
في اول ظهور جماهيري له، القى المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن " المهندس مراد العضايلة" خطابا في احتفال جماهيري اقامته الجماعة في مدينة اربد شمال الاردن تضامنا مع المقاومة في قطاع غزة، ولعل ما كان لافتا للنظر في خطاب العضايلة من وجهة نظر متابعين ومحللين ان الاخوان يعرضون التوصل الى صفقة مع الحكومة الاردنية، تنهي حالة "التشنج" التي نتجت عن تصعيد اخواني في الحراكات الجماهيرية التي نظموها تضامنا مع المقاومة، والتي تضمنت تشكيكا بالدولة الاردنية، كما يفترض ان تسبق هذه الصفقة الانتخابات النيابية المقرر اجراؤها في الاردن مطلع ايلول القادم، والتي اعلن الاخوان نيتهم المشاركة فيها، وقد اكد مراقبون ان الاخوان يغازلون السلطات الاردنية، استشعارا منهم بالخطر الذي يحيق بهم، بعد اشهر من التصعيد.
وخلافا لاتهامات معلبة يصدرها مؤيدو الاخوان في الاردن بان هناك تيارا في الدولة يعمل على "شيطنة" الاخوان المسلمين، الا ان تراجع الاخوان وارسالهم رسائل غزل وعرض "صفقة كبرى" ينفي ذلك، بل ويؤكد ان الاخوان ربما ادركوا حقائق جديدة، وبداوا تنفيذ خطة انسحاب "تكتيكي" ونزول متدرج عن الشجرة التي صعدوها، في ظل متغيرات وتطورات نوعية جديدة، وتحسبا لعواقب استمرار التصعيد، التي ستتجاوز مجرد "شيطنة" الاخوان، وستدفع الحكومة لخيارات تنهي معها مقاربة "اللاسلم واللاحرب" مع الاخوان.
ركز المحللون والمتابعون على عبارة وردت في خطاب العضايلة وهي" اليد التي تمتد الى الاردن سنقطعها" وجاءت في سياق ابراز العضايلة للتهديد الذي يواجهه الاردن من دعوات اليمين الاسرائيلي المتطرف" الذي يريد تحقيق احلامه التوراتية على حساب الاردن وفلسطين... وان المطلوب هو تعزيز الجبهة الداخلية وتقوية جيشنا العربي وتعزيز ارادتنا لمواجهة العدو الصهيوني الغاصب" وبعيدا عن البلاغة والانشاء، فان عبارة اليد التي تمتد الى الاردن وقطعها لها تاريخ في ادبيات الاخوان، لكنها بسياق مختلف تماما ،فالعبارة قالها الوزير والقيادي السابق في الاخوان الدكتور بسام العموش في اجتماع لقوى واحزاب المعارضة، في اواسط تسعينات القرن الماضي، عندما قال احدهم" سنحرق عمان" فرد عليه العموش" اللي بده يحرق عمان احنا بنحرقه"، وهي عبارة جوهرية تختصر جوهر الايدولوجيا الاخوانية ومقاربات الوطني والاممي والتي كانت سببا في اشقاقات الاخوان.
ما بين نوايا "قطع يد الصهيوني الذي يستهدف الاردن، وحرق عمان" تختفي مخاتلة قارة في الخطاب الاخواني بقيادة مراقبه العام الجديد، فالاردن يدرك ما يهدد امنه الوطني ممثلا بمخططات اليمين الاسرائيلي لتهجير مواطني الضفة الغربية الى الاردن، وهو مستعد لها على كافة المستويات، كما يدرك الخطر الذي تمثله ايران ومليشياتها وما تم الاعلان عنه عن تفكيك خلايا مشتركة" اخوانية، حمساوية وايرانية" وضبط اسلحة بحوزتها تردد انها لدعم المقاومة الفلسطينية، في حين انه تم تهريبها للاردن بهدف استخدامها في الاردن وضد امنه الوطني، ولا شك ان الكشف عن خلايا مسلخة في الاردن بمشاركة عناصر اخوانية سبب حرجا لقيادة الاخوان واذا كانت مواجهة اليمين الاسرائيلي واطماعه مسالة مرتبطة بصراعات دول، وفرت للاخوان مبررات يمكن استثمارها لتسويقها،فان مواجهة التهديد الايراني مرتبط بمليشيات، ولا شك ان اسهامات الاخوان ستكون اكثر نفعا في الدفاع عن الاردن بمواجهة الخلايا والمليشيات التي تراعاها ايران، لا سيما وانها تستخدم اساليب سرية واستخبارية يعرفها الاخوان المسلمون ،لا سيما التظيم السري،ويبقى السؤال فيما اذا كان ضمن خطط الاخوان الجديدة قطع اليد المليشياوية الايرانية التي يجري تاسيسها في الاردن ايضا؟.
ربما من المبكر اصدار احكام على خطاب المراقب العام الجديد لاخوان الاردن، وفيما اذا كان ما ورد في الخطاب مجرد تكتيك وانحناءة امام العاصفة، ام انه تغيير استراتيجي، لكن "التجارب" في محطات تاريخية سابقة يؤكد ان الخطاب الاخواني ما زال غير قادر عن الانفكاك عن امميته على حساب الوطني، ففي الربيع العربي اعتقد الاخوان ان رياحه ستمتد الى الاردن، فسارعوا في مواقف لم تكن مدروسة وتقديرات لم تقرا الواقع الا بالعواطف، بان وصولهم الى السلطة قاب قوسين او ادنى، وفي حرب غزة الجارية حتى اليوم، بنوا مقاربات بانتصار المقاومة وحماس، ليدركوا فيما بعد ان الانتصار ليس محسوما، فغزة تم تدميرها، وحماس ليس بمقدورها الدفاع عن انتصار على جماجم واشلاء الفلسطينيين من الاطفال والنساء، فيما بقاء حماس بصيغتها السياسية والعسكرية في قطاع غزة اصبح موضع شكوك، وهو ما تحاول حماس الاعتراف به والتكيف معه عبر المطالبة بدولة فلسطينية على حدود حزيران عام 1967، بدلا من فلسطين من البحر الى النهر، فيما تحولت لتبني مقاربات جديدة كالقيادة الفلسطينية المشتركة، في اعتراف اخر بان استفرادها بحكم غزة لن يعود قائما، ويبقى السؤال مطروحا فيما اذا كانت الصفقة التي يطرحها الاخوان على الحكومة الاردنية هي اسقبال قادة حماس في الاردن كما طرح القيادي في حماس "موسى ابو مرزوق" وهل ستقبل السلطات الاردنية بذلك؟