
تأسس حزب التحرير عام 1953 على يد تقي الدين النبهاني كمنظمة منشقة عن جماعة الإخوان المسلمين، احتجاجًا على تعاون الإخوان مع العلمانيين في مصر. تأثر النبهاني بأفكار كل من حسن البنا وسيد قطب، وشارك في أنشطة الجماعة خلال إقامته في القاهرة، لكنه انقلب لاحقًا على مسارها، معتمدًا خطابًا أكثر تطرفًا يركز على إقامة الخلافة الإسلامية.
ورغم التشابه في بعض المفاهيم بين الحزبين، فإن حزب التحرير طور رؤية خاصة تجمع بين تصور كلاسيكي للخلافة الإسلامية وتأثيرات الفكر السياسي الحديث. وقد تبنى الحزب خطابًا عقائديًّا يقوم على احتكار الفهم الصحيح للإسلام، والسعي لإقامة دولة الخلافة على أساس شمولي، ما جعله يمثل اتجاهًا أكثر حزمًا في مشروع الإسلام السياسي مقارنة بجماعة الإخوان.
التغلغل الفكري بين الإخوان وحزب التحرير
وبحسب دراسة لمركز "تريندز للبحوث والاستشارات"، فإن التأثير الفكري بين جماعة الإخوان وحزب التحرير هو -في كثير من النواحي- عملية معقدة وشائكة. وفيما يرفض بعض أعضاء الجماعة هذه الفكرة، يرى آخرون أنها ليست تأثيرًا، بل جزء أساسي من أيديولوجية الإخوان.
وقد يقع هذا الاختلاف بسبب اختلاط الأفكار وتلاقحها، وانتقال الأفراد من حزب التحرير إلى الإخوان وبالعكس. وفی الواقع، فإن الاختلاف فی النهج لا ینتقص من وحدة الهدف بین هاتین الجماعتین.
وبحسب الدراسة فإن الرؤية السياسية لما كانت لحزب التحرير تقوم على المزج بين السياسة والدين على أساس تطبيق الشريعة في جميع جوانب الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وإقامة دولة الخلافة، باعتبارها السبيل الوحيد لإقامة المجتمع العادل الذي لا يمكن تحققه إلا في إطار مثل هذا النظام، فإن هذه الرؤية تُوحّد بين جماعة الإخوان وحزب التحرير تمامًا، حيث إن لكليهما أيديولوجيات شمولية تسعى إلى الهيمنة العالمية، وتختبئ وراء أقنعة دينية.
كما أن حزب التحرير، الذي ينشط في أكثر من أربعين دولة حول العالم، ويرتبط في كثير من الأحيان بالمنظمات الإرهابية، مرتبط بشكل وثيق بجماعة الإخوان في أيديولوجيته، وحتى في بعض تكتيكاته، لدرجة أنه من الصعب تمييز توجهاته، خاصة في الشرق الأوسط ككل، وفقا لما ورد في الدراسة.
وبتطبيق عقيدة حزب التحرير القائمة على تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر، فإن دار الإسلام، من وجهة نظر الحزب، هي دار تطبَّق فيها أحكام الإسلام في جميع مناحي الحياة في المجتمع، فيما بلاد الكفر هي بلاد لا تطبق فيها أحكام الإسلام بالمفهوم السابق.
الحزب والإخوان ورغم أنهما يتفقان على القضية الرئيسية المتمثلة في “الخلافة” فإن لكل من الجماعتين نهجها الخاص لتحقيق هذا الهدف
وقالت الدراسة إن أتباع سيد قطب (جماعة الإخوان وحزب التحرير) جميعهم يريدون إسقاط حكوماتهم الحالية، ثم إعلان الجهاد المسلح ضد الدول الكافرة؛ لأن مفهوم سيد قطب للجاهلية يفرض عليهم الجهاد من أجل التغيير، أخذًا في الحسبان تعريفه لدار الإسلام ودار الكفر.
بالنظر لخطة حزب التحرير لإقامة “الخلافة”، فإنه يظهر أن هذه الفكرة هي استمرار لأفكار جماعة الإخوان، التي تبدو في الواقع أكثر تشددًا وتناقضًا؛ لأن جماعة الإخوان تعتقد أن إعادة الخلافة هي أحد مبادئها الأساسية التي يجب أن تسعى إليها بمختلف السبل، فيما يرى حزب التحرير، بطريقة أكثر تجريدًا، أن الخلافة والحكم الشمولي من المبادئ التوحيدية للإسلام، وعزيمة شرعية لا رخصة، ولا تراخي فيها.
وشددت الدراسة على أن الإخوان وحزب التحرير، رغم إصرارهما على وجود نظام سياسي يقوم على الخلافة، فقد أدركا أن هذه الفكرة لديهما ليست أكثر من خطة مجهولة وغير فعالة في مواجهة إقليمية الدول المبنية على الخصائص الثقافية والاجتماعية.
فضلًا عن ذلك، فقد أثبت الهيكل السياسي العالمي أنه سياق عملي؛ ما جعل الخطط الوهمية للإخوان وكل الجماعات الإسلاموية عبثية ودون معنى. يتضح ذلك من حقيقة أن الحزب والإخوان اضطرا في نهاية المطاف إلى تنظيم أنشطتهما كحزب أو جماعة عابرة للحدود الوطنية ذات فروع وطنية.
التكتيكات وأساليب العمل
ورغم أن الإخوان المسلمين وحزب التحرير يزعمان أنهما ليسا متطرفين وإرهابيين، ولم يدعوَا علنًا إلى استخدام الأسلحة، فإنهما في الواقع لم يكونا مستعدَّين أبدًا لإدانة الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات الجهادية المختلفة حول العالم.
وبدلًا من ذلك، وفي حين يروجان لأيديولوجيتهما المتطرفة، فإنهما يواصلان تدريب عناصرهما على استخدام الأسلحة وتصنيعها. وقد كشفت الأحداث الأخيرة في الأردن عن الأنشطة الإرهابية الشاملة لأعضاء حزب التحرير. ولتحقيق هذا الهدف، فإنهم يسعون إلى التأثير في مختلف شرائح المجتمع من خلال نشر الكراهية، وجذب الناس إلى سياقات تاريخية ممزوجة بالدين، وذلك وفق ما أكدته الدراسة.
وبما أن هذه الجماعات تعمل على تعزيز أيديولوجيتها من خلال مزيج من السرية والعنف، فإنها تؤكد ضرورة التحلي بالصبر الاستراتيجي في برامجها التعليمية والتدريبية. ومن أجل دمجه مع المفاهيم الدينية، وإثارة مشاعر جمهورها، فإنها تدرس الدعوة الإسلامية في العصر المكي، عبر استحضار حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة”.
وبالنظر إلى مواقف الإخوان وحزب التحرير مع الجماعات الإرهابية الأخرى، وتمجيد أفعالها، يتبين أن هذه التنظيمات ترى أن جميع الجهود الإرهابية الإسلاموية تصب في الاتجاه نفسه “إحياء الخلافة”. ولذلك، فإن هناك العديد من الأمثلة على تعاون الإخوان وخلايا حزب التحرير مع جماعات إرهابية متشددة.
مراحل وصول الإسلاميين/ الإسلامويين، من وجهة نظر الإخوان لـ”الخلافة” تعترضها صعوبات “التمكين” والمرحلية التي تستغرق وقتًا طويلًا
بالمقابل، أشارت الدراسة إلى أن الحزب والإخوان ورغم أنهما يتفقان على القضية الرئيسية المتمثلة في “الخلافة”، فإن لكل من الجماعتين نهجها الخاص لتحقيق هذا الهدف. وبشكل عام.
ففيما تحاول جماعة الإخوان التقرب من الحكومات لتحقيق هدفها الطويل الأمد المتمثل في إقامة “الخلافة”، يسعى حزب التحرير بشكل مباشر إلى الإطاحة بالحكومات الوطنية؛ لاعتقاد التحريريين أن مراحل وصول الإسلاميين/ الإسلامويين، من وجهة نظر الإخوان لـ”الخلافة”، تعترضها صعوبات “التمكين”، والمرحلية التي تستغرق وقتًا طويلًا.
فالأمر عند حزب التحرير يرتكز إلى “الجهاد” بطرق مختلفة للوصول إلى الحكم بشكل واضح، وإن كانت هناك تناقضات في مفهوم الجهاد نفسه لديه؛ لأن الجهاد خاص بالقتال، عكس الإخوان الذين يعتمدون أساليب “ملتوية وفيها الكثير من المناورة بين السياسة والعنف”.
وفي حين أن الإخوان تستهدف شرائح مختلفة من المجتمع من حيث تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية من خلال تأسيس المدارس والمستشفيات والأنشطة التجارية؛ من أجل توجيه الرأي العام نحوها، فيما لا يهتم حزب التحرير بالجمهور العام، ويعمل فقط على مستوى المثقفين والمتعلمين؛ من أجل تحقيق الهدف من خلال النخبة الفكرية والعسكرية.
وبحسب الدراسة، فإن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يدّعون أنهم يعملون ضمن إطار النظام السياسي القائم، ويسعون إلى تغييره تدريجيًّا، كما حدث في مصر تحت شعار “الإصلاحات التدريجية من أجل تطبيق الشريعة وأسلمة المجتمع”. غير أن حزب التحرير، في المقابل، يعارض هذا النهج بشدة، وينتقد المقاربة السياسية التدريجية، أو المشاركة في العمليات الانتخابية والتشريعية بقصد التأثير في عملية صنع القرار، عبر وسائل ديمقراطية؛ لاعتقاد الحزب أن هذا النهج يسهم في دعم النظام القائم، ويحول دون تأسيس نظام “الخلافة”.