
تشهد الساحة السياسية في الأردن تصعيدًا ملحوظًا في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، على خلفية تورط الجماعة في قضايا تتعلق بالأمن الوطني، حيث قامت السلطات الأردنية باعتقال عدد من قيادات الجماعة، في خطوة تعكس إصراراً على الانتصار للدولة.
في يوم الأحد الفائت اعتقلت السلطات الأردنية أحمد الزرقان، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين والمسؤول عن الملف المالي فيها. ويُعتبر الزرقان، البالغ من العمر (72) عامًا، أعلى شخصية قيادية يتم اعتقالها منذ قرار السلطات الأردنية حظر نشاطات الجماعة، واعتبارها "جماعة غير مشروعة". جاء هذا الاعتقال بعد أيام من توقيف عارف حمدان، عضو مجلس شورى الجماعة وعضو المكتب التنفيذي السابق أثناء وجوده في مقر عمله بالعاصمة عمّان، وتمّ اقتياده إلى سجن المخابرات العامة في منطقة الجندويل.
وفي الفترة الأخيرة جرى الإعلان عن تفكيك خلية مرتبطة بتنظيم الإخوان تعمل بشكل غير قانوني في الأردن، وأشير إلى أنّها كانت تتلقى تمويلًا من جهات خارجية عبر وسطاء محليين. ومن بين الأسماء التي طُرحت في إطار التحقيقات الأولية كان اسم أحمد الزرقان، حيث يُشتبه في أنّه سهّل وصول الأموال إلى عناصر الخلية من خلال قنوات غير رسمية، مثل: الجمعيات الخيرية أو عبر غطاء المساعدات.
أهمية توقيف أحمد الزرقان
يُعدّ الزرقان من الكوادر التي تمتلك معرفة تفصيلية ببنية الجماعة، وقد شارك في إعادة هيكلة العديد من اللجان الداخلية في الأعوام الأخيرة، ويُعتقد أنّ الزرقان لعب دورًا كحلقة وصل بين القيادات التقليدية والشباب الإسلامي داخل التنظيم، ممّا جعله عنصرًا مهمًا في التواصل بين الأجيال داخل الإخوان، كما أسهم في رسم الخطاب الإعلامي للجماعة خلال أوقات الأزمات، بما في ذلك الانتخابات النيابية، والمواقف من السياسات الحكومية، والتفاعل مع الرأي العام.
والزرقان بحكم موقعه كان بمثابة حلقة وصل بين المراقب العام والكوادر، خاصة فيما يتعلق بتطبيق القرارات على الأرض؛ وبالتالي فإنّ اعتقاله يُضعف سلسلة القيادة، ويعطل آلية اتخاذ وتنفيذ القرارات داخل التنظيم. وهو أكثر من مجرّد "مُنظّم" أو "حلقة وصل" داخل جماعة الإخوان المسلمين؛ بل تشير المعطيات إلى أنّه كان عنصرًا محوريًا في الشبكة المالية التي تمكّن الجماعة من الصمود والتنظيم والتأثير، سواء على مستوى الداخل الأردني أو في التواصل مع الداعمين الخارجيين. والاشتباه بتورطه في تمويل خليّة تُعتبر خارجة عن إطار النشاط السلمي يعكس تحولاً في النظرة الأمنية إلى طبيعة عمل الجماعة، خاصة في ظل تغير السياق الإقليمي والدولي.
ويرى مراقبون أنّ الدولة الأردنية باتت تنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط كخصم سياسي، بل كجسم موازٍ غير خاضع لسلطتها، يسعى لتشكيل نفوذ موازٍ داخل المجتمع، مستندًا إلى شبكة مؤسسات اجتماعية وخيرية وتعليمية واقتصادية.
حزب الإخوان وتناقضاته
منذ اللحظة الأولى للكشف عن خلية الإخوان زعم وائل السقا، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أنّ الحزب مستقل عن أيّ جماعة، ولا يتبع أيّ إيديولوجية.
وفي أعقاب توقيف أحمد الزرقان، أكد المحامي عبد القادر الخطيب، نائب رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي ـ الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ـ، في تصريح خاص لـ (الجزيرة نت)، استنكاره لاعتقال القيادي في جماعة الإخوان، الزرقان، معتبراً أنّ استمرار سياسة الاعتقالات بحقّ بعض قيادات الجماعة، يسيء إلى صورة الأردن أمام الرأي العام المحلي والدولي، ويضرّ بمصالحه العليا!
ودعا الخطيب الحكومة إلى انتهاج سياسة الحكمة والتهدئة، مطالباً بالإفراج عن الزرقان والقيادي عارف حمدان، وجميع المعتقلين السياسيين، زاعماً أنّ الاعتقالات جاءت على خلفية مشاركتهم في فعاليات التضامن مع غزة. وأوضح أنّه مُنع من زيارة المعتقلين عدة مرات، مدّعياً أنّه لا توجد مبررات قانونية لاستمرار احتجازهم.
ولم يصدر عن حزب جبهة العمل الإسلامي بيان صريح ومباشر يُدين اعتقال القيادي الإخواني البارز أحمد الزرقان، وهذا الصمت أو التريث له دلالات سياسية وتنظيمية مهمّة من اعتقال أحمد الزرقان يتّسم حتى الآن بالصمت الحذر، فيما يبدو أنّه موقف تكتيكي لتفادي التصعيد، مع ترك الباب مفتوحًا لاحقًا للتعليق بناءً على مجريات التحقيق. وإذا ما تبيّن أنّ القضية ستُتخذ ذريعة لتوسيع استهداف الجماعة، فقد نرى مواقف أكثر وضوحًا في المرحلة المقبلة، لكن بصيغة "حقوقية" لا "تصادمية، فالحزب في العادة يتجنب التصعيد المباشر مع الدولة، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بشخصيات قد تكون محلّ اتهام أمني أو قضائي. ومن هنا، فإنّ غياب بيان رسمي قد يكون خيارًا محسوبًا لتفادي التورط في مواجهة مفتوحة مع السلطات، خصوصًا إذا كان هناك ملف قضائي قيد التكوين ضد الزرقان.
في المقابل، يؤكد الحزب على استقلاليته القانونية والسياسية، مشددًا على أنّه يعمل ضمن إطار القانون الأردني. أمين عام الحزب وائل السقا صرح بأنّ الحزب "أردني بالكامل" ولا علاقة تنظيمية له بالجماعة، مؤكدًا التزامه بالقانون واستمراره في دعم القضايا الوطنية في حال استمرار الضغوط، وقد يلجأ الحزب إلى التصعيد القانوني أو السياسي للدفاع عن وجوده في الساحة السياسية، في ظل تصاعد الدعوات داخل البرلمان لحله.
من جانبها، تواصل السلطات الأردنية إجراءاتها، في إطار تطبيق القانون والحفاظ على الأمن الوطني، حيث إنّ التصريحات والأنشطة التي قامت بها الجماعة تهدد أمن الدولة، وتسهم في تعكير صفو العلاقات مع دول شقيقة، وتعرّض مصالح الأردن للخطر.
ويبدو أنّ الأسابيع المقبلة سوف تكون مفصليّة في رسم ملامح العلاقة بين النظام الأردني وجماعة الإخوان المسلمين، وربما تحدد مستقبل التنظيم، في ظل ما يُوصف بإعادة هيكلة شاملة للخارطة السياسية والأمنية في البلاد، بعد فترة طويلة من محاولات إعادة تأهيل الجماعة، وهو ما فشل بامتياز.