إيران "تفخّخ" العراق بعد فشل عزل الحلبوسي عن الصّدر

إيران "تفخّخ" العراق بعد فشل عزل الحلبوسي عن الصّدر


24/04/2022

محمد السلطاني

إعادة شخصيات سياسية متهمة بالإرهاب إلى بغداد، مثل علي حاتم السليمان، لم تحقق الأهداف التي افترضتها القوى التابعة لإيران، والتي كان أولها الضغط على رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الشريك السنّي في تحالف زعيم التيار الصدري الذي يضم أيضاً الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. 

والتحالف بين الأطراف الثلاثة، يمثل التجربة الأولى منذ عام 2003، في عمل سياسي مشترك خارج البيوتات الطائفية والعرقية. 

الجولة الثّالثة من الضّغوط القصوى

وتضغط طهران عبر فصائلها المسلحة والسياسية لإقناع الصدر بالعودة إلى تشكيل تحالف طائفي يضم القوى الشيعية، ويتصل بإيران، كما جرت العادة.

ولم تثنِ الضغوط الإيرانية الصدر عن مواصلة طريقه، كما أن الحملة على شريكه بارزاني في التحالف لم تسفر عن شيء، رغم قصف مدينته أربيل بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة. 

ومنذ أسابيع، تتجه بوصلة الضغوط الإيرانية صوب الشريك السني في التحالف الثلاثي، حيث قدمت فصائل مسلحة الدعم لشخصيات مناوئة للحلبوسي في محافظة الأنبار، كما في إعلان "كتائب حزب الله" مساندة سطّام أبو ريشة، الذي يشن حملة ضد سياسات الحلبوسي.

في العاشر من نيسان (أبريل)، ظهر السياسي رافع العيساوي طليقاً في بغداد للمرة الأولى منذ 9 أعوام. وبعد 10 أيام، وصل علي حاتم السليمان إلى العاصمة، وهما سياسيان بارزان من الأنبار التي بالكاد أغلقها الحلبوسي لمصلحته سياسياً. 

ورافع العيساوي هو وزير المالية الأسبق، وكان أحد أوائل القيادات السنية التي أطاحها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بعد انسحاب القوات الأميركية عام 2012. أما أمير قبيلة الدليم، علي حاتم السليمان، فقد كان أحد أقرب حلفاء المالكي، ثم انخرط في دعم جماعات مسلحة سيطرت على مدن الأنبار - إثر الاحتجاجات الرافضة لاستهداف العيساوي - قبل أن يسيطر تنظيم "داعش" على معظم مدن شمال وغرب العاصمة بغداد.

في حماية مسلحي "الحشد الشّعبي"

مسؤول  قضائي عراقي أبلغ "النهار العربي" أن "ملف عودة السياسي رافع العيساوي مختلف تماماً عن ملف علي حاتم السليمان، إذ يواصل الأول تسوية قضاياه المعلقة مع المحاكم، أما السليمان، فإن القضاء ليس له علاقة بقضيته من قريب أو بعيد". 

شخصيات حضرت اللحظات الأولى لوصول السليمان إلى مقر إقامته في منطقة الحارثية وسط بغداد، أكدت أن سيارات جماعات "حشدية" رافقت الوافد الجديد، وحرسته خارج أبواب المقر، ولفت وجود عناصر من كتائب "حزب الله"، وسيارات تابعة للحشد الشعبي الذي يرأسه فالح الفياض. 

لماذا تخبّطت الفصائل وتأخّرت في الردّ؟

استغرقت الفصائل الموالية لإيران 3 أيام لتنفي نفياً خجولاً ثم متصاعداً، صلتها بعودة السليمان، وعلى الأرجح، خطط حلفاء طهران لتمرير القضية على طريقة إعادة السياسي خميس الخنجر بعد انتخابات عام 2018، حين تحالفوا مع زعيم الكتلة الذي طالما وصفوه بـ"رأس الإرهاب"، من أجل كسب مقاعده في مواجهة تحالف "الإصلاح والإعمار" الذي كان يقوده الصدر آنذاك. 

وفي المقارنة بين الحالتين، (عودة الخنجر 2018، وعودة السليمان 2022) يظهر أثر غياب قاسم سليماني جلياً على السلوك السياسي والإعلامي للفصائل، فالجنرال كان يشد من عزيمة مسلحيه، ويقنعهم بأن لإيران الوصاية على شيعة العراق، والحقّ بإعداد قوائم "الجيدين والسيئين وقبول التائبين" ويشجعهم على الدفاع عن أي قرار، وإن كان مناقضاً لمتبنياتهم السابقة، لكن خلفاء سليماني، سواء إسماعيل قآني، أم السفير إيرج مسجدي، أم حتى السفير الجديد محمد كاظم آل صادق، يفتقرون إلى تلك المهارات، ولذا سارعت أوساط الإطار للانتقال من "التباهي بمدى حذاقة زعمائهم في مناورة الصدر عبر استدعاء خصوم الحلبوسي" إلى التبرؤ الكامل من الملف.

ولاحقاً، بدا أن قراراً متأخراً صدر داخل المجمع الفصائلي، بعد 3 أيام من الحدث، بالتعامل مع عودة السليمان كطوق نجاة، يوفر ذريعة لاستعادة الخطابات القديمة للفصائل، حيث أصدرت شخصيات وجماعات حشدية عدة بيانات عن "حماية الشيعة ومقارعة الإرهاب"، وهي القصص التي واجهت الفصائل صعوبات كبيرة في تمريرها على الجمهور الشيعي خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأنعشتها عودة السليمان.

ورغم أن الرجل كان جزءاً من مرحلة التصعيد الطائفي التي أنتجت "داعش"، وقادت إلى تغوّل الجماعات الولائية الإيرانية بذريعة التصدي للإرهاب، إلا أن إمكانية تكرار تلك الخلطة تبقى ممتنعة، لنزوع العراقيين السنّة المتصاعد نحو الشراكة مع بقية مواطنيهم، إضافة إلى محاذير إقليمية ودولية ضد أي مغامرات جديدة في العراق. 

تاريخ إيران في توظيف المتشدّدين

وليس جديداً استخدام حلفاء إيران، ورقة الجهاديين والمتشددين للاستفادة من تغذية الاستقطابات المجتمعية، كما تظهر حوادث سابقة.

وواجهت حكومة المالكي اتهامات بالتغاضي عن تهريب أخطر المتهمين بالإرهاب، كما في تهريب نزلاء سجني "أبو غريب" و"التاجي" صيف عام 2013، إذ ساهم "الهاربون" بشد أزر تنظيم "داعش" الذي سيطر بعد 11 شهراً على نحو ثلث مساحة العراق.

ويحصي الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الإرهاب ماثيو ليفيت، قائمة من الشخصيات الخطيرة التي أفرج عنها النظام السوري في أيار (مايو) 2011، بعد شهرين من اندلاع الاحتجاجات السورية، كما في الإفراج المتزامن عن مؤسس "أحرار الشام" حسان عبود، وقائد "جيش الإسلام" زهران علوش، وقائد ألوية "صقور الشام" أحمد عيسى الشيخ، إلى جانب شخصيات بارزة في تنظيم "داعش" مثل علي موسى الشواخ (الملقب بأبو لقمان).

الحلبوسي مطمئن

لا يستشعر الحلبوسي حتى الآن أي مخاطر من إعادة "منافسيه"، وقد نجح سابقاً في إبرام شراكة لا تزال متماسكة، مع منافسه الأكبر خميس الخنجر، وتمكن الطرفان من إنهاء فصل من التراشق، وإطلاق تحالف "السيادة" الذي تحوّل إلى ثالثة الأثافي في التحالف الذي يضم الصدر وبارزاني. 

وقد أصدر مقربو العيساوي توضيحاً عن لسانه، نفى فيه عزمه الانخراط في أي مشروع سياسي، وذلك رداً على الحديث عن محاولة توظيفه في مشروع الإطار التنسيقي.

أما في شأن عودة السليمان، فإن ردود الفعل لم تكن أقل بكثير مما توقعه الإطار فحسب، بل بدا أنها معاكسة، فالخطوة التي كانت تستهدف تطويق الحلبوسي، انقلبت ضد الإطار، وأدخلته في سجالات الرد والتوضيح والنفي أمام ما تبقى من جمهوره. 

يقول مقرب من الحلبوسي تعليقاً على الجَلَبة: "ربما اعتقدوا أن جماهير غفيرة ستخرج لاستقبال المناضلين من المنفى، وأن الحلبوسي سيطير إلى طهران طالباً الصفح، ومعلناً الانسحاب من التحالف الثلاثي، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث، لأن الخطوات المستعجلة، بسبب قرب انتهاء مهلة الصدر، والمقدمات الخاطئة ستقود حتماً إلى نتائج خاطئة". 

ويتابع: "نستطيع الآن تأكيد أن الساحة السنية ستكون مفتوحة أمام جميع المعارضين ليقولوا ويفعلوا ما يريدون من دون شروط أو انتقائية، ولندع القرار للجمهور".

وفيما لو "فشلت الخطة" في الضغط على الحلبوسي ودفعه للانسحاب من التحالف مع الصدر، فإن التيارات الولائية الموالية لإيران، كثيراً ما استفادت وساهمت في تمكين المتشددين السنّة وبث الذعر في المجتمع العراقي الشيعي، لدفعه إلى الالتفاف من جديد حول الفصائل المسلحة، لكن هذا السيناريو يبقى مستبعداً، نظراً إلى ضآلة تأثير السليمان من جهة، وتغيّر مزاج المجتمع السنّي الذي أصبح أقرب إلى تبنّي مشاريع شراكة عراقية عابرة للطائفية كما في تجربة "الثلاثي" وأبعد من دعم خطابات الانعزال والتقسيم التي طالما وفّرت وقوداً للفصائل الولائية، من جهة أخرى.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية