الأمم المتحدة في وجه جرائم "حزب الله"

الأمم المتحدة في وجه جرائم "حزب الله"

الأمم المتحدة في وجه جرائم "حزب الله"


05/06/2023

رندة تقي الدين

القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري اللبناني فادي صوان في حق محمد عياد الموقوف بجريمة قتل الجندي الايرلندي شون روني (23 عاماً) وفي حق أربعة فارين، يُظهر مرّةً جديدة افلات جرائم "حزب الله"من العقاب. وسبق للمحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أن اتهمت ثلاثة عناصر من الحزب بالجريمة، اثنان منهم ما زالوا فارين، وأحدهم مصطفى بدرالدين قُتل في عملية اسرائيلية في دمشق. اما الفارون فلا يمكن لأحد إيجادهم، والاعتقاد المؤكّد انّهم سيبقون محميين، إما في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في إيران أو سوريا، بحماية النظامين.

هذه الجرائم المأسوية تُظهر أنّ عناصر "حزب الله" في لبنان يسرحون ويمرحون ويقتلون من يشاؤون ولا يخشون العقاب. إنّ قتل الجندي الايرلندي في موكب لقوة الأمم المتحدة في طريقه من الناقورة إلى مطار بيروت، وإصابة ثلاثة من زملائه بجروح بإطلاق رصاص على سيارتهم أثناء مرورها في منطقة الجنوب، أظهر، بحسب تسجيلات الكاميرات التي ضُبطت في موقع الاعتداء، أنّه اعتداء متعمّد، وانّ المسلّحين كانوا يقولون إنّهم من "حزب الله" وينادون بعضهم بعضاً عبر الأجهزة اللاسلكية. 

كما العادة، وفي الجرائم التي ارتُكبت في لبنان على يد عناصر "حزب الله"، نفى الحزب الاتهام وتمّ إخفاء المجرمين. هذا أيضاً كان الحال في جريمة اغتيال رفيق الحريري، عندما أعلن الحزب أنّه لا يعترف بالمحكمة الدولية ولا بحكمها. فالحزب أقوى من العدالة الدولية، وهو لا يعترف بعدالة الشرعية اللبنانية طالما عدالته هي القتل.

طالبت "اليونيفيل" بالإسراع في التحقيق، وهذا ما تمّ عبر القاضي صوان، وبمحاسبة المسؤولين، ولن يمرّ الأمر كما كل مرّة يتمّ فيها اتهام "حزب الله". عندما زار لبنان وفد من كبار موظفي الأمم المتحدة المسؤولين عن قوات حفظ السلام في بداية هذه السنة، قال للمسؤولين اللبنانيين، إنّ مقتل الجندي الإيرلندي هو نتيجة بيئة سلبية تجاه "اليونيفيل" نشأت عبر رسائل سلبية ونشر أخبار كاذبة حول مهمّة هذه القوة. وطلبت البعثة الدولية من المسؤولين اللبنانيين ان يعلنوا وبوضوح تأييدهم لـ"اليونيفيل"، لإزالة مثل هذا الجو التهجمّي على القوة، ومنع أحداث مأسوية أخرى قد تُضعف "اليونيفيل"، وهذا ليس لمصلحة لبنان.

لقد صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بيان على إثر توجيه قاضي التحقيق اللبناني الاتهام  إلى عناصر من "حزب الله" بقتل شون روني، بأنّه أخذ علماً بهذا الاتهام، وطالب بضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب. وتوقّع "من السلطات اللبنانية الوطنية المعنية أن تنفّذ كل متطلبات مسار محكمة عادلة في إطار القانون الدولي، للتأكّد من محاسبة المجرمين". لكن الأمين العام يُدرك أنّه منذ اغتيال الرئيس الحريري وبعده اغتيالات عديدة، لم يُحاسَب المجرمون في ظلّ نفوذ "حزب الله". فلا المحكمة الدولية نجحت في محاسبة قاتلي الحريري، ولا الدولة اللبنانية تجرؤ على محاسبة قاتلي الجندي الإيرلندي، ولا على محاسبة قتلة شهداء لبنان الكثر وآخرهم لقمان سليم.

إذا جازف القضاء اللبناني الشرعي، العسكري أو المدني، بمحاسبة المجرمين إذا كانوا ينتمون إلى "حزب الله"، يحاسب الحزب الذي لا يعترف بشرعية الدولة ولا بسلاحها ولا بقضائها، ولا القضاة أنفسهم. ما تُطالب به الأمم المتحدة هو أدنى الأمور بالنسبة إلى قضاء شرعي وطني عادل، ولكن في لبنان ألغى نفوذ السلاح غير الشرعي احتمال محاسبة المجرمين العادلة. لذا، رأينا خيرة الشباب اللبنانيين يتمّ اغتيالهم: سمير قصير وجبران غسان تويني ومحمد شطح واللائحة طويلة ولم يُحاسب احد.

مما لا شك فيه، أنّ قوة "اليونيفيل" مشكورة على حفظ السلام في الجنوب اللبناني، وهي موجودة منذ عام  1978 في هذا البلد، ولكن لسوء حظ لبنان، أنّ "حزب الله" هو الذي يسيطر على هذه المنطقة اللبنانية التي، بحسب قرار مجلس الأمن ١٧٠١، ينبغي ان تكون تحت سيطرة الجيش اللبناني الذي لم ينتشر بما يكفي فيها. وما زاد المأساة، أنّ الأوضاع  الاقتصادية والمالية المتدهورة في البلد، تبرّر الآن ضعف انتشاره في هذه المنطقة. فالجنود اللبنانيون أصبحوا يبحثون عن أعمالٍ أخرى تمكّنهم من تأمين الأوضاع المعيشية لعائلاتهم في ظلّ تدهور قيمة رواتبهم. فمحاسبة المجرمين، محلياً كما دولياً، أصبحت مستحيلة في ظلّ نفوذ السلاح غير الشرعي وقوته.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية