إلى متى ستتحكم السلطة في شَعر النساء الإيرانيات؟

إلى متى ستتحكم السلطة في شَعر النساء الإيرانيات؟

إلى متى ستتحكم السلطة في شَعر النساء الإيرانيات؟


12/06/2023

ترجمة: محمد الدخاخني

من بين نتائج الاحتجاجات التي عَمّت إيران، بسبب الوفاة المأساويّة لمهسا أميني في قسمٍ للشّرطة في أيلول (سبتمبر) 2022، التّراجع واسع النّطاق لشرطة الآداب، المسؤولة عن فرض قانون الحجاب الإلزاميّ، من شوارع البلاد. أيضاً، هناك نتيجة أخرى لم تحظ باهتمام كبير، ولكنّها قد تكون أكثر أهميّة بكثير: الصّدع المفتوح على نحو متزايد بين النّخب الحاكمة المتشدّدة والمؤسّسة العسكريّة والأمنيّة في إيران.

لقد شكّلت معارضة الحجاب الإلزاميّ بؤرة الاحتجاجات، وبالنّظر إلى الأهميّة الرّمزيّة لـ«دوريات الإرشاد» التي تتطفّل على النّاس، فإنّ اختفاءها لم يكن انتصاراً بسيطاً بالنّسبة إلى المتظاهرين. ومشهد النّساء اللائي يمشين في الشّوارع الإيرانيّة من دون ارتداء الحجاب الإلزاميّ أصبح أمراً طبيعيّاً على نحو متزايد سواء على الإنترنت أو في العالم الواقعيّ، مّما يُثير استياءً عميقاً لدى أكثر الفصائل تشدّداً بين النّخب الحاكمة، ناهيك عن القواعد المتناقصة التي تدعم هذه النّخب.

لكن من غير المرجّح أن يكون هذا الإلغاء العمليّ للحجاب الإلزاميّ في أجزاء كبيرة من الحياة العامّة نتيجةً لقرار سياسيّ واع بالانصياع لإرادة الشّعب وإدخال إصلاحات بنيويّة عميقة وطويلة الأجل. إنّ الأمر بعيد عن ذلك. ولا تزال المادّة رقم 638 من «قانون العقوبات الإسلاميّ»، وهي الأساس القانونيّ للحجاب الإلزاميّ، ضمن قوانين البلاد ولم تُبطَل أو تُغيّر بعد. (تنصّ المادة على أنّ رفض الامتثال لمفهوم الدّولة «للحجاب الإسلاميّ» في الأماكن العامّة يُعدّ جريمة جنائيّة يُعاقَب عليها بالجلد، والحبس، والغرامة).

مهسا أميني

في الواقع، حتّى عندما كانت الاحتجاجات تكشف انعدام الشّعبيّة الهائل لتحكّم الدّولة في ملابس النّساء، تحدّثت وسائل إعلام إيرانيّة عن أنّه داخل حدود بعض المباني الحكوميّة والمراكز الماليّة، كانت السّلطات في الواقع تُشدّد - بدلاً من أن تُخفّف - من تحكّمها في ملابس النّساء. وكما لو كان ذلك لزيادة تأجيج المشاعر العامّة، تعهّد مسؤولون كبار، من بينهم مشرّعون ومسؤولون قضائيّون، في سلسلة من التّصريحات التّحريضيّة، بمضاعفة الجهود لإجبار النّساء على الامتثال لقانون تحتقره، أو ببساطة لا تدعمه، الغالبيّة العظمى من الإيرانيّين.

خلع الحجاب يُعدّ جريمة

على سبيل المثال، أشار مسؤول قضائيّ كبير إلى أنّ تشجيع الأخريات على خلع الحجاب يُعدّ جريمة أسوأ من عدم ارتداء الحجاب. ووعد عضو في البرلمان بأنّ تجعل السّلطات تكلفة انتهاك قانون الحجاب الإلزاميّ أكبر، واقترح حظر الحسابات المصرفيّة للنّساء غير الملتزمات بالقانون. واقترح مشرّع آخر حِرمان أيّ امرأة تخالف الحجاب الإلزاميّ من الخدمات العامّة.

وبعد ذلك بوقت قصير، كشف أحد أعضاء البرلمان عن خطط لمعاقبة النّساء اللائي يرفضن الالتزام بقواعد اللباس المثاليّ التي تفرضها الدّولة: «أولاً، سوف نرسل رسالة نصّيّة إلى الجانية، من باب التّحذير. ثمّ، إذا أصرّت على ارتداء الحجاب غير اللائق، سوف نعثر عليها.... وسوف تُحظَر بطاقة هويّتها الوطنيّة إلى أن تدفع الغرامة. وسوف نحرمها من جميع الخدمات الاجتماعيّة، مثل الوصول إلى النّظام المصرفيّ للبلاد».

الإحجام عن عن تحكّم الدّولة في شعر النّساء يعود جزئيّاً إلى اعتقادٍ راسخ لدى بعض المتشدّدين بأنّ أيّ تنازل بقضيّة الحجاب سيمهّد الطّريق حتماً لتنازلات أكبر

وإذا كانت هناك أيّ شكوك حول جدّيّة مثل هذه الدّعوات، فقد زالت عندما أعلن قائد الشّرطة الإيرانيّة المعيّن حديثاً أحمد رضا رادان أنّه اعتباراً من الخامس عشر من نيسان (أبريل)، ستكون هناك حملة متجدّدة ومنسّقة على الصّعيد الوطنيّ لتحديد، وتحذير، ومعاقبة النّساء غير الممتثلات لشرط الحجاب، ليس فقط في الشّوارع العامّة ولكن أيضاً في السّيّارات، والمباني التّجارية من قبيل المطاعم ومراكز التّسوّق، والمباني العامّة من قبيل الوزارات والمدارس. وأضاف أنّه في عمليّة تحديد الجانيات، سوف تستخدم الشّرطة كاميرات وتكنولوجيا متقدّمة لالتقاط صور للنّساء غير الملتزمات بالحجاب اللائق. ثمّ سترسل الشّرطة رسائل نصّيّة لتذكيرهنّ بالتجاوز المفترض. كما حذّر رادان أصحاب المساحات التّجاريّة، مثل المطاعم وصالات الأكل، من أنّهم سيواجهون تحذيرات وإغلاقات إذا فشلوا في فرض الحجاب الإلزاميّ على النّساء المتواجدات داخل أماكن عملهم. ووفقاً لرادان، فإنّ عدم ارتداء الحجاب «اللائق» أثناء التّواجد في السّيّارة سيؤدي إلى تحذير السّلطات، أولاً، لمالكة السّيّارة، ثمّ، لاحقاً، حجز السّيارة إذا تُجوهلت التّحذيرات.

تحكّم الدّولة في شعر النّساء

إنّ الإحجام عن الإنهاء التّامّ لتحكّم الدّولة في شعر النّساء يعود جزئيّاً إلى اعتقادٍ راسخ لدى بعض المتشدّدين بأنّ أيّ تنازل بشأن قضيّة الحجاب سوف يمهّد الطّريق حتماً لتنازلات أكبر بشأن كثير من القضايا الأخرى، ممّا يؤدّي في النّهاية إلى سقوط الجمهوريّة الإسلاميّة. وقد وجد هذا الرّأي تعبيراً عنه في سلسلة من التّعليقات الاستفزازيّة لمسؤولين مثل النّائب حسين جلالي. في القلب الدّيني لإيران، مدينة قم، قال جلالي لمجموعة صغيرة جدّاً من النّساء اللائي تجمّعن للتّعبير عن معارضتهنّ للحجاب غير اللائق: «من المستحيل أن نتراجع عن قضيّة قانون الحجاب [الإلزاميّ]. فنهاية هذا القانون تعني نهاية الجمهوريّة الإسلاميّة».

شكّلت معارضة الحجاب الإلزاميّ بؤرة الاحتجاجات

لكن من غير الواضح ما إذا كانت مثل هذه الآراء تتمتّع بتعاطف واسع النّطاق بين القادة العسكريّين والأمنيّين، الذين يدركون أنّه ما دامت السّلطات تصرّ على تطبيق مثل هذه القوانين التي لا تحظى بشعبيّة، فإنّ النّظام العام سوف يخضع للتّشكيك، وسوف تسود الاضطرابات المدنيّة بسبب خصيلات شعر امرأة، على نحو من المحتمل أن يقوّض أحد آخر الإنجازات المتبقية - والمُعرِّفة بشكل متزايد - للجمهوريّة الإسلاميّة: الأمن.

لا يخفى على أحد أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة تواجه أزمات مزمنة في الإدارة الفعّالة والشّرعيّة. وتظهر تداعيات هذه الأزمات بشكل أقوى عندما يتفقّد المرء الحالة الكئيبة للاقتصاد الإيرانيّ، والتّآكل التّدريجي لشرعيّة النّظام السّياسيّ، والفضاء الضّيّق بشكل لا يطاق للمعارضة السّياسيّة، والخنق المتزايد للحرّيّات المدنيّة. وقد دفع فشل الدّولة في الوفاء ببعض مسؤوليّاتها الأساسيّة تجاه المواطنين إلى الاعتماد بشكل متزايد على نجاحاتها المتعلّقة بالأمن بوصفها مصدر الشّرعيّة لصرف النّقد المحلّيّ. ونتيجة لذلك، وجد توفير الأمن معنى جديداً لكلّ من السّيادة والمواطن. وعلى نحو متزايد، تعمل قدرة الدّولة على الحفاظ على سلامة وأمن مواطنيها بوصفها مقياساً أساسيّاً يُحكَم بموجبه عليها. يُربط الحكم الرّشيد بشكل غير متناسب بنجاح الجهاز الأمنيّ ويُصاغ بلغة تتمحور حول الأمن. وقد عزّز وقوع إيران في منطقة يغمرها الاضطراب وعدم الاستقرار هذا الاتّجاه.

«المرأة، الحياة، الحرية»

لكن كما أظهرت احتجاجات «المرأة، الحياة، الحرية» بشكل كبير، فإنّ عدم قدرة النّخب السّياسيّة الإيرانيّة المتشدّدة وعدم استعدادها للاعتراف بشكل مناسب بالمطالب الشّعبيّة والاستجابة لها يمكن أن يؤدّي في أيّ لحظة إلى سلسلة كارثيّة من الأحداث التي يمكن أن تؤدّي بدورها إلى تحدّيات أمنية مستعصية على الحلّ. وبالتّالي، يقوّض استقرار الجمهوريّة الإسلاميّة.

إذا ظهرت هذه التّحديات، وعندما تظهر، فليست القيادة السّياسيّة هي التي سوف تتحمّل وطأة الاضطرابات السّياسيّة، بل قوّاتها المسلّحة. إنّ قوّات الأمن، بما في ذلك الحرس الثّوريّ الإسلاميّ، هي التي سوف تُستدعَى لاستعادة النّظام العام من خلال القمع الوحشيّ للاحتجاجات التي يُحفّزها عناد، وتردد، وعدم كفاءة النّخبة الحاكمة المتشدّدة المنفصلة عن واقع المجتمع والتي تشعر بأنّها محميّة من تداعيات الاضطرابات الاجتماعيّة.

المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة القويّة بشكل متزايد ستجد صعوبة أكثر فأكثر في الوقوف مكتوفة الأيدي بينما تدفع النّخب السّياسيّة المتشدّدة البلاد نحو أزمة أمنيّة أخرى

الثّمرة الحتميّة لهذا التّوزيع غير المتكافئ للسّبب والنّتيجة، ناهيك عن التّناقض بين أولويّات القيادة العسكريّة والقيادة السّياسيّة، هي التّضارب المحتمل في المصالح. لا يزال هذا الصّراع في مرحلة جنينيّة، وقد لا يتطوّر أبداً إلى مواجهة كاملة. في الواقع، من المهمّ أن نتذكّر أنّه على الرّغم من الأولويّات المتباينة بين هاتين القوّتين، فإنّ مصالح الحرس الثّوريّ والمتشدّدين في إيران تتوافق بشأن العديد من القضايا. علاوة على ذلك، كان للحرس الثّوريّ، حتّى وقت قريب جدّاً، دور فعّال في مساعدة المتشدّدين في الحفاظ على سلطتهم وتوسيعها من خلال استبعاد منافسيهم السّياسيّين من الهيكل السّياسيّ. ومن الأمثلة على ذلك الدّور المحوريّ للحرس الثّوريّ في تأمين صعود إبراهيم رئيسي إلى الرّئاسة.

لا تزال المادّة رقم 638 من «قانون العقوبات الإسلاميّ»، وهي الأساس القانونيّ للحجاب الإلزاميّ، ضمن قوانين البلاد ولم تُبطَل أو تُغيّر بعد

لكنّ تضارب المصالح النّاشئ هذا قد يكون أكثر أهميّة بكثير إذا استمرّ المتشدّدون في المضي قُدُماً في السّياسات التي تُثير غضب الرّأي العام، وتُغذّي الاضطرابات الاجتماعيّة، وتعرّض للخطر النّجاحات التي حقّقتها القوّات المسلّحة بشقّ الأنفس. في مثل هذا السّيناريو، قد يجد القادة العسكريّون صعوبة متزايدة في الوقوف مكتوفي الأيدي لأنّ عدم كفاءة القيادة السياسيّة، التي لا تتمتّع بشعبيّة، تصنع أزمة تلو الأخرى. وتتعزّز الحاجة الملحّة للتدخّل بشكل أكثر نشاطاً في المجال السّياسيّ من خلال إدراك أنّ مسألة مَن سيخلف المرشد الأعلى علي خامنئي، البالغ من العمر الآن أربعة وثمانين عاماً، تبدو أقلّ تجريداً وأكثر إلحاحاً يومًا بعد آخر.

في حين أنّه من غير الواضح ما إذا كان تضارب المصالح بين القوّات المسلّحة والنّخب السّياسيّة المتشدّدة سيتصاعد إلى صدام كامل، هناك بالفعل دلائل على نفاد صبر متزايد بين جنرالات إيران بشأن تعامل السّلطات مع الاحتجاجات المعادية للحجاب الإلزاميّ.

بعد وقت قصير من اندلاع الاحتجاجات على قدم وساق، تحدّث قائد كبير في الشّرطة بصراحة عن الوضع المزري لـ«دوريات الإرشاد». واعترف قائلاً إنّه «لم يرغب أيّ من زملائنا في العمل في هذا القسم». ولذلك، ليس من المستغرب أن تسحب الشّرطة بسرعة «دوريات الإرشاد» من العديد من المراكز الحضرية فور وفاة أميني في قسم للشّرطة.

في الواقع، أثناء حديثه عن صنع القرار والحكم، لم يكن أمام رئيس مجلس النّواب، باقر قالباف، وهو نفسه قائد سابق في الحرس الثّوريّ، من خيار سوى الاعتراف بأنّه «في بعض القضايا، لا نقدر على حلّ بعض المشكلات، وعندما نحلّها، لا نفعل ذلك في الوقت المناسب».

ما رأي الحرس الثوري؟

حتّى في الوقت الذي كانت تتحدّث فيه السّلطات عن اتّخاذ إجراءات جديدة لتشديد الرّقابة على أجساد النّساء، انتقدت وسيلة إعلاميّة تابعة للحرس الثّوريّ علناً سياسيي البلاد وطريقة تعاملهم مع «الأزمات» التي ظهرت بعد وفاة أميني، لا سيما «التّصريحات والإجراءات المتناقضة» للسّلطات ردّاً على الاضطرابات.

اقترح مشرّع حِرمان أيّ امرأة تخالف الحجاب الإلزاميّ من الخدمات العامّة

أيضاً، حذّر منشور آخر للحرس الثّوريّ أولئك الذين «يوجّهون المجتمع، عن قصد أو عن غير قصد، نحو طريق يصطدم فيه النّاس ببعضهم البعض، ناهيك عن اصطدامهم بالدّولة والقانون». ووصف المنشور هذه المواجهة بـ«غير المجدية»، وتابع قائلاً إنّ «صور قوّات الأمن وهي تحذّر» النّساء بشأن الحجاب «حرّضت» المتظاهرين. علاوة على ذلك، بعد وقت قصير من إعلان رادان أن السّلطات ستضاعف جهودها لفرض الحجاب الإلزاميّ، نشرت جافان، وهي صحيفة يوميّة على صلة بالحرس الثّوريّ، تحذيراً ضدّ «الأشخاص الذين يدخلون في صراعات مع بعضهم البعض أو يقوّضون التّعايش السّلميّ بسبب مسألة الحجاب».

وفي منتصف أيار (مايو)، وصف رئيس تحرير جافان أئمة صلاة الجمعة في البلاد بأنّهم «غير متابعين» لتقدّم وتعقيدات المجتمع الإيرانيّ. وحذّر رئيس التّحرير الأئمة، الذين يعيّنهم خامنئي نفسه، من الإدلاء بتصريحات تحريضيّة بشأن النّساء غير المحجّبات. كان على الأرجح يردّ على إمام، في مدينة رشت الشّماليّة، غادر احتفالاً رسميّاً بسبب جلوس نساء غير محجّبات في المكان. قال: «أحتقر أيّ امرأة هنا لا ترتدي الحجاب». وأضاف: «لو علمت أن هذا الاجتماع سيعقد بهذه الطّريقة، لما حضرت».

ويبقى أن نرى ما إذا كان تضارب المصالح النّاشئ بين القوّات المسلّحة والنّخب السّياسيّة المتشدّدة في إيران سيتطوّر إلى مواجهة كاملة. لكن ما هو مؤكّد أنّ المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة القويّة بشكل متزايد ستجد صعوبة أكثر فأكثر في الوقوف مكتوفة الأيدي بينما تدفع النّخب السّياسيّة المتشدّدة البلاد نحو أزمة أمنيّة أخرى من خلال الإصرار المتهوّر على فرض قوانين لا تتمتّع بشعبيّة وتؤجّج الرّأي العامّ.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

سجَّاد صفائي، فورين بوليسي، 5 حزيران (يونيو) 2023



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية