إفريقيا جنوب الصحراء.. مركز جديد للإرهابيين أم مقام مؤقت للجهاديين؟

إفريقيا جنوب الصحراء.. مركز جديد للإرهابيين أم مقام مؤقت للجهاديين؟

إفريقيا جنوب الصحراء.. مركز جديد للإرهابيين أم مقام مؤقت للجهاديين؟


22/03/2023

عبدالجليل سليمان

كشف تقرير خاص بسياسة أمن المعلومات 2022، صادر عن دائرة الاستخبارات الإيطالية، ونقلته وكالة الأنباء الإيطالية (آكي) الشهر الماضي، عن أنّ إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أصبحت مركز ثقل جديداً لتنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، بعد انحسار أنشطتهما وتراجعهما في معاقلهما المركزية التقليدية، الأمر الذي منحهما مساحة أكبر للحركة والتمدد، وأدَّى إلى مزيدٍ من التفويض للجماعات المتفرعة منهما في جغرافيات أخرى.

ولفت التقرير إلى عدة عوامل وفرت بيئة مناسبة للتنظيمين في بعض دول إفريقيا جنوب الصحراء، على رأسها: ضعف الحكومات والجيوش، وعدم قدرتها على فرض هيبة الدولة على المناطق النائية البعيدة عن المراكز الحضرية، وتفشي الفساد المالي والإداري على نطاقٍ واسع، واختلال عملية إدارة الموارد وتوزيعها على السكان، فضلاً على تأثيرات المناخ على البيئة والعمليات الإنتاجية، ما سهل على الجماعات الجهادية الاستثمار في هذه الحالة من السيولة الاقتصادية والأمنية وتجييرها كأدوات ضغط على الحكومات بإثارة استياء السكان المحليين وتحريضهم على الخروج عنها والتمرد عليها.

خطوط عريضة ولا تفاصيل

وفي السياق، أفاد المحلل السياسي المهتم بشؤون غرب إفريقيا عبد السلام عصام لـ”كيوبوست” أنّ التقرير الأمني الإيطالي ناقش التفاصيل وأغفل العموميات، حيث إن الأزمة الكُبرى التي تعانيها جل الدول الإفريقية جنوب الصحراء تكمن في الحكومات العسكرية المستبدة الموالية والمدعومة من الدول الغربية نفسها، وهي حكومات ليس لها سند شعبي ولا ظهير وطني ففُرضت على المواطنين، دون أن يختاروها بملء إرادتهم، وبالتالي أصبحوا مهيئين نفسياً لتقبل كل من يمنحهم أملاً في انتشالهم من الأوضاع المزرية التي يعانونها، حتى لو كان داعشياً، وفقاً لتعبيره.

أما بقية العوامل التي أشار إليها التقرير، فهي نتائج وانعكاسات للعامل المركزي المتمثل في الاستبداد، وبالتالي لن تنقضي التمردات، ولن تنحسر الحركات الجهادية، ما لم يتم تطوير ودعم أنظمة حكم رشيدة أو ترميم الأنظمة الماثلة بحيث تصبح أكثر مرونة وأقل استبداداً.

لا مركزية ومرونة

بالنسبة للمحلل السياسي عمر حسنين، فإنّ لا مركزية تنظيمي القاعدة وداعش تمنحهما مرونة تتيح لفروعهما المنتشرة في إفريقيا استقلالية أكبر في الحركة والتنظيم، وإعادة التموضع واستقلالية القرار. وهو عامل إضافي يضيف إلى قوتهما في ظلِّ الأوضاع الهشة المتمثلة في ضعف بنيات وهشاشة هياكل الدول الإفريقية جنوب الصحراء، والسخط العام من أسلوب أدائها وسط مواطنيها، والتي أفضت إلى إيجاد بيئة متصالحة ليس فقط مع الحركات الجهادية، بل أيضاً مع كل من ينهض ضد الدولة ويتمرد عليها.

يضيف حسنين في حديثه لـ”كيوبوست”، إن تمركز القاعدة وداعش خاصة في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أضحى بؤرة إقليمية لنشر الفكر الإرهابي المتطرف في القارة، ورحماً لتناسل الجماعات المماثلة مثل: بوكو حرام، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM)، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQMI)، والقاعدة في غرب إفريقيا (AQWA) إمارة الصحراء، وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO)، وجبهة تحرير ماسينا (FLM)، وغيرها من الحركات الشبيهة والحركات الإقليمية والجهوية والقبلية المتمردة الأخرى، حيث تسببت هذه الجماعات في حالاتٍ غير مسبوقة من النزوح تقدر بأكثر من 5 ملايين نازح، وعمليات قتل طالت نحو أكثر من 40 ألف مواطن ونظامي، فيما سيطرت على مناطق واسعة في عدة دولٍ إفريقية، وأخضعتها -وما تزال- لإدارتها، وتفرض الضرائب وتنظم حركة البضائع والسلع والتجارة عموماً، وتمتلك منظومة اتصالات ومفارز شرطية ووحدات أمنية وأسلحة متطورة، مثلها مثل الحكومات وربما أقوى في بعض الحالات.

جماعات عابرة

إلى ذلك يُشار إلى أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (GSIM) التي أعلنت انطلاقتها عام 2017، في منطقة الساحل كتحالف نتج عن اندماج طيفٍ واسع من الجماعات الإرهابية في كيان واحد، تعهدت بالولاء للقاعدة، ما يدل على التعزيز الاستراتيجي للإرهاب في منطقة الساحل.

وتستهدف هذه الجماعات جميع السكان المحليين، وتعمد إلى استقطابهم بشتى الطرق مع التركيز على ما يعرف بالأقليات العرقية المهمشة، مثل الطوارق والفولاني المعروفين أيضاً بـ(بولو أو فلبي)، وهم جماعات رعوية بدوية أو شبه بدوية عابرة للحدود خلف قطعانها، الأمر الذي يسهل للجماعات الإرهابية الانتقال عبر الحدود، حيث إن جل المنضمين إليها ينتسبون إلى هذه الجماعات العرقية المهمشة كما تدّعي، كما أن خبرة هذه الجماعات العابرة للحدود ومعرفتها العميقة بدروب الصحراء ومنعرجات الجبال والغابات، جعل من منسوبيها مفضلين للعمل كمرشدين وخبراء للحركات الإرهابية والحكومات على حد سواء، إلا أنهم أكثر ميلاً للأولى لانعدام ثقتهم بالثانية.

عن "كيوبوست"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية