أهداف حماس تتقدم على الإخوان

أهداف حماس تتقدم على الإخوان

أهداف حماس تتقدم على الإخوان


11/02/2024

محمد أبو الفضل

يعلم كثيرون أن حركة حماس الفلسطينية هي إحدى أذرع جماعة الإخوان المصرية، وتنسجم معها في تصوراتها وتوجهاتها وتصرفاتها، وتتقاطعان في حسابات إقليمية ودولية مختلفة. ورغم أن الأولى أدخلت تعديلات على ميثاقها أوحت بتركها مسافة بينها وبين الإخوان، فإن الروابط العملية قللت من تأثير التباعد على العلاقة التاريخية، بالتالي ما تقوم به الجماعة ينعكس على حماس، لكن هل ما تقوم به الأخيرة ينعكس على الأم؟

يشغل هذا السؤال بال مهتمين بما قامت به الحركة من عملية نوعية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، لأنها استدعت ردا عسكريا قاسيا على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وخرجت من رحمها اجتهادات تتعلق بمصير حماس في العمل العام، وعلاقاتها الخارجية، خاصة بعد فشل العملية الإسرائيلية التي استهدفت غزة في تحقيق أهدافها، وأبرزها اجتثاث الحركة وإخراجها من المشهدين الأمني والسياسي، واستعادة الأسرى والمحتجزين لديها، ووضع ترتيبات منفردة لمصير القطاع.

وكشفت مفاوضات التهدئة والإفراج عن الرهائن بوساطة مصرية – قطرية عن قدرة حماس على التكيف مع بعض المعطيات الإقليمية، فتعاملها كمقاومة لا يخلو من مرونة وقراءة للمشهد في إسرائيل والمنطقة عندما تم حشرها في خانة ضيقة، بما يجعلها تتفوق على الجماعة الأم في اختبارها المصري عام 2013، والذي أدى بها إلى ضياع السلطة من بين يديها، وتشريد قياداتها، وتجفيف جزء كبير من منابعها في مصر.

جاء جزء من تفوق الحركة نتيجة استفادتها مما جرى للجماعة في كل من مصر وتونس والمغرب والسودان، وكل الدول التي تقلص فيها دور الإخوان مؤخرا، ومع أنه ليس هناك وجه قوي للشبه بين تعامل إسرائيل مع حماس وبين تعامل دول عربية مع الجماعة، إلا أن الجهتين تُجمعان على ضرورة إنهاء سلطتهما المادية والمعنوية.

ومهما كانت الخلافات الأيديولوجية مع حماس، فإن كفتها رجحت بسبب نجاحها في تثبيت موقفها كحركة مقاومة ضد قوات الاحتلال الشرسة، ما وفر لها تعاطفا في ساحات عربية متباينة، ولم يجرؤ مختلفون معها على الإفصاح عن غضبهم منها في خضم معركتها، بشكل أدى إلى فصل ضمني بينها وبين الجماعة الأم، لأن إدارتها لحرب تفتقد التوازن العسكري بدت ذكية عند قراءة ما يدور على حوافها السياسية.

وتفوقت أهداف حماس على أهداف الإخوان في العموم، وعلى أهداف الإخوان في مصر على وجه الخصوص، ولم تقع في فخ نصبته لها إسرائيل كحركة إخوانية متشددة، طموحاتها الجغرافية تتجاوز حدود قطاع غزة والضفة الغربية.

وبدا الخطاب الإسرائيلي حريصا على توظيف مضمون المثل العربي “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، بمعنى أن انتصار حماس معنويا وليس ماديا في هذه المعركة سوف يؤدي إلى عودة نفوذ الإخوان في بعض الدول العربية التي ضاقت بهم ذرعا.

انتبهت الحركة إلى هذه النوعية من الدعاية، وحافظت على خيوط مع قوى فلسطينية اختلفت مع أدبياتها السياسية، وحرصت على عدم التفريط في علاقتها الجيدة مع القاهرة، مستثمرةً كوْنها صارت جزءا متقدما للدفاع عن الأمن القومي المصري منذ توصلها إلى تفاهمات أمنية قبل سنوات والامتناع عن تجاوز حدود غزة وتهريب متطرفين وأسلحة إلى سيناء، وتعاونها مع مصر بشأن ما اتخذته من إجراءات أمنية على طول الحدود مع القطاع، والفصل بينها ظاهريا وبين جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر.

اقتربت الحرب بين حماس وإسرائيل من الدخول في مرحلة تهدئة تمهيدا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار إذا مضت التحركات التي تقوم بها مصر وقطر والولايات المتحدة في طريقها لعقد صفقة بلا تعقيدات أو مفاجآت تعرقلها.

وتشير هذه الخطوة إلى أن حماس صمدت وأَفْشَلت خطة إسرائيل للتخلص منها نهائيا حتى الآن، وبالطبع ستكون للإجهاد العسكري الذي تعرضت له الحركة تأثيرات على مكانتها في غزة والمنظومة السياسية الفلسطينية.

ثمة معادلة متشابكة قد تظهر ملامحها قريبا، عمادها أن علاقات حماس مع مصر أثناء الحرب وقبلها بدت مستقرة، وعلاقات أنقرة مع القاهرة في سبيلها إلى التطور عندما يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصر، بعد تهدئة لافتة بين البلدين حول ملف الإخوان دون التخلي عنه كورقة في حسابات أنقرة، ومن ثم هل يمكن أن يتغير سلوك الإخوان حيال النظام المصري وتقتدي الجماعة بمنهج حماس؟

لا شك أن تقاسما للمهام والعلاقات تم على أعلى مستويات القيادة الإخوانية كي تتأقلم مع مسعى التقارب بين مصر وتركيا، لأن استمرار الجماعة في طريقها كبدها خسائر فادحة، وأفضى إلى تقويض أهميتها لدى قوى مختلفة، ولم يعد أمامها إلا القيام بمراجعة حقيقية، قيل إنها بدأتها مؤخرا، وتقديم رؤية تتواءم مع تحولات المنطقة قبل أن تصبح خارج التاريخ، فارتباط حماس بها قد يتراجع، لأن الحركة إذا خرجت بأقل الخسائر السياسية قد تضع أفكارا تتكيف بها مع المستجدات الفلسطينية قبل الإخوانية.

وما قامت به الحركة في السابع من أكتوبر الماضي يقوض الكثير من التعاطف مع جماعة الإخوان كحركة اعتقدت جهات غربية أنها معتدلة، وكان جزء من تشجيعها مرتبطا بفكرة وهمية تتعلق بضرب المتطرفين وتقليص نفوذهم، ما يعني أن تمسك حماس بإخوانيتها على سبيل التقية يقود إلى إجهاض أي مشروع وطني تعلن عنه.

وإذا كانت حماس قد استفادت من أخطاء الإخوان عليها التقارب مع القوى الفلسطينية الوطنية قولا وعملا، فهلاك الجماعة الأم في مصر جاء بسبب غطرستها السياسية، وتصورها أن وصولها إلى الحكم يؤمّن وحده النفوذ، وهو ما ظهر في تحركات الحركة بعد سيطرتها على غزة منذ 18 عاما، ويقينها أنها فوق القوى الوطنية الأخرى.

ما يجعل أهداف حماس مختلفة عن أهداف الإخوان أنها في معركة مع قوة احتلال، ويصعب أن تحقق نصرا في ظل تمسكها بأفكار عقائدية، لأنها تزعج قوى إقليمية ودولية، وهي واحدة من الزوايا التي مهدت الطريق لحصول إسرائيل على دعم كبير من دول غربية، وموافقات خفية من دول عربية على استمرار قسوتها ضد حماس جراء ارتباط مجموعة من أذرع إيران العسكرية بها، وما يمكن أن يسببه هذا التوجه من أزمات.

تتقدم أهداف الحركة على أهداف الجماعة عندما توقن أن المقاومة لها أدوات أخرى، ويتم منح أولوية للأداة السياسية بما يتناسب مع تغيرات في المنطقة، ومن المؤكد أن قدرات حماس العسكرية بحاجة إلى سنوات طويلة لإعادة بنائها.

وبعد أن خلّفت عملية طوفان الأقصى طوفانا أكبر من العمليات العسكرية التي نالت من الفلسطينيين لن يكون أمام حماس سوى الالتحاق بالركب السياسي لتتحاشى أخطاء الإخوان، وتسير في الطريق المقابل عندما نبذت الجماعة الأم السياسة وتبنت العنف.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية