ألا تستحق الثورة الفلسطينية تخليدها في متحف؟

ألا تستحق الثورة الفلسطينية تخليدها في متحف؟

ألا تستحق الثورة الفلسطينية تخليدها في متحف؟


23/04/2019

بون شاسع يفصل بين ردّة فعلك حين تلج متحف هولوكوست في مدينة عالمية، وبين ولوجك متحفاً فلسطينياً تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية؛ لا لأنّ الهمّ الفلسطيني خبز يومي، ما يُدخله في حيّز المألوف؛ بل لسويّة متاحف الهولوكوست، التي تعبر بك إلى لجّة الدهشة والانجذاب حتى نهاية الجولة، فيما المتاحف الفلسطينية تفتقر لعنصر الإدهاش هذا.

في المتاحف الفلسطينية ثمة ملمح لا يمكن إنكاره: تغوّل التراث على الثيمة الثورية وليس الأمر محض مصادفة

يتجاوز الأمر حدّ الإخراج الفني المُتقَن، إن جاز تعبير الإخراج، لكن يتعدّاه إلى الطرح السياسي الجريء والصادم، وذاك الذي يسمّي الأمور بمسمّياتها. في متاحف الهولوكوست يصار لتسمية المحرقة بالمحرقة والنازية بالنازية، ويُعرض كلّ شيء، مهما كان قاسياً، بل ثمة أشياء ستشعر تماماً أنها خضعت لكثير من المبالغة والتضخيم؛ خدمة للأغراض السياسية الحالية، لكن في المتاحف الفلسطينية ثمة ملمح لا يمكن إنكاره: تغوّل التراث على الثيمة الثورية، ورغم أهمية التراث، وخصوصاً في قضية كالقضية الفلسطينية، إلا أنّه لا يُغني عن الطرح الأهم، وهو السياسي والمرتبط بالمقاومة والنضال الثوري.

اقرأ أيضاً: الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال يواصلون إضرابهم.. هذه مطالبهم
ليس الأمر محض مصادفة، على ما يبدو، بل ثمة توجّه عام نحو هذا، حتى على مستوى الفِرق الفلسطينية التي تؤدي وصلات دبكة وأغنيات شعبية: ثمة هروب واضح من الثيمة الثورية، ولو على صعيد النوستالجيا، أي استذكار هذه الأغنيات، ولو غناء فحسب، لا ممارسة سياسية على أرض الواقع، لا شيء من هذا يحدث، وكذلك الحال بالنسبة إلى المتاحف والفعاليات الفلسطينية الثقافية عموماً، ثمة عازل كبير بين التراث والعمل الثوري؛ بل ثمة هروب للتراث؛ لتحاشي الحديث عن فكرة المقاومة والعمل الثوري، الذي وإن أفل، فإنّ آثاره ما تزال حتى اللحظة معيشة ومحسوسة، وما يزال الشعب الفلسطيني يعيش تبعاتها حتى اليوم.

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني
عند أخذ عيّنتين من المتاحف الفلسطينية، هما: متحف الشاعر محمود درويش، والمتحف الفلسطيني، وهما متحفان على سويّة عالية جداً من حيث فخامة البنيان والكادر المشرف على الفعاليات، تبرز ملاحظات عدة، من بينها:

متحف الشاعر محمود درويش
- التراثي يتغوّل على الثوري، من حيث الثيمة: وفي هذا مثلبة لا يمكن القفز عنها؛ إذ إنّ فترة الثورة الفلسطينية تستحق مساحات شاسعة لاستحضارها عبر هذه المتاحف، ومن جوانب عدة، منها؛ النتاج السياسي والثقافي والفني والتاريخي، لكن ما يبدو دوماً أو ما يطفو على السطح؛ هو فعاليات تنحاز للثيمة التراثية من ناحية وللأمسيات الثقافية من ناحية أخرى، فيما تتوارى الثيمة النضالية والثورية للخلف، ويصبح من الصعب بمكان ملاحظتها في مرات كثيرة، وبالوسع تكريس مثل هذه الثيمة من خلال الفعاليات المتخصصة، من قبيل استضافة شخصيات تتحدث عن تلك الحقبة وتخلّدها، عبر السرد التاريخي، وعبر الأمسيات المتخصصة والمعارض الفنية، سواءً كانت بصيغة استدراكية أو على هيئة تجسيد حديث لتلك المرحلة، وما المانع حتى لو كانت هناك ذخيرة معروضة، ولو من حيث الصور (نتفهم صعوبة نقل هذه الذخيرة للداخل المحتلّ)؟ لماذا لا يعرف مرتاد المتحف الفلسطيني كيف هو الفوتيك الذي كان يرتديه الثوّار الفلسطينيون؟ لماذا لا نرى متعلّقاتهم وصوراً لسهراتهم على العود عند المتاريس؟ كل هذا ضروري والقفز عنه بمثابة قفز عن الحقبة الأهم في الحكاية الفلسطينية، لماذا لا يتحدّث ضحايا الانتفاضة عبر تسجيلات صوتية ومصوّرة كتلك الموجودة في متاحف الهولوكوست؟

المتحف الفلسطيني
- النشاط المنتظَر لهذه المتاحف ليس في فلسطين؛ المنتظَر من هذه المتاحف أن تجوب العواصم العالمية؛ للترافع عن التاريخ الفلسطيني بجوانبه كافة، وإلا فإنّ كلّ شيء سيبقى على هيئة "مونولوج"، أي الحوار الداخلي فقط، ما الجديد الذي ستضيفه هذه المتاحف بمعروضاتها المألوفة لدى الفلسطينيين؟ لماذا لا يكون هنالك مبدأ نشر وتوعية حول الحقّ الفلسطيني، مثلما تفعل متاحف الهولوكوست؟ التمويل يكاد يكون معدوماً لأنشطة رواية الحكاية الفلسطينية للعالم، وإن وُجِد شيء كهذا فإنما يكون موجهاً للدول العربية، كالضحية تردّد بينها وبين نفسها المأساة، بدلاً من توجيه الحديث لمن لا يعرفون الحكاية في أصقاع العالم، لماذا لا يجوب المتحف الفلسطيني المدن العالمية ويصنع تظاهرات ثقافية وفكرية وفنية تحت عنوان فلسطين، ويستضيف ناشطين من أنحاء العالم كله وعوامّ لا يعرفون شيئاً عن القضية، ويبدأ بتوعيتهم حول الحكاية الفلسطينية؟

فترة الثورة الفلسطينية تستحق مساحات شاسعة لاستحضارها عبر هذه المتاحف وبخاصة النتاج السياسي والثقافي والفني والتاريخي

- ثمّة فكرة لم ترَ النور، كانت مزمعة منذ عام 2008، وتحديداً إبّان إمساك تهاني أبو دقة حقيبة وزارة الثقافة؛ وهي فكرة متحف "الأمل والألم"، لكن أرجئ تنفيذها لأجل غير مسمّى، رغم كون فكرة المتحف تلك كانت شبيهة تماماً؛ بل هي محاكاة لمنهج العدو الإسرائيلي في متاحف الهولوكوست.
أين ذهبت تلك الفكرة؟ ولماذا لم تُستأنف؟ لماذا لا يُجمع الفلسطينيون كلهم تحت سقف متحف واحد بمبدعيهم وثوّارهم وفدائيّيهم وفنّانينهم ولاجئيهم ونازحيهم، عوضاً عن تشتيت الجهد والتكاليف؟ سيكون الطرح منقوصاً إن طُرِحت القضية من جانب ولم تُطرَح من الآخر، والمنقوص الأساس هو الجانب السياسي الثوري الذي صنع للشعب الفلسطيني وجوداً حقيقياً في عقود خلت، ألا تستحق الثورة الفلسطينية تخليدها في متحف وطرح تفاصيلها بجرأة، كي لا تنشأ أجيال فلسطينية لا تعرف شيئاً عنها، ولئلا يبقى العالم جاهلاً بها أو محتفظاً بصور مغلوطة حولها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية