استهداف الحرس الثوري: نظام الملالي في مواجهة القوميات الثائرة

استهداف الحرس الثوري: نظام الملالي في مواجهة القوميات الثائرة


02/07/2020

بعث التفجير الذي استهدف موكباً عسكرياً للحرس الثوري الإيراني، أول من أمس الثلاثاء، في إقليم سيستان بلوشستان، الواقع جنوب شرق طهران، التوترات القائمة في بنية النظام الإيراني تجاه الأقليات القومية والدينية؛ إذ تتصاعد الحركة الاحتجاجية في تلك المناطق التي تعاني التهميش والحرمان من حقوقها السياسية والاجتماعية، في ظل سياسة إفقار متعمدة وإهمال تنموي متواصل.

على الرغم من الأهمية الجيوسياسية للمنطقة الغنية اقتصادياً، والتي تتوافر الثروات الطبيعية فيها، من النفط والذهب واليورانيوم، لكنها تعد أقل الأقاليم من حيث معدلات التنمية

ولا يعد الحادث الأخير الذي تسبب في تفجير سيارتين للحرس الثوري، حسبما أعلن النائب بمجلس الشورى الإيراني، فدا حسين مالكي، بينما أسفر عن إصابة قائد الحرس الثوري بالمنطقة، واقعة جديدة أو استثنائية إنما ثمة سوابق عديدة ومتكررة، في فترات متفاوتة، كما أنها تقع ضمن نشاط تنظيمي أوسع، مسلح وانفصالي، يستهدف حكم الملالي، حيث وقع هجوماً مماثلاً على حافلة للحرس الثوري في المنطقة ذاتها، قبل عام، نجم عنه مقتل 27 من أفراد الحرس، بواسطة تنظيم عسكري يعرف بـ"جيش العدل".

فاتورة نظام الملالي

جيش العدل، المصنف ضمن التنظيمات الإرهابية، في تموز (يوليو) العام 2019، بحسب الخارجية الأمريكية، ينشط في المنطقة الحدودية المتاخمة للحدود مع باكستان، وقد نقلت عنه وكالة أنباء "مهر" الإيرانية بياناً، أول من أمس، يعلن من خلاله مسؤوليته عن الهجوم الأخير، ومقتل القائد العسكري، مجتبي مير شكار، قائد قوات التعبئة (الباسيج) الإيرانية، في منطقة كورين بإقليم سيستان بلوشستان، فضلاً عن إحراق عدد من المركبات العسكرية.

لكن وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، نفت، من جانبها، وقوع ضحايا في الهجوم المسلح على حافلات الحرس الثوري العسكرية، الأمر الذي تضارب مع تصريحات متداولة لأسر أفراد من الحرس، بينما أكدت إصابة القائد العسكري، فقط، حسبما ذكرت.

اقرأ أيضاً: أردوغان على خطى الحرس الثوري الإيراني في تجنيد الأطفال في ليبيا

اللافت أن الخارجية الأمريكية، صنفت هذا الجيش باعتباره ضمن التنظيمات الإرهابية، في سياق توسيع دائرة محاربة الإرهاب، قبل عام، سواء كانت التنظيمات محلية أو أممية؛ إذ أعلنت واشنطن في بيانها أنها ستعمل على "حرمان هؤلاء من الموارد اللازمة للتخطيط لهجمات وتنفيذها، كما سيتم حظر جميع ممتلكاتهم ومصالحهم الخاضعة للولاية الأميركية، ويحظر بوجه عام على الأشخاص في الولايات المتحدة الاشتراك في أي معاملات معهم".

النظام في مواجهة أعباء سياساته

وأوضح بيان الخارجية الأميركية أن جماعة "جند الله" التي تم تصنيفها، في العام 2010، باعتبارها منظمة إرهابية، بدأت في الاستعانة بالاسم الجديد "جيش العدل" والأسماء المستعارة المرتبطة به، في العام 2012، لافتاً إلى أن هذه الجماعة ومنذ تأسيسها، شاركت في العديد من الهجمات التي أدت لمقتل العشرات من المدنيين الإيرانيين، وكذا، المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك تفجير انتحاري، في شباط (فبراير) العام 2019، وخطف رجال أمن إيرانيين في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018.

على الحدود بين إيران باكستان، يمتد الإقليم الذي يضم قومية البلوش والمنتمين في غالبيتهم للطائفة السنية، على مساحة تبلغ 70 ألف ميل مربع، ويصل عدد سكانه نحو مليون نسمه، كما تتوزع المنطقة الحدودية بين ثلاث دول، باكستان وأفغانستان وإيران، وتتميز بالتنوع الثقافي والاجتماعي والديني بالإضافة إلى التنوع في الموارد.

اقرأ أيضاً: استنساخ نموذج الحرس الثوري: كيف عملت إيران على تصدير ثورتها؟

وعلى الرغم من الأهمية الجيوسياسية للمنطقة الغنية اقتصادياً، والتي تتوافر الثروات الطبيعية فيها، من النفط والغاز الطبيعي والذهب واليورانيوم والنحاس، غير أنها تعد أقل الأقاليم من حيث معدلات التنمية، وتنتشر فيها البطالة، بنسب عالية، حيث لا يتجاوز عدد الحاصلين على درجة التعليم الجامعي ألفي طالب، وذلك من أصل ثلاث ملايين طالب إيراني تقريباً في الجامعات بطهران، وهي ضمن المفارقات المثيرة التي تتقاسمها مناطق الأقليات.

لماذا الانفصال؟

 تبرز العديد من الحركات المسلحة الانفصالية في تلك المنطقة، التي تعاني الاضطراب السياسي منذ عقود، ومن بينها "منظمة جند الله"، والأخيرة، قامت بتمرد ضد النظام الإيراني، في العام 2000، بينما يعد "جيش العدل" امتداداً لها، وقد نقل عنها تكتيكاتها في استهداف حافلات الحرس الثوري العسكرية التي تميزت بتنفيذها، كما تتواجد وتنشط حركات مسلحة أخرى، مثل "جماعة أنصار الفرقان"، و"حركة أنصار إيران"، في الإقليم ذاته.

الباحث المصري محمود أبو القاسم لـ"حفريات": الخريطة الاجتماعية والسياسية في إيران تتصف بالتعقيد الشديد، لأنّ نظام الولي الفقيه استهدف المكونات المتنوعة بالإقصاء والعزل

بيد أنّ "جند الله" تراجع وخفت نشاطه على إثر إعدام النظام الإيراني لقائد التنظيم، عبد الملك ريغي، في العام 2010، بعد اعتقاله في عملية نوعية؛ حيث كان يقوم في العام ذاته برحلة إلى قرغيزستان، في وسط آسيا، فاعترضت مقاتلات إيرانية الطائرة بينما أجبرتها على الهبوط قبل أن تعتقله.الإيراني

تحظى التنظيمات المسلحة، لا سيما جيش العدل، بدعم هائل من قبائل البلوش، وقد تأسست في العام 2012، بفضل عبد الرحيم ملا زاده، المولود في العام 1979، والمعروف باسمه الحركي الذي يترافق وبيانات التنظيم الرسمية (صلاح الدين فاروقي).

ومنذ ذلك التاريخ، يحفل سجل التنظيم المسلح بالعديد من العمليات ضد عناصر ورموز النظام في إيران، سواء السياسية أو الأمنية والعسكرية، وهي عمليات ليست سهلة ولافتة، حيث قام باختطاف 14 من عناصر الأمن الإيراني ثم قتلهم، في العام 2013، وذلك في كمين تم نصبه بالقرب من الحدود مع باكستان، وقد ذكر بيان "جيش العدل" أنها جاءت للرد على "جرائم الحرس الثوري في سوريا"، حسبما قال. وفي الشهر الذي يليه تم إسقاط مروحية إيرانية تابعة للحرس الثوري.

كما تم قتل المدعي العام لمدينة زابل، الواقعة على الحدود الإيرانية الافغانية بالرصاص، بعد أن قامت كتائب التنظيم باستهدف دوريتين لحرس الحدود الإيراني في منطقة "جكيغور"، العام 2017، وتسبب كذلك في قتل وإصابة عدد كبير من قادة وضباط الحرس الثوري.

إسلام آباد وطهران

وبحسب صفحة التنظيم الرسمية، على منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"؛ ففي شباط (فبراير) العام 2016، جرى تنفيذ عملية خطف خمسة جنود إيرانيين ثم نقلهم لباكستان، الأمر الذي فاقم الأزمات والتوترات بين طهران وإسلام آباد، ومن ثم، خرجت تحذيرات عديد من الحكومة الإيرانية للأخيرة، تهدد بإرسال قوات عسكرية لتحرير الجنود، كما استدعت القائم بالأعمال الباكستاني بهدف "التحرك بحزم ضد قادة وعناصر الجماعة الإرهابية الذين فروا إلى باكستان".

اقرأ أيضاً: أمريكا تحاول تمديد حظر الأسلحة... وهكذا رد الحرس الثوري

وفي هذا السياق، تعددت الاتهامات التي أطلقها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، بالإضافة إلى قيادات أخرى في الحرس الثوري الإيراني والجيش، ضد باكستان، وذلك على خلفية مزاعم تتصل بدعمها لما يعرف بـ"جيش العدل"، وإيواء عناصره؛ حيث اتهمها محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري بأنّ باكستان باتت قاعدة لتنفيذ هجمات ضد إيران، الأمر الذي تسبب في أزمات سياسية وأمنية بينهما.

اقرأ أيضاً: "حراس الليل": هل ينجح أردوغان في محاكاة الحرس الثوري الإيراني في تركيا؟

وفي تعليقه على مجمل هذه التطورات، يرى الدكتور محمود أبو القاسم، الباحث المصري، المتخصص في الشأن الإيراني، بأن الخريطة الاجتماعية والسياسية في إيران، تتصف بالتعقيد الشديد، لأنّ نظام الولي الفقيه استهدف المكونات المتنوعة بالإقصاء والعزل، وقام بالتضييق عليها لمنعها من الاندماج داخل المجتمع والتفاعل مع الآخرين، وذلك تحت وطأة سياسة التمييز الطائفي، وحالات الإقصاء المتواصلة ضد من هم خارج القومية الفارسية، وكذا، المنتمين للمذهب الشيعي، وبالتالي، تعاني فئات وقطاعات عديدة في المجتمع من عدم ممارسة حقوقها السياسية والاجتماعية، وتشعر بالرغبة في الانفصال ومقاومة هذا النظام.

أبو القاسم أبلغ "حفريات" بأنه "في ظل التعسف الأمني ضد قومية البلوش، والتي تتعرض رموزها الثقافية والاجتماعية ومشايخ القبائل إلى إهانات متكررة، فضلاً عن الاعتقال والإعدام لبعضهم، فإنّ الشعور بالتهديد الوجودي يتزايد، مع ضرورة الاحتماء داخل الخصوصية الثقافية التي تتآكل، على إثر سياسة التفريس الممنهجة، منذ عقدين، وبالتالي، ستجد الحركات المسلحة والانفصالية البيئة المواتية للعمل والنشاط الذي سوف تتزايد درجته وحدته".

اقرأ أيضاً: لمن الغلبة في إيران: للجيش أم لـ"الحرس الثوري"؟

وبسبب عدم الشعور بالانتماء الوطني، وفقدان التمثيل السياسي والمجتمعي لأبناء الأقليات، فإنّ الشعور بالعزلة والرغبة في التمرد والانفصال سوف يتعمق، برأي أبو القاسم، لا سيما وأنّ الواقع السياسي والاقتصادي للمناطق التي تعيش فيها الأقليات بإيران، تعاني من ظروف خدمية وتنموية متدنية، وتعد من أفقر المناطق الإيرانية وأشدها تخلفاً، كما ترتفع فيها نسب البطالة.

ولا يتوقع الباحث المصري، أن تتوقف حالات الاضطراب الأمني والسياسي في تلك المناطق، بل ستتكرر الصدامات والمواجهات الأمنية بين النظام والأقليات في الأقاليم المتباينة، طالما استمرت السياسة ذاتها التي يتبعها النظام.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية