إلى أين وصلت الخلافات بين الأذرع الإخوانية في الجزائر؟

إلى أين وصلت الخلافات بين الأذرع الإخوانية في الجزائر؟

إلى أين وصلت الخلافات بين الأذرع الإخوانية في الجزائر؟


28/05/2023

في الجزائر، يبدو أنّ الشقاق بين حركة مجتمع السلم (حمس) الذراع السياسية للإخوان، وحركة البناء الوطني، الذراع الإخوانية الأخرى، قد بلغ مرحلة جديدة، فبعد مرور أكثر من عام على التراشق الشهير بين الحركتين في البرلمان الجزائري، عادت المناوشات مرة أخرى بين الطرفين.

كان البرلمان الجزائري قد شهد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 تراشقاً بالألفاظ بين أكبر حزبين سياسيين ينحدران من تيار الإخوان، إبّان مناقشة قانون المالية، فبينما كانت حركة البناء الوطني داعمة للقانون، اتخذت حركة مجتمع السلم موقف المعارض، وحينها وصف عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، حركة البناء الوطني بانتهاج الكذب والخداع وممارسة التناقض، والانخراط في مسار السلطة السياسي.

رئيس حمس في المؤتمر الثاني لحركة البناء الوطني

في أيّار (مايو) الجاري انعقد المؤتمر العام الثاني لحركة البناء الوطني، بحضور رؤساء عدد من الأحزاب، بالإضافة إلى عدد من الوزراء، وضيوف الخارج، وكان من بين الحضور، عبد العالي حساني، الرئيس الجديد لحركة حمس، بالإضافة إلى قيادات بالتنظيم الدولي للإخوان، من بينهم خليل الحية عضو المكتب السياسي لحركة حماس، وعماد البناني رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، والقيادي في حركة النهضة التونسية فتحي العيادي.

 البرلمان الجزائري

حركة البناء الوطني، التي تشارك في الحكومة بحقيبة وزارية، فاجأت الجميع بدعوة حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق في مصر، وأبرز وجوه التيار الناصري، وهو ما أثار حفيظة رئيس حركة مجتمع السلم، وبحسب مراقبين، انتقد حساني حضور صباحي، ووصفه بأحد المسؤولين عن دماء الإخوان في فض اعتصام رابعة.

من جهتها، رحبت حركة البناء الوطني بضيفها المصري، بصفته الأمين العام للمنتدى القومي العربي، وتجاهلت انتقادات حمس وسائر الأذراع الإخوانية الموجودة في المؤتمر، وبدوره أشاد صباحي بالتجربة الحزبية لحركة البناء الوطني.

هجوم ضمني وانتقادات

بعد انتخابه لولاية جديدة، هاجم رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، بشكل ضمني، توجهات حركة مجتمع السلم، وانتقادها للملف الحقوقي والحريات في الجزائر، وقال: "من يتعرّض لمؤسسات الدولة في الجزائر، أو يمسّها بالقول، فهو خائن، ومن يمسّ مؤسسة الرئاسة أو شخص الرئيس، فهو خائن، باعتباره حامي الدين وممثل الدستور". وأضاف: "إذا كان رئيس الدولة هو عقل الأمّة، فإنّ الجيش هو عمودها الفقري، وأجهزتنا الأمنية هي النخاع الشوكي". وأشار إلى أنّ "كل من لا يعتبر ذلك صحيحاً؛ هو جاهل أو خائن".

هاجم رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، بشكل ضمني توجهات حركة مجتمع السلم، وانتقادها للملف الحقوقي والحريات في الجزائر

وبحسب تقارير إعلامية، انتقد عبد العالي حساني ما وصفه بالأداء المسرحي لرئيس حركة مجتمع السلم، وتلويحه بإصبعه، في إشارة للتهديد بشكل لم تتقبله حركة مجتمع السلم، والتي أكدت مراراً على مقاطعتها المشاركة في الحكومة، وأنّها سوف تنتهج دوماً نهجاً معارضاً.

اختلاف في الرؤى حول الملف الحقوقي

وجهت حركة مجتمع السلم انتقادات للسلطات الجزائرية فيما يتعلق بالملف الأمني، ودعت إلى "إنهاء جميع أشكال الاعتقال بسبب الرأي السياسي"؛ بداعي "تفويت الفرصة على من يستغل هذا الملف لغرض الابتزاز والتدخل الأجنبي". جاء ذلك بالتزامن مع قرار ينتقد ملف حرية الإعلام في الجزائر، أصدره البرلمان الأوروبي، والذي صدّق على لائحة تطالب السلطات الجزائرية بإطلاق سراح الصحافيين المسجونين؛ إحسان القاضي ومصطفى بن جامع، ووقف ما سمّاه "المضايقات ضدّ الصحافيين". القرار صدر بأغلبية (536) نائباً في البرلمان الأوروبي وافقوا على القرار، في مقابل اعتراض (4) نواب، وامتناع (18) نائباً عن التصويت.

وقالت حمس في بيان رسمي: إنّ الحزب يعتبر حرية الصحافة والتعبير والتعددية الإعلامية والنقابات والجمعيات "من الوسائل المنصوص عليها في الدستور الجزائري، الأمر الذي يتطلب حمايتها وتجريم من ينتهكها"، في إشارة ضمنية إلى السلطة، كما انتقدت الحركة تعامل النظام مع ملف حقوق الإنسان وحرية الصحافة والحريات النقابية.

قالت حمس في بيان رسمي: إنّ الحزب يعتبر حرية الصحافة والتعبير والتعددية الإعلامية والنقابات والجمعيات من الوسائل المنصوص عليها في الدستور الجزائري

حركة مجتمع السلم أكدت كذلك أنّ "القوى الوطنية الحية في الجزائر أولى بالتنديد والاستنكار تجاه حالة الردة السياسية في حقّ الحريات وحقوق الإنسان في الجزائر، وهي مصدر قلق حقيقي، وخصوصاً مع تلك المفارقة بين المكاسب الدستورية والقانونية النظرية، وبين واقع ممارسات السلطة التعسفية اليومية، التي ما تزال تمعن في سياسة الغلق والهيمنة والتحكم السلطوي الفوقي، والتي ستؤدي، لا محالة، إلى الاحتقان والانفجار يوماً ما".

من جهتها، انتقدت حركة البناء الوطني قيام حمس بالتعريض بالنظام الجزائري، لافتة إلى أنّ أيّ نقائص فعلية في هذا المجال يمكن معالجتها عبر حوار داخلي. واستنكرت في بيان رسمي التدخل الأوروبي، باعتباره انتهاكاً للسيادة الوطنية، وتدخلاً سافراً في الشأن الجزائري، وقالت: "إنّنا لا نبرر أيّ نقص مهما كان صغيراً أو كبيراً، بل يجب علينا استدراكه وتصويبه وسدّ الخلل فيه". وأضافت حركة البناء: "نحن واعون وقادرون على أن نتحاور بيننا، ونتجاوز خلافاتنا دون أيّ استقواء بالأجنبي مهما كان هذا الأجنبي، ونصحح أخطاءنا، إن وجدت، بكل شجاعة".

محمد الفرجاني: مشاركة حركة البناء الوطني في الحزام الحكومي أزعج حمس، التي ترفع الآن شعار الممانعة، على الرغم من مشاركتها فيما مضى في الحكومة

ويلفت الدكتور محمد الفرجاني، الخبير في الشؤون العربية، إلى أنّ الشقاق بين حركة البناء الوطني وحركة حمس ليس بجديد، فهو يعود إلى العام 2012، منذ انشقاق حركة البناء الوطني عن حركة مجتمع السلم، قبل أن يؤسس مصطفى بلمهدي الحزب في 2013، وينادي كل تيار بأحقيته في ميراث محفوظ نحناح، مؤسس التيار الإخواني في الجزائر.

ويؤكد الفرجاني، في تصريحات خصّ بها (حفريات) أنّ مشاركة حركة البناء الوطني في الحزام الحكومي أزعج حمس التي ترفع الآن شعار الممانعة، على الرغم من مشاركتها فيما مضى في الحكومة، حيث ابتعدت حركة البناء جزئياً عن رهانات حمس، وطموحها السياسي الذي أعلن عنه مؤخراً عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق للحركة، والذي كشف عن نيته الترشح لانتخابات الرئاسة في الجزائر. وعليه تبقى الخلافات قائمة، حيث تؤيد حركة البناء توجهات رئيس الدولة، عبد المجيد تبون، وتتحرك بوصفها عضواً مسؤولاً في الحكومة، بينما تنهج حمس سياسة المناورة والانتهازية في أحيان كثيرة.

مواضيع ذات صلة:

الجزائر: هل تهدف حملة الحجاب في الجامعات إلى "الأدلجة" و"التدجين"؟

إخوان الجزائر على محور أمريكي صيني... ما القصة؟

إخوان الجزائر ورئاسيات تركيا: تبجيل أردوغان وهوسٌ بالنموذج التركي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية