ظهرت مؤشرات عدة في الإسبوع الماضي، على سعي أمريكي حول مواجهة إيران في العراق، بدأها تصريح لافت لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو الذي تحدث عن رسالة تهديد وجهها إلى قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وأنهاها سفير واشنطن إلى بغداد دوغلاس سيليمان بتصريح حول مشكلة في العراق عنوانها التهديد الإيراني.
وأكد السفير الأمريكي سيليمان الذي تولى مهامه في بغداد في سبتمبر 2016، أنّ نفوذ إيران في العراق بات مشكلة تنظر إليها بلاده على محمل الجد، موضحاً "إيران ببساطة لا تحترم سيادة جيرانها. نعم ساعد الإيرانيون - إلى حد ما - حكومة العراق في هزيمة داعش لكنني بصراحة لم أر الإيرانيين يتبرعون بالمال للمساعدة الإنسانية، ولم أشاهدهم يساهمون فى برنامج الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في العراق".
ويؤكد مراقبون أمريكيون أنّ "تحجيم الميليشيات المدعومة من إيران" والمنتشرة في شمال العراق ووسطه، عبر دعم القوات العسكرية العراقية وقائدها العام، رئيس الوزراء حيدر العبادي، وإسناد برنامج حكومته في إعادة إعمار المناطق السنية المدمرة، سيكون نهجاً مهماً في مواجهة إيران، إلى جانب فرض عقوبات على الحرس الثوري الإيراني القوي النفوذ في العراق عبر ميلشيات شيعية زاد تأثيرها السياسي والأمني بعد الحرب على داعش.
أكد السفير الأميركي في بغداد أن نفوذ إيران في العراق بات مشكلة تنظر إليها بلاده على محمل الجد
وتحت عنوان "بعد محاربة العدو المشترك داعش، تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في العراق"، جاء تقرير "خدمة البث العام" الذي نفذه الصحافي الأمريكي الإيراني الأصل، رضا سايا، ليكشف عن الاحتمالات الممكنة للتوتر الذي يؤكد عراقيون أنهم سيدفعون أثمانه الباهظة.
وينقل التقرير عن الجنرال في الجيش العراقي قيس الحمداوي شعوره بالفخر عن "مهمة منسقة بشكل رائع" تمثلت في الحرب على داعش، حيث كانت "مثالاً للشجاعة والتعاون بين الجميع، قوات الحشد الشعبي ودبابات الجيش وطائرات القوات الجوية العراقية والقوات الجوية الأمريكية، والقوات الخاصة، ومشاركة المواطنين أيضاً. ينبغي أن تكون هذه المعركة درساً لجميع الجيوش في العالم".
ومن بين القوات التي قدمت مساعدة فاعلة للجيش العراقي، كان هناك 500 جندي أمريكي على الأرض، وطائرات مقاتلة أمريكية تقدم الدعم، فيما قامت الميليشيات المدعومة من إيران بمحاصرة داعش في المدن والقرى المحيطة بالموصل لتنهي وحدات المدفعية والقوات الجوية الأمريكية، وجود الجماعة المتطرفة داخل ثاني أكبر مدينة في العراق.
وعن هذا اللقاء المشترك بين طهران وواشنطن، يقول السياسي العراقي مازن الأشيقر "ما يميز كل من إيران والولايات المتحدة هو هدفهما لإنهاء داعش، وهو ما نقدره نحن العراقيون"، مستدركاً "واشنطن وطهران لم تعترفا علناً بهذه الإستراتيجية (المشتركة) ولم يسبق لهما أن اتصلا ببعضهما مباشرة"، متناسياً على ما يبدو ثلاث جولات من المباحثات الأمريكية الإيرانية المباشرة حول العراق شهدتها بغداد 2007.
فرصة نادرة
ومع كون مواجهة داعش " فرصة نادرة حيث تعاونت الولايات المتحدة وإيران ضمناً للتغلب على عدو مشترك"، لكن مسؤولين عراقيين، لا يتوقعون تعاوناً أمريكياً إيرانياً مرة أخرى في بلادهم على المدى القريب، وذلك ينطلق من قراءة واقعية للسياسة الأمريكية حيال إيران، فمع انتخاب الرئيس دونالد ترامب، تصاعدت الحرب الباردة التي دامت أربعة عقود بين البلدين. وفي أكتوبر الماضي، كرر الرئيس دونالد ترامب الاتهامات بأنّ إيران ترعى الإرهاب في المنطقة، وفرضت إدارته عقوبات على الحرس الثوري الإيراني الذي باتت واشنطن تعتبره "ذراع الدولة راعية الإرهاب الأولى في العالم".
وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون لدى زيارته الرياض لتعزيز علاقات العراق مع بلدان المنطقة المنافسة لإيران، قد دعا إلى حل ميليشيات الحشد الشعبي، معتبراً إياها "قوة قتالية إيرانية"، وهو طلب رفضته حكومة العبادي، مشددة على أن مقاتلي الحشد "عراقيون منضوون تحت هيئة حكومية".
يشكّك كثير من العراقيين في أنّ طهران وواشنطن ستغيران سياساتهما، ويقولون إنهما هنا لمصالحهما الخاصة، وليس لمساعدة العراق
الأسبوع الماضي، كشف مدير المخابرات المركزية الأمريكية مايك بومبيو أنه أرسل رسالة إلى القائد الكبير في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، يحذر فيها إيران من سلوكها في العراق، لكنه اعترف "رفض (سليماني) فتح الرسالة"، تاركاً القول الفصل لزعيم الثورة الإيرانية علي خامنئي "أولادي الأعزاء (الحرس الثوري)، لا تنسوا أنه في هذا المكان المهم جداً الذي تتبعون فيه أهدافكم، إن عدوكم الأول هو أمريكا".
وينصح المحلل السياسي الموالي لطهران سيد حسيني "لكي يكون هناك وجود لأمريكا في المنطقة فهي تحتاج إلى مساعدة إيرانية. يجب عليها أن تقبل وجود إيران قوية".
ليس لمساعدة العراق
ويشكك كثير من العراقيين في أن طهران وواشنطن ستغيران سياساتهما، ويقولون "الولايات المتحدة وإيران هما هنا لمصالحهما الخاصة، وليس لمساعدة العراق".
وينقل التقرير الأمريكي عن السياسي المثنى أمين نادر "نحن ندفع ثمن الخلاف الأمريكي الإيراني في العراق. وهي حرب خطرة بالوكالة قد تندلع في بلادنا بين إيران والولايات المتحدة. لقد حان الوقت لنقول كفى للنزيف، يجب أن يدعمنا الطرفان، ولكن أيضاً يجب أن يبتعدا عنا". وهو ما يناقضه التقرير الذي أبقى الباب مفتوحاً حيال التوتر في العراق "مع الكثير من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة وإيران في حال كانت هناك مواجهة، يبدو الابتعاد عن العراق أمراً غير محتمل".