قضيتُ الشطر الأعظم من يوم الجمعة الماضي بصحبة بعض الأطفال الذين نسيهم العالم. فتيان، يتّسمون بالصلابة والمرونة، ويمكن أن يكونوا سذّجاً في كثير من الأحيان، ويمكن خداعهم، برغبة منهم تقريباً. إنهم يقطنون عالماً يبتهج بأن يدفعهم إلى التعثر، ويتفرج عليهم وهم يسقطون. إنهم أطفال الشوارع في كابول.
صباح كل يوم جمعة، يجلس ما يقرب من 100 من هؤلاء الأطفال المنسيّين في مجموعات صاخبة مزعجة في بعض الأحيان، تتألف من سبعة أطفال إلى عشرة، في حجرة دراسية كبيرة تخلو من وسائل التدفئة، يناقشون ويتبادلون الآراء حول حقوق الإنسان؛ الحقوق التي يبدو أن قلة في المجتمع الدولي تعترف بأنهم يتمتعون بها.
وفي هذا الصباح الذي قاربتْ فيه درجة الحرارة الصفر المئوي في كابول، يرتدي بعضهم قميصاً ليس فوقه شيء؛ وقلة منهم ترتدي معاطف ملائمة للطقس، وأجسادهم قذرة وهزيلة من سوء التغذية، وهم محبوبون قريبون من القلب.
ويشكل هؤلاء الأطفال صورة مصغرة من عالم «أطفال الشوارع» في كابول، الذين يُقدّر عددهم ب 50 ألفاً، وهم أولاد وبنات ينتشرون في طرقات المدينة المكتظة بالفعل، يبيعون البالونات، و«يباركون» السيارات بالبخور، أو يسحبون موازين يطلبون من المارة وزن أنفسهم عليها. وهم يقومون بهذه الأعمال المذلة مقابل «رسْم» ضئيل يساعد أمهاتهم على ابتياع الطعام لعائلاتهن.
هؤلاء الأطفال الصغار ووالديهم يعيشون في الشوارع. يلوذون بجانب مركبات مركونة، يتقون بها الريح القارسة، أو في ركن محميٍّ في فناء منزل أحد الجيران، أو في المباني المهجورة. وليس هنالك إلاّ القليل من برامج المعونة التي ترعاها الحكومة، لا أماكن لتوزيع الطعام على المحتاجين، ولا معونة من الملابس والكساء، ولا رعاية طبية. إنهم متروكون ليبقوا على قيد الحياة بشطارتهم في مجتمع لاهٍ عنهم إلى حدّ عدم الاعتناء بمشاكلهم.
وبرنامج «متطوّعي السلام الأفغان»، وهو برنامج صغير يعتمد على عامة الناس، نظمه شبان من النساء والرجال الأفغان، لتعزيز ودعم الحلول غير العنيفة لمعاناة بلادهم.. هذا البرنامج هو الذي أنشأ ويُدير مدرسة أطفال الشوارع هذه، لتكملة أي تعليم يتمكن هؤلاء الأطفال من استيعابه، من خلال الحضور غير المنتظم في المدارس الحكومية.
وتدرك هذه المدرسة التي يجري تمويلها بالكامل بتبرعات من المجتمع الدولي، ويعمل فيها معلمون متطوّعون، أنه ما من حلم مهما كان ضئيلاً يمكن تحقيقه دون تعليم.
ومن أجل تمكين الأطفال من الإفلات من الشوارع، وامتلاك وقت للمجيء إلى حجرة الدراسة كل يوم جمعة، تُعطى أمهات الأطفال اللائي يحضُرن إلى المدرسة بإخلاص، زيت الطهي والأرز، لإكمال الدخل الذي يكون أبناؤهن وبناتهن قد حصلوا عليه في الشوارع.
وتبلغ التكلفة حوالي 534 دولاراً لتمويل مشاركة الطفل الواحد لمدة عام. ويتم إنفاق النسبة الساحقة من هذا المبلغ (91% أو 473 دولاراً)، على كيس الأرز وقارورة زيت الطهي الشهرييْن، اللذين يعطيان لعائلة كل طفل. ويُنفَق ما يتبقى من المال على اللوازم المدرسية، وكسوة الشتاء للأطفال. وتبلغ الميزانية السنوية للبرنامج 53400 دولار.
ويتوقع «متطوّعو السلام الأفغان»، أن يحرز كل طفل يشارك في المدرسة، تقدماً مطّرداً نحو محو الأمية كل عام يحضر فيه. وفي العام الماضي، بلغ 30 من أصل 100 طفل في المدرسة، محو الأمية في غضون سبعة أشهر، وهذا دليل على أن كل طفل يستطيع بصرف النظر عن الظروف ومع الإرشاد المناسب أن يتعلم، وسيتعلم!
كين ريكاردو - عن صحيفة "الحليج"