزيت دوار الشمس والدواجن والبيض.

أوقفت أوكرانيا، وهي مورد عالمي رئيسي للمنتجات الزراعية، تصدير العديد من السلع الزراعية

كما وأعلنت تعليق صادراتها من الأسمدة، وذلك للحفاظ على توازن المخزونات المحلية. وتعد أوكرانيا من كبار مصدري السماد في الأسواق العالمية.

وأقدمت دول أخرى، منها مصر، مؤخراً على حظر تصدير 5 سلع غذائية، هي القمح والدقيق بجميع أنواعه والعدس والفول الحصى والمدشوش والمعكرونة، في محاولة للمحافظة على احتياطيات الغذاء في أكبر دولة مستوردة للقمح والزيوت في العالم، وكذا قررت وقف تصدير الزيوت بكافة أنواعها والفريكة والذرة، لدة 3 أشهر، وفق ما أورده موقع "سكاي نيوز".

اقرأ أيضاً: الغاز الطبيعي... كيف يتم تحديد الأسعار وتنظيم السوق العالمية؟

وشددت إندونيسيا أيضاً قيود التصدير على زيت النخيل، وهو أحد مكونات زيت الطهي. وحظرت الجزائر تصدير مواد غذائية من بينها السكر والزيت ومشتقات القمح والعجائن والسميد.

كما أعلن لبنان، منع تصدير لائحة طويلة من السلع والمنتجات الغذائية المصنعة محلياً في إطار رؤية بعيدة المدى للمحافظة على حد مطلوب من المخزون الاستراتيجي. وتضمنت اللائحة؛ اللحوم الطازجة، والمنتجات السمكية والبطاطا المصنعة والمحفوظة والخضار والفواكه المصنعة والمحفوظة والزيوت الغذائية ومشتقات الحليب والخبز والحلويات الطازجة والسكر والبهارات والتوابل وغيرها.

أدى عدم اليقين الذي يخيم على الأمن الغذائي إلى اتخاذ عدة دول عربية وأجنبية إجراءات احترازية تحوطية للحفاظ على مخزون السلع الأساسية في ظل أزمة عالمية

هذه القرارات دفعت مجموعة الدول السبع الصناعية إلى الخروج بدعوة دول العالم إلى عدم تقييد صادراتها الغذائية، وإبقاء أسواقها الغذائية والزراعية مفتوحة واتخاذ الاحتياطات ضد فرض قيود غير مبررة على الصادرات.

ودعا الوزراء جميع الدول إلى إبقاء أسواقها الغذائية والزراعية مفتوحة واتخاذ الاحتياطات ضد فرض قيود غير مبررة على الصادرات.

وقال وزير الزراعة الألماني جيم أوزدمير، الذي تتولى بلاده حالياً رئاسة مجموعة السبع، إنه قلق للغاية بشأن التأثير المحتمل في حال تم تقليص الصادرات، الأمر الذي قد يتسبب في ارتفاع الأسعار إلى أعلى مستوى.

كيف تأثرت الدول العربية؟

وتأثرت الأسواق في الدول العربية بشكلٍ كبير، فقد شهد العراق مثلاً ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، من أبرزها زيت الطبخ والحبوب التي تضاعفت أسعارها أكثر من النصف.

اقرأ أيضاً: "مدينة أشباح".. سماسرة يستغلون بيوت بيروت المنكوبة للشراء بأسعار زهيدة

وقد تظاهر المئات الأربعاء 9 آذار (مارس) الجاري في مدينة الناصرية جنوبي العراق احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بلد تبلغ نسبة البطالة بين الشباب فيه 40 بالمائة، وثلث سكانه البالغ عددهم أكثر من 40 مليون نسمة يعانون من الفقر، وفق ما أورده موقع "بي بي سي".

بدورها شهدت مصر ارتفاعاً في أسعار بعض السلع الغذائية، إذ ارتفع سعر طن القمح حوالي ألف جنيه بينما ارتفع طن المعكرونة في السوق المصري إلى 10 آلاف جنيه مقابل 7500 جنيه و8 آلاف جنيه قبيل الحرب.

كما قفزت أسعار بعض الزيوت حوالي 4500 جنيه في الطن في حين شهدت أسعار الدواجن والبيض ارتفاعاً ملحوظاً أيضاً.

في مصر قفزت أسعار بعض الزيوت حوالي 4500 جنيه في الطن في حين شهدت أسعار الدواجن والبيض ارتفاعاً ملحوظاً أيضاً

وأرجع مسؤولون مصريون أسباب تلك الزيادة، وخاصة في أسعار الخبز، إلى تخزين بعض التجار والمستوردين للدقيق السياحي، لاستخدامه خلال الفترة المقبلة.

وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قد صرح بأنّ بلاده جنّبت نحو 170 مليار جنيه (حوالي 11 مليار دولار) كـ"احتياطي" في موازنة العام المالي الحالي للتعامل مع الأزمات العالمية.

اقرأ أيضاً: تركيا ترفع أسعار الخبز وتخفّض أسعار الذخيرة!

 وأشار إلى أنّ دولاً أخرى كثيرة تقوم بتحويل كلّ هذه الزيادة مباشرة على المستهلك والمواطن، ضارباً المثل بسعر البترول الذي زاد سعره بنسبة 100 بالمائة في الدول الأوروبية فقط خلال الـ 14 يوماً الماضية، وهو ما يعكس اتجاه بعض هذه الدول إلى تحميل المواطن مباشرة زيادة الأسعار التي تطرأ على أيّ سلعة، إلّا أنّ الحكومة المصرية "تركز على سبل استيعاب الآثار الناجمة عن هذه الموجات التضخمية بأكبر قدر ممكن، وتحميل المواطن جزءاً يسيراً منها فقط".

اقر أيضاً: كيف يؤثر التغيّر المناخي على حياتنا؟ وما الدول الأكثر تأثراً على الصعيد الاقتصادي؟

أما الأردن، فقد شهد ارتفاعاً في أسعار بعض السلع مثل الزيوت النباتية وبعض أنواع البقوليات والذرة ومادة الصويا في السوق المحلي.

وقال رئيس غرفة تجارة الأردن نائل الكباريتي، إنّ زيادة أسعار بعض أصناف المواد الغذائية وبخاصة الزيوت النباتية بالسوق المحلية، يعود إلى تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية إلى جانب تبعات أزمة وباء كورونا.

وقال الكباريتي، إنّ أسعار المواد الغذائية في بلاد المنشأ، بدأت تشهد ارتفاعات متلاحقة بالتزامن مع بدء جائحة كورونا وتعطل سلاسل التوريد التجارية وزيادة أجور الشحن، وتعمقت كثيراً منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية