الأزمة الليبية ترفع مستوى الارتياب بين الجزائر وتركيا

الأزمة الليبية ترفع مستوى الارتياب بين الجزائر وتركيا


03/09/2020

لم تكفل الشراكة القوية بين الجزائر وتركيا في المجالين الاقتصادي والتجاري، سلاسة ووضوح العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ فما يروّج له بشأن التعاون الثنائي في القطاعات الأخرى يبقى رهين تضارب المواقف والمصالح في الأزمة الليبية، فالجزائر الباحثة عن تسوية سياسية للأزمة بين الليبيين وحدهم تصطدم بأطماع إسطنبول في طرابلس والمنطقة عموما.

وألقى الملف الليبي بثقله على محادثات دبلوماسية في إسطنبول، أجراها وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، على أمل إيجاد تسوية سياسية للأزمة بعيدا عن تأثيرات الأطراف الخارجية، خاصة بعد الاتفاق الأخير بين برلمان طبرق وحكومة فايز السراج في طرابلس.

وما زالت الجزائر الباحثة عن تسوية سياسية للأزمة الليبية، بين الليبيين وحدهم وبعيدا عن التأثيرات الخارجية، تصطدم بنوايا وأطماع تركية متنامية في ليبيا، خصوصا بعد الاتفاق المبرم مع حكومة السراج؛ فرغم المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين التي يطمح إلى رفع سقفها إلى ثمانية مليارات دولار بات التواجد العسكري التركي في ليبيا محل قلق جزائري غير معلن.

وأعربت الجزائر، على لسان أكثر من مسؤول، عن مخاوفها الحقيقية من سيناريوهات منتظرة في ليبيا، غير بعيدة عن استنساخ النموذجين السوري والصومالي، بسبب تدخل الأطراف الخارجية، ولم تستثن من ذلك الدور التركي العسكري المتنامي في المنطقة. 

وأكد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، في تصريح صحافي خلال زيارته لإسطنبول، على أن “أن بلاده تدعم الحل السلمي في ليبيا، وأن القيم المشتركة بين الجزائر وليبيا ستدعم وتحقق بقوة الحل السلمي في ليبيا”.

وعلى العكس من تصريحاته السابقة المتعلقة بالإجماع المسجل لدى دول الجوار بشأن الأزمة الليبية، فإن رئيس الدبلوماسية الجزائرية بدا أقل تفاؤلا في مؤتمره الصحافي المشترك مع نظيره التركي، لمّا ذكر أنه “يثق في قدرة تركيا والجزائر على إيجاد حلول للأزمات القائمة في ليبيا، من خلال العمل المشترك”.

وتمسك بمقاربة بلاده القائمة على “مساهمة المجموعة الدولية والهيئات الدولية في إيجاد حلول للمشاكل في ليبيا، واستعداد بلاده لتقديم كافة أشكال الدعم اللازمة من أجل ذلك”، وهو ما يتضارب مع الموقف التركي الذي يعمل على تفرد إسطنبول بأجندة الحل في ليبيا.

ويبدو أن الجزائر التي تحتفظ بعلاقات مميزة مع تركيا وفرنسا، وقعت تحت ضغط غير معلن لكسب دعمهما لكلا الطرفين في الأزمة المتصاعدة بين باريس وأنقرة في شرق المتوسط، والتي كانت بوادرها قد لاحت من خلال موقف الطرفين في أزمة ليبيا.

وإذ تحاول تركيا توظيف المناكفات التاريخية بين الجزائريين والفرنسيين والاستثمار في الملف لقطع الطريق على أي شراكة قوية متجددة بين الجزائر وفرنسا، فإن الفرنسيين يسعون إلى تلغيم النفوذ التركي المتنامي في منطقة شمال أفريقيا، بالتركيز على المخاطر الأمنية والعسكرية على دول المنطقة، بسبب الدور التركي في الأزمة الليبية.

ويعد الوضع المتأزم في مالي إحدى الأوراق المهمة في يد باريس لاستقطاب الجزائر إلى أجندتها قياسا بمخاوف الجزائر المتعاظمة في حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية، فالنفوذ الفرنسي في مالي يمكن أن يقدم خدمة للجزائر في ضمان الاستقرار في خاصرتها الجنوبية، ومعه إمكانية حشد الموقف الجزائري بشكل يدعم الفرنسيين في خصومتهم مع الأتراك.

ويبدو أن الأتراك يحملون توصيفا خاصا بالإرهاب والجماعات الجهادية، تجلى من خلال تصريح تشاويش أوغلو للصحافيين بأن “البلدين اتفقا على مضاعفة التعاون بخصوص مكافحة الإرهاب.. لا نريد شبكات إرهابية مثل تنظيم غولن في الدول الشقيقة، وقد نقلنا تطلعاتنا في هذا الصدد”، وهو ملف مطروح بين الطرفين منذ فشل محاولة الانقلاب على أردوغان عام 2016، نظرا لتواجد أعداد من أنصار المعارض التركي فتح الله غولن على الأراضي الجزائرية، ولم تقبل الحكومة المحلية ترحيلهم إلى بلدهم تلبية لطلب الأتراك الملح.

لكن توصل الجزائر إلى استعادة ضابط الصف قرميط بونويرة، الذي فر إلى تركيا في شهر مارس الماضي، والذي يوصف بـ”العلبة السوداء”، كونه كان يشغل منصب السكرتير الخاص لقائد أركان الجيش السابق الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، لا يستبعد أن يكون مقابله اتفاقا على السماح لتركيا باستعادة رعاياها المحسوبين على تنظيم فتح الله غولن.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية