أي دور للمؤسسات الدينية في محاربة التطرف؟

أي دور للمؤسسات الدينية في محاربة التطرف؟

أي دور للمؤسسات الدينية في محاربة التطرف؟


17/08/2023

مع انتشار الإرهاب والفكر المتطرّف خلال الأعوام الأخيرة بين الشباب العربي، اتجهت كل الأنظار إلى المؤسسات الدينية والدور الذي يمكن أن تلعبه في محاربة العنف والتطرف، وكيف يمكن لها أن تكون بمثابة صمام الأمان للمجتمع، برغم ما لعبه بعضها من دور مشبوه في نشر الأفكار الدخيلة عن الإسلام.

(المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات) خصّ في ملف نشره حديثاً على موقعه بعنوان "محاربة التطرف ـ دور المؤسسات الدينية"، دور مؤسسة آل البيت الملكية في المملكة الأردنية، والرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وجهوودها في مواجهة الخطاب المتطرف، ومجالات التعاون بينها وبين المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي لمكافحة التطرف.

محاربة التطرف في المملكة الأردنية الهاشمية ـ دور مؤسسة آل البيت الملكية "فتوى برو"

هي مؤسسة إسلامية غير حكومية عالمية مستقلة، تتخذ من عَمّان مقراً لها، وهي تعمل لخدمة الإسلام والإنسانية جمعاء، من مهامها التعريف بالدين والفكر الإسلامي، وتصحيح المفاهيم والأفكار غير السليمة عن الإسلام، وإبراز العطاء الفكري الإسلامي وأثره في الحضارة الإنسانية، وتوضيح إنجازات آل البيت ودعوتهم إلى التعاون مع مراكز البحوث والمجامع والمؤسسات والهيئات العلمية والجامعات فيما يتفق وأهداف المؤسسة.

بذلت مؤسسة آل البيت جهوداً حثيثة في مواجهة الفكر المتطرف وحماية الشباب من براثن الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وأطلقت العديد من المبادرات وعقدت المؤتمرات والندوات للتصدي لهذا الفكر المتطرف.

مؤسسة إسلامية غير حكومية عالمية مستقلة، تتخذ من عَمّان مقراً لها، وهي تعمل لخدمة الإسلام والإنسانية جمعاء

وكانت "رسالة عمّان"، التي أطلقتها مؤسسة آل البيت، أولى المقاربات الفكرية التي انتهجتها المملكة الأردنية في محاربة الإرهاب، وهي بيان مفصل أصدره الملك عبد الله الثاني في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004؛ بهدف إيضاح جوهر الإسلام الحقيقي وبيان صورته السمحة البعيدة عن الغلو والتطرف.

وقد وجَّه الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى إصدار رسالة عمّان، للحاجة الملحّة لبيان الصورة الحقيقية للإسلام في المجتمع المعاصر، ومواجهة الهجمة الشرسة التي تحاول تشويه هذا الدين، مستغلة بعض الممارسات الخاطئة التي ارتكبت وترتكب باسمه، فدعا إلى تقديم رؤية شاملة لهذا الدين بكل أبعاده، وتحاول بدقة وموضوعية أن تقدم ببيان واضح حقائقه الساطعة، ودوره الفاعل المعهود في المجتمع الإنساني، وردّه على الممارسات الخاطئة التي ترتكب باسمه.

ودعت الرسالة إلى مؤتمر إسلامي عالمي دولي في عمّان لإعداد أدبيات حول المبادئ والأسس والقضايا الكبرى التي عرضتها هذه الرسالة، رغبةً في تأصيل هذه الرؤية لتكون عملاً إسلامياً عامّاً، وقد التقى أكثر من (177) عالماً من مختلف مذاهب الأمّة ومفكريها وأصحاب القرار والمعرفة الشرعية في مؤسسات الفتوى والمجالس والمجامع الفقهية.

بذلت مؤسسة آل البيت جهوداً حثيثة في مواجهة الفكر المتطرف وحماية الشباب من براثن الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية

 وانبثق عن رسالة عمّان حوار إسلامي داخلي بين مختلف علماء المسلمين؛ أنتج اتفاقاً على (3) نقاط رئيسة عُرفت بمضامين رسالة عمّان، وتتعلق بتحديد تعريف للمسلم في إطار المذاهب والمدارس المختلفة التي اتفق العلماء على أنّ أتباعها مسلمون لا يجوز تكفيرهم، والعناية بالمشتركات بين هذه المذاهب التي تتفق كلها في أصول الدين، وينحصر اختلافها في الفروع، مع تأكيد ضرورة عدم جواز التصدي للإفتاء من قبل غير المؤهلين أو ادعاء الاجتهاد واستحداث مذاهب جديدة أو فتاوى تخالف قواعد الشريعة وثوابتها.

أمّا مبادرة "كلمة سواء"، فقد كانت ثاني المقاربات الفكرية التي سعت لنشر ثقافة الوئام والسلام بين الشعوب والأديان، وهي مبادرة صادق عليها علماء مسلمون بارزون برعاية مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، تهدف إلى تحديد منطلق مشترك للحوار والعلاقات بين المسلمين والمسيحيين.

محاربة التطرف ـ الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم

هي هيئة عالمية متخصصة مقرها في القاهرة، تقوم بالتنسيق بين دُور الفتوى والهيئات الإفتائية العاملة في مجال الإفتاء في أنحاء العالم بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائي لتلك الجهات، مع التنسيق فيما بينها لإنتاج عمل إفتائي علمي رصين، ومن ثَمَّ زيادة فعاليتها في مجتمعاتها حتى يكون الإفتاء أحد عوامل التنمية والتحضر للإنسانية.

عقدت دار الإفتاء المصرية أولى مؤتمراتها العالمية في القاهرة في آب (أغسطس) 2015، وأثمر هذا المؤتمر عدداً من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من التواصل والتشاور بين دور وهيئات الفتوى في العالم، وكان على رأسها إنشاء أمانة عامة لدور وهيئات الفتوى في العالم.  

وتسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء لتوظيف آليّة المؤتمرات العالمية كإحدى أدوات ضبط الفتوى وترسيخ المنهج الوسطي في القول والرأي، وقد نجحت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في عقد (7) مؤتمرات منذ انطلاق مؤتمرها التأسيسي الأول في آب (أغسطس) 2015، بعنوان "الفتوى… إشكاليات الواقع وآفاق المستقبل".

وتحت عنوان "دور الفتوى في استقرار المجتمعات"، عقدت الأمانة العامة مؤتمرها الثالث في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، وعُني من خلال جلساته وأبحاثه بدعم الاستقرار عن طريق الفتوى انطلاقاً من أنّ الدين أساس الاستقرار، وأكد على أنّ التطرف بكل مستوياته طريق للفوضى والتخريب، وأنّ إحدى كبريات وظائف المفتي في الوقت الحاضر هي التصدي للتطرف والمتطرفين.

ومع تصاعد حدة التطرف الفكري، وتعاقب الأحداث الإرهابية العالمية التي أصبحت الأمّة الإسلامية تئن من تداعياتها، نظراً لتخفي تلك الجماعات المتطرفة خلف ستار الدين وتحريف النصوص الدينية لتبرير سفك الدماء واستباحة الحرمات، عقدت الأمانة العامة مؤتمرها العالمي الرابع في تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بعنوان: "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق".

الرابطة المحمدية للعلماء تنشط في مجال محاربة التطرف الديني، من خلال دورات وندوات فكرية وعلمية، وأيضاً من خلال نشر كتب ومؤلفات ودفاتر أكاديمية

وعقدت الأمانة مؤتمرها الخامس في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، ثم مؤتمرها السادس تحت عنوان: "مؤسسات الفتوى في العصر الرقمي... تحديات التطوير وآليات التعاون"، وذلك في آب (أغسطس) 2021، من أجل تطوير العمل الإفتائي بتطبيق التحول الرقمي، والدخول بالعملية الإفتائية في عصر النهضة الرقمية، وإدخال المؤسسات الإفتائية في العصر الرقمي، وتحديات تطبيق الرقمنة داخلها.

وعقدت الأمانة العامة مؤتمرها الدولي السابع في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، بعنوان "الفتوى وأهداف التنمية المستدامة"، وذلك بهدف إبراز دَور الفتوى الشرعية في عمارة الأرض وتحقيق التنمية المستدامة للدول والمجتمعات، بما يحقق رفاهية الإنسان، وسُبل إعادة بناء الوعي البشري تجاه قضايا البيئة والمناخ، والعلاقة بين الفتوى والتنمية المستدامة، وكيفية المساهمة في حماية المناخ.

وشاركت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في العديد من المؤتمرات الدولية التي تعمل على مكافحة التطرف والتصدي للفكر المتطرف.

وعملت الأمانة العامة أيضاً على تأسيس مركز بحثي وعلمي لإعداد الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، يرتكز على مناهج وسطية إسلامية ليعالج مشكلات التشدد والتطرف الخاصة بالمسلمين حول العالم، وعلاقته بالإفتاء تأصيلاً وتنظيراً، ويقدّم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة الآخذة في الازدياد، ومحاربتها والقضاء عليها.

إلى ذلك، سعت الأمانة العامة لتعزيز النهوض بالواجب المنوط بعلماء الأمّة ومفتيها. ويهدف المشروع إلى إخراج موسوعة علمية باللغات المختلفة تفكك وتناقش وتردّ على أفكار التطرف الديني خاصة، وتكتب باللغة العربية أصالة ثم تترجم إلى اللغات العالمية الحية تبدأ منها بالإنجليزية والفرنسية ثم تترجم بعد ذلك إلى غيرها من اللغات.

محاربة التطرف ـ  دور الرابطة المحمدية للعلماء في المغرب

وهي مؤسسة دينية مغربية غير ربحية، صدر قرار ملكي بتأسيسها في 14 شباط (فبراير) 2006، ويوجد مقرها في الرباط، عاصمة المملكة المغربية.

مؤسسة دينية مغربية غير ربحية، صدر قرار ملكي بتأسيسها في 14 شباط (فبراير) 2006

تدير الرابطة (14) مركزاً للدراسات والأبحاث، و(11) منبراً إعلاميّاً من مجلة وجريدة، وتخضع الرابطة المحمدية للعلماء من حيث مهامها وتكوينها وكيفيات تسييرها لأحكام القرار الملكي (الظهير الشريف)، الذي يُعتبر بمثابة نظامها الأساسي.

من أهدافها التعريف بأحكام الشرع الإسلامي الحنيف ومقاصده السامية، والعمل على نشر قيم الإسلام وتعاليمه، والمساهمة في تنشيط الحياة العلمية والثقافية في مجال الدراسات الإسلامية من خلال توثيق أواصر التعاون والشراكة مع المؤسسات والهيئات العلمية الأخرى ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب توثيق أواصر التعاون والتواصل بين العلماء والمفكرين والجمعيات والهيئات العلمية والمؤسسات الثقافية الوطنية والأجنبية.

ويُعدّ التصدي للفكر المتطرف ودعم المؤسسات والأفراد في مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وعدم السقوط في براثنها، أحد أبرز أهدافها.

الرابطة المحمدية للعلماء تنشط في مجال محاربة التطرف الديني من خلال دورات وندوات فكرية وعلمية، وأيضاً من خلال نشر كتب ومؤلفات ودفاتر أكاديمية ومفاهيمية لتفكيك خطاب التشدد والتطرف، فضلاً على مساهمتها في إرجاع عدد من المعتقلين السلفيين المتشددين داخل السجون إلى جادة الاعتدال والوسطية، من أجل اندماج ناجع في المجتمع بعد الخروج من السجن.

تسعى الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء لتوظيف آلية المؤتمرات العالمية كإحدى أدوات ضبط الفتوى وترسيخ المنهج الوسطي في القول والرأي

وقد أطلقت الرابطة المحمدية، في نهاية تموز (يوليو) 2022، سلسلة دورات علمية في مجال بناء القدرات للوقاية من خطر التطرف وخطاب الكراهية تحت عنوان "التمنيع من التطرف العنيف: أيّ وظيفية للحوارات الخلفية والخرائط الذهنية؟".

الرابطة قدّمت العديد من الدراسات والمقالات الفكرية والنقدية في تفكيك خطاب التطرف، آخرها دراسة نشرت حديثاً بخصوص توظيف الآليات الاستنطاقية لفهم السياق الداخلي، الذي هو النص القرآني المؤسس والسنّة الموضحة له، والسياق الخارجي الذي هو واقع الناس ومحاورة الكون، بآلياتٍ علمية ومنهجية.

وسعت الرابطة إلى التعاون مع المؤسسات الدولية المختلفة لمواجهة الفكر المتطرف، وواصلت جهودها الرامية إلى التصدي للتطرف والتطرف العنيف، على مستوى مختلف الجبهات، لا سيّما جبهة العالم الرقمي، الذي تستغله المنظمات المتطرفة لتجنيد الشباب واستقطابهم.

مواضيع ذات صلة:

المؤسسات الدينية والمنعطف الرقمي

النظام التركي يستخدم مرة أخرى المؤسسات الدينية... ما الجديد؟

هل تستطيع المؤسسات الدينية التقليدية أن تقدم جديداً ؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية