أوروبا تواجه موجة محتملة من الإرهاب... ما علاقة الإخوان؟

أوروبا تواجه موجة محتملة من الإرهاب... ما علاقة الإخوان؟

أوروبا تواجه موجة محتملة من الإرهاب... ما علاقة الإخوان؟


01/09/2024

تشهد أوروبا شكلاً جديداً من التطرف والإرهاب من الداخل، يتماشى مع متطلبات الجماعات المتطرفة التي تقوم على استقطاب الشباب عن بُعد وعبر الإنترنت أكثر من المنابر الحقيقية، كما تسعى الجماعات المتطرفة إلى تحقيق أهداف سياسية وإيديولوجية مختلفة، وتتبنّى استراتيجيات متشابهة في ممارسة العنف، وجميعها تعتمد على نشر الخوف والرعب، وفق دراسة حديثة للباحث جاسم محمد، رئيس (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات). 

تعمل الجماعات المتطرفة، وفق الدراسة التي جاءت تحت عنوان: "مكافحة الإرهاب ـ نشاط داعش في أوروبا، ما طبيعته وما المعالجات؟"، تعمل بشكل منظم على استغلال وسائل التواصل والإنترنت واستثمار أدوات العولمة لنشر أفكارها، وهذا ما يمثل تحدياً كبيراً للحكومات وأجهزة الاستخبارات.

مواجهة حاسمة

يساهم الاتحاد الأوروبي، بحسب الدراسة، في جهود مكافحة الإرهاب من خلال الكشف عن مسارات الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، وقد أثرت الهجمات الإرهابية بشكل مباشر على الدول الأعضاء خاصة في غرب أوروبا، ونجحت بعض الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا، بتنفيذ عمليات استباقية، وأخرى وقائية، لمنع وقوع عمليات إرهابية. وما تزال الدول الأعضاء تنظر إلى الإرهاب الإسلاموي "الجهادي" باعتباره التهديد الإرهابي الأكثر بروزاً للاتحاد الأوروبي. 

تشهد أوروبا شكلاً جديداً من التطرف والإرهاب من الداخل، يتماشى مع متطلبات الجماعات المتطرفة التي تقوم على استقطاب الشباب عن بُعد وعبر الإنترنت أكثر من المنابر الحقيقية

ويوضح الباحث جاسم محمد أنّ الجماعات المتطرفة، بعد أن كانت تعتمد على أن تكون تنظيماتها مركزية، وهي من تقوم بإدارة فروعها وتمويلها، وترتكز هذه التنظيمات والفصائل على "كاريزما" وعلاقات زعاماتها وقياداتها، تجعلنا الآن أمام إرهاب غير مركزي، مناطقي يترك للتنظيمات اختيار الأهداف والتشغيل المناطقي، والمقصود هو أنّ هذه الجماعات المتطرفة المناطقية هي من تخطط وتنفذ وتحصل على التمويل من مصادرها التي تتركز في "الجزية والإتاوات وقطع الطرق والرهائن وتهريب البشر وسوق السلاح السوداء والعملات المشفرة". 

ويتسم مشهد التطرف والإرهاب في أوروبا، ومن ضمنه دول الاتحاد الأوروبي، بتنفيذ هذه الجماعات المتطرفة عمليات الذئاب المنفردة؛ بسبب عدم قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية واسعة، بسبب الجهود التي تبذلها الاستخبارات الأوروبية في مكافحة الإرهاب.

تحديات جديدة

شهدت أوروبا خلال عام 2015 موجة إرهاب عابر للحدود، أثرت كثيراً على واقع الأمن والاستقرار في أوروبا، وأحدثت الكثير من الانقسامات داخل مجتمعات أوروبا، من خلال نشر الكراهية والعنف والتطرف والإرهاب. لكن اليوم اختلف الإرهاب في أوروبا، ليكون في الغالب عمليات "ذئاب منفردة" محدودة وتقليدية، وأصبح تنظيم (داعش، ولاية خراسان)  يستهدف التأثير والتجنيد على جيل جديد من الشباب داخل أوروبا، في الغالب يكونون من المراهقين، وتحت سن الـ (20) عاماً، وربما يكونون من أصول مهاجرة، من جنوب ووسط آسيا ومن الشرق الأوسط.

وهذا يعني أنّ الإرهاب في أوروبا أصبح محلياً من الداخل، غير مستورد، رغم أنّه يقع تحت تأثير الدعاية المتطرفة على الإنترنت من الخارج، وفق الدراسة. 

وتشير الدراسة إلى أنّ الأمر يبدأ على منصات الإنترنت، التي تجذب الشباب جداً، ويتم تشغيلها بشكل كبير من خلال الخوارزميات، فإذا قمت بالنقر (3) مرات على مقطع فيديو يتعلق بفلسطين، على سبيل المثال، فلن ترى سوى المحتوى ذي الصلة فقط. ولأنّ هذه المنصات تعمل من أجل السيطرة على محتواها، فمن السهل على المستخدمين استغلال الدعاية "الجهادية." 

الإرهاب في أوروبا أصبح محلياً من الداخل، غير مستورد، رغم أنّه يقع تحت تأثير الدعاية المتطرفة على الإنترنت من الخارج، وفق الدراسة

وينتهي الأمر بالمستهدفين في مجموعة مغلقة، وداخل المجموعات المغلقة يتبادلون المعلومات المشفرة مع آخرين لديهم اهتمامات مماثلة، ويرسلون لبعضهم بعضاً مقاطع فيديو عن الهجمات، ويتحمسون للعنف المصور، وينصبّ التركيز دائماً على التخيلات العنيفة، حيث تلعب الإيديولوجية دوراً ثانوياً.

وتشير الدراسة إلى أنّه كان هناك حوالي (5500) مقاتل أوروبي في سوريا والعراق، كانوا إمّا من المهاجرين إلى أوروبا، وإمّا وُلدوا لأبوين من مواطني الاتحاد الأوروبي. وكشف الباحثان البلجيكيان توما رينار وريك كولسايت، الخبيران بشؤون المتشددين بمعهد (إيغمونت) في بروكسل، أنّ فرنسا تأتي على رأس قائمة المعتقلين الأوروبيين، تليها ألمانيا وهولندا والسويد وبلجيكا. وما يزال ملف المقاتلين الأجانب في مخيمات سوريا موضع نقاش وجدل بدون حلول جذرية، وهذا يمكن أن يخلق من جديد "محركات" إرهاب متطورة وجيلاً جديداً من التطرف العنيف.

وتضيف الدراسة: "إنّ جهاديي أوروبا كانوا يحصلون على امتيازات واسعة داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين، وكان لهم تأثير كبير في عمليات التجنيد، بينهم الألماني دنيس كوسبرت، وجاسم موازي من بريطانيا."

داعش في أوروبا

كشفت التقارير الكثير من الحقائق حول خلية هامبورغ ـ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ومنها العوامل التي تدفع قيادات "جهادية" من اتخاذ ألمانيا وبعض دول أوروبا نقطة انطلاق لأنشطتها وعملياتها الإرهابية، وقد كانت مدينة هامبورغ نقطة انطلاق خلية هامبورغ الإرهابية. 

وكان  الداعية (أبو ولاء) يخطب علناً، ويعطي دروساً دينية في مسجد بمدينة هيلدسهايم الألمانية خلال عام 2014. ويقوم بعمليات التجنيد المباشر لإلحاق الشباب من داخل أوروبا بتنظيم (داعش) في العراق وسوريا.

وقد شهدت دول أوروبا خاصة استقطاباً وترحيباً بـ "الجهاديين"، رغم تورط هذه العناصر والجماعات في عمليات إرهابية في أوطانهم، وكشفت أوراق الاستخبارات البريطانية، على سبيل المثال، الكثير من أسرار علاقة الإخوان بالاستخبارات البريطانية، وأبرزهم: مصطفى كمال مصطفى وشهرته (أبو حمزة المصري)، و(أنجم تشودري) في بريطانيا.

إنّ جهاديي أوروبا كانوا يحصلون على امتيازات واسعة داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين، وكان لهم تأثير كبير في عمليات التجنيد، بينهم الألماني دنيس كوسبرت، وجاسم موازي من بريطانيا

في الوقت الحالي لا يحتاج تنظيم (داعش) لإرسال مقاتلين جدد إلى أوروبا، كما فعل في عامي 2014 و2015، وإنّما يتم استثمار المتعاطفين مع التنظيم. وخطاب تنظيم (داعش) يقول: "أنت يمكن أن تصبح مقاتلاً، ولا تحتاج للقدوم إلى سوريا أو الانضمام إلى (داعش)، كلّ ما عليك فعله هو تسجيل مقطع فيديو، والاعتراف بتنظيم (داعش) قبل اتخاذ أيّ إجراء، ثم نعترف لك بأنّك مقاتل داخل التنظيم، يحق لك العمل و"الشهادة".

وبهذه الطريقة يعمل تنظيم (داعش) على زيادة قدراته وإمكانياته، وهناك استراتيجية أخرى تتمثل في قيام قيادات تنظيم (داعش) بالبحث عن المجندين المحتملين في الإنترنت، ومن ثم توجيههم كموجهين، ويستخدم التنظيم الخوارزميات والذكاء الاصطناعي من أجل الوصول إلى أشخاص لديهم ميول نحو التطرف العنيف عبر الإنترنت.

وتخلص الدراسة إلى أنّ أوروبا تظل عرضة للتهديد الإرهابي ونشر الدعاية "الجهادية" ضمن مساعي الجماعات المتطرفة لتجنيد عناصر جديدة وكسب أنصار جدد من داخل أوروبا. 

إنّ استهداف أوروبا، بتنفيذ عمليات إرهابية فيها، يعني الكثير لهذه الجماعات، ويعطيها الكثير من "المصداقية أو الحضور في المشهد الجهادي" والحصول على المزيد من التمويل.

وإنّ ما يحصل الآن من تطرف وإرهاب في أوروبا هو نتيجة سياسات أوروبية متراخية ولينة سابقة، والبعض منها ربما كانت مقصودة، لتفريغ أوروبا من "الجهاديين"، واستقطاب الإرهاب في منطقة الشرق الوسط، وأحياناً يتداخل ذلك في أجندات جيوسياسية.

فضلاً عن ذلك، بات متوقعاً أن يكون مشهد الإرهاب في أوروبا على غرار الذئاب المنفردة، وتكون عمليات محدودة مثل الطعن بالسكين، ومن المستبعد أن تنجح الجماعات المتطرفة بتنفيذ عمليات واسعة في أوروبا، ويعود ذلك إلى الجهود التي تبذلها الحكومات والاستخبارات في مكافحة الإرهاب في أعقاب موجة الإرهاب عام 2015.

وأوصت الدراسة بضرورة إيجاد آليّات لمعالجة ذلك؛ أبرزها: الاستجابة والردّ السريع لتحييد المهاجمين، باعتماد مفارز متحركة في المناطق العامة، واعتماد الإجراءات التقليدية في حماية التجمعات عند المناسبات، وتعزيز ميزانية أجهزة الأمن، وتعزيز مواردها البشرية من أجل تمكينها في مواجهة التهديدات المتطورة. وتعتمد ألمانيا بشكل كبير على المعلومات والتحذيرات الواردة من الخارج، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، لذا يجب أن يكون الهدف تطوير ودعم وكالات الاستخبارات من أجل ضمان الوقاية والملاحقة القضائية الفعالة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية